لطالما كان الصبر نتاج تجربة الإنسان، أو علمه ومعرفته بحقائق الأمور، فكلّما كان المرء أكثر إدراكاً ووعياً كان أشدّ قوّة وصبراً؛ ولأجل ذلك نجد المرءَ صاحبَ المعرفة والتجربة في الحياة أكثرَ ثباتاً ممّن لم يخض غمار الحياة بعد، ولم يتعرّف صعوباتها، ولم يعِش شدائدها ومآل أمورها؛ وهذا يعني أنّ البصيرة الّتي تعدّ زبدة معرفة الإنسان، تجعله أكثر إدراكاً للأمور، ما يُحفّزه على التأنّي والتصبّر. ولنضرب لذلك مثلاً، المؤمن الّذي آمن بعقله وقلبه بأنّ الله سيجازيه خيراً وثواباً إذا ما قام بفعلٍ ما، ولو كان شاقّاً ومُجهِداً، فإنّه في هذه الحال نجده أكثر صبراً وتحمّلاً لمشاقّ ما يقوم به في هذا العمل؛ وذلك أنّه يدرك ويعي بأنّ شيئاً عظيماً سيلقاه جرّاء فعله هذا. أمّا الإنسان الّذي لا يؤمن بذلك، فإنّه سيجده صعباً وشاقّاً، ولا يتحمّل ذلك البتة، بل لا يقدم على فعله أبداً، تماماً كالغافل، فإنّه يجد الصلاة شاقّة وصعبة؛ أمّا الخاشعون فإنّها لهم محطّة راحة وسكينة ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ﴾ (1).
من هنا، يستطيع المرء أن يقول: إنّ البصيرة يلازمها الصبر، أو أنّ الصبر من رواشح البصيرة لدى الإنسان.
ولو أردنا النظر في مصداقٍ من مصاديق ذلك، لوجدنا أنّ قادةً كالإمام الخمينيّ (قدس سره) والإمام الخامنئيّ (دام ظله)، وقادة محور مقاومة الاستكبار، كان لديهم وعيٌ تامّ بأنّ الكيان الصهيونيّ يمكن إزالته ببذل الجهود والإصرار والوحدة والاعتداد، وأنّه ليس ثمّة شيء مستحيل إذا ما وُجِدت الإرادة؛ ولأجل ذلك نجد أنّ بذور المقاومة ابتدأت بسيطةً ومحدودةً من حيث المادّة والاستعدادات العسكريّة، ولكن مع البصيرة تلك الّتي لازمها الصبر، وصل الحال إلى أن تكون اليوم رأسَ الحربة الأساس في مواجهة الكيان الصهيونيّ، بل وأمريكا في المنطقة.
فلولا الصبر المقارن للبصيرة لما استطاعت المقاومة الوصول إلى ما وصلت إليه.
المراجع والمصادر
(1): سورة البقرة، الآية 45.