دمار الأمم بإخراجها رسلها

قال الله تعالى: ﴿وإنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنها وإذًا لا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إلّا قَلِيلًا﴾ ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِن رُسُلِنا ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾ سورة الأسراء – الآية 76-77
هذه الآية الكريمة أيضاً تؤكد المفهوم العام، يقول: ﴿ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾. إن هذه سنة سلكناها مع الأنبياء من قبلك، سوف تستمر ولن تتغير. أن أهل مكة يحاولون أن يستفزّوك لتخرج من مكة لأنهم عجزوا عن إمكانية القضاء عليك وعلى كلمتك، وعلى دعوتك، ولهذا صار أمامهم طريق واحد وهو إخراجك من مكة. وهناك سنة أخرى من سنن التاريخ سوف يأتي إن شاء الله شرحها بعد ذلك. وهي تتمثل في ما إذا وصلت عملية المعارضة إلى مستوى إخراج النبي نت هذا البلد. بعد عجز هذه المعارضة عن كل الوسائل والأساليب والأخرى، فإنهم لا يلبثون إلا قليلاً. وهنا ليس المقصود من (أنهم سوف لا يلبثون إلا قليلاً)، أنه سوف ينزل عليهم عذاب الله سبحانه وتعالى من السماء، لأن أهل مكة أخرجوا النبي بعد نزول هذه الآية. فلقد استفزوه وأرعبوه وخرج النبي (ص) على أثر ذلك من مكة. إذ لم يجد له فيها ملجأ وأماناً فخرج إلى المدينة، ولكن العذاب لم ينزل من السماء على أهل مكة.
إن المقصود – في أكبر الظن – من هذا التعبير هو التعبير هو أنهم سوف لا يمكثون كجماعة صامدة معارضة. يعني كموقع اجتماعي لا يمكثون، وليس كأناس أو بشر. وإنما هذا الموقع سوف ينهار نتيجة هذه العملية، وسوف ينهار هذا الموقع. وحينذاك فإنهم لا يمكثون إلا قليلاً. لأن هذه النبوة التي عجز عن تطويقها هذا المجتمع، سوف تستطيع بعد ذلك أن تهزّ هذه الجماعة كموقع للمعارضة. وهذا ما وقع فعلاً. فإن رسول الله (ص) حينما أخرج من مكة لم يمكثوا بعده. الإ قليلاً. إذ فقدت المعارضة في مكة موقعها، فيما تحولت مكة إلى جزء من دار الإسلام بعد سنين معدودة.
إذن الآية الكريمة تتحدث عن سنة من سنن التاريخ، وتؤكد وتقول: ﴿ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾.
المصدر: التفسير الموضوعي – للشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر


