
للشهيد علاقة متفرّدة مع المناجاة الشعبانية، كيف لا وهي مناجاة الأئمة (عليهم السلام) ومناجاة العرفاء.
لذا عندما اعتقل مرّ عليه أول شعبان وهو في العزل الانفرادي فكان يقرأ منها ما حفظه في ذاكرته، وفي العام التالي بعد أن التقينا به في إحدى الزيارات قال لي أماه إني أحفظ فقرات من المناجاة الشعبانية، ولكن قد أقدم وقد أؤخر في بعض فقراتها، هل يمكنك طباعتها لي بخط صغير جدًا في قصاصة، وإحضارها لي في الزيارة القادمة؟
لم أعتد أن يطلب الشهيد شيئًا ولا ألبيه له، لم أفكر أبدا في عواقب ذلك، كانت العاطفة هي التي تحركني وكأن عقلي توقف في هذه اللحظات عن التفكير، فطبعتها كما طلب.
وحان موعد الزيارة التالية.. كان يصعب عليّ أن أدخلها عبر التفتيش النسائي الدقيق جداً، فطلبتُ من أبيه أن يخفيها بطريقة ما، وفعلاً مرت الأمور بسلام ودخل بها، وضعها على الطاولة ليأخذها جعفر بعد ذلك ويضعها في جيبه، إلى هنا لم يحصل شيئا، ودعناه وخرجنا من الغرفة، ما أن وصلنا إلى باب الخروج من مبنى الزيارات حتى استوقفونا واستدعوا والده إلى داخل غرفة الإدارة حيث لقطت الكاميرا في غرفة الزيارة الحدث، وطلبوا مني الذهاب إلى غرفة الانتظار، عند ذلك فقط بدأ عقلي بالتفكير وأخذت ألوم نفسي فلا أعلم ما الذي سيحصل لزوجي الآن، وأنا وحدي، كل التوقعات كانت محتملة، اشتغلت بالصلوات والذكر، وبعد أن أخذ نصيبه من التهديد والتوبيخ خرج وجاء لمناداتي، كنتُ في وضعٍ لا أحسد عليه أتقلب بين نارين، وقد أخبرني أنّهم أروه ورقة المناجاة بعد أن أخذوها من جعفر، فأخبرهم أنه مجرد دعاء كما هو واضح فزادت لهجة الضابط حدّة وغلظة، لا أذكر كم من الوقت بقي في التحقيق، وعلى الجانب الآخر لا أعلم ما الذي حصل لفلذة كبدي جعفر.
ظلت الهواجس والوساوس طوال الأسبوع إلى أن اتصل الأسبوع المقبل واطمأننت عليه، لكنه لم يعلمني بأي شيء عمّا حصل له، وفي الزيارات اللاحقة أخذ يتأكد مني من ترتيب بعض الفقرات إلى أن دوّنها كاملة.
ما أعظم التراث الذي تركه لنا أهل البيت عليهم السلام! وما أعظم النعم التي نتقلّب فيها ببركتهم! كلّما قرأت المناجاة الشعبانية وجدتُ الشهيد ماثلاً بين حروفها. حاضراً بين طيّات كلماتها النورانيّة.
اللهم ارزقنا دعاءه وشفاعته واجمعنا بهم في مستقرّ رحمتك، واجبر مصابنا بأحسن ما تجبر به مصابًا بمصيبته يا رب العالمين.



