
نبل الشهيد وسموّ أخلاقه وصفاء قلبه ونقاء سريرته من السمات البارزة في شخصيته، وتجلّت بصورة أكبر في سجنه واغترابه عن الأهل والأصدقاء.
كان يتفقد أحوال جميع أفراد العائلة ويخصّ المريض منهم بكثرة السؤال ويطلب التفصيل في ذلك، وتغمره السعادة إن سنحت الفرصة واتصلت بأحد من الأهل أو الأصدقاء ليتحدث معهم، لا يعرف كيف يعبر عن سروره بسرد كلمات الشكر والامتنان لي.
ولا يأخذ في نفسه إن توقف البعض عن السؤال عن أحواله أو إبلاغ السلام اليه سواء كان قريباً أو بعيداً. بل كان يردد هذا هي الحياة، الكل منشغل بحياته، بعمله، لا ألوم أحداً أبداً بل ألتمس لهم العذر.
أمّا البعض من الناس فكانوا يعيشون معنا الهمّ طوال الثماني سنوات، ويتحسّسون أيّ خبر عن جعفر.. جزاهم الله خير الجزاء.
كان الشهيد يمتنّ كثيراً لمن يلحّ في السؤال عنه، ويتفقد أحواله أولاً بأول، واتصالاته (غداً الأربعاء أبلغوا جعفر السلام، اليوم الأربعاء: هل اتصل جعفر؟ ما أخباره؟ متى موعد الجلسة؟؟ ووو).
ودائما يكرر سلموا على الجميع من يسأل عنا ومن لا يسأل واطلبوا منهم براءة الذمة.
يسأل عن أحوال القرية، ما من جديد؟ مَن تزوّج؟ هل أفرج عن أحد المعتقلين؟ وغيرها من التفاصيل.
يتحسس آلام من معه في السجن، بسبب غربتهم وهو غريب، يخاف عليهم أن يحاكموا بأحكام لسنوات طويلة ويطلب منّي أن أخصّهم بالدعاء، وهو المحكوم عليه بأقسى أنواع الأحكام.
يقتصّ من أمواله الخاصة جزءً ليشتري بها شئياً من احتياجاتهم دون أن يشعرهم من هو الذي اشترى ودفع المبلغ عنهم.
يطلب مني السعي للتواصل قدر الإمكان مع أمهاتهم للتخفيف عنهم ومواساتهم.
لا يمكن لكلماتي القاصرة أن تصف الحسن والكمال الذي وصل إليه الشهيد.. والمواقف الشاهدة على ذلك كثيرة..
ملاكنا الشهيد.. لك منا تحيةٌ وسلامُ.



