ثقافة

الذاكرة المعيقة

الكاتب: كامل الهاشمي

عقل الإنسان يماثل ذاكرة الحاسوب الآلي “الكمبيوتر”، فحينما تمتلئ يصبح بطيئا وأداؤه غير سلس، وإذا أردت أن تجعله سريعاً وفعالاً يلزمك أن تفضي مساحات معينة في الذاكرة تسمح باستقبال معلومات جديدة تسهم في التطوير والتغيير.

وهكذا هو عقل الإنسان، فأكثرنا يتمتع بمخزون من المعلومات والصور الحسية والذهنية تتراكم في ذاكرته وتعيقه عن تغيير ما هو عليه والانتقال إلى وضع أفضل، وهذه الذكريات السلبية المعيقة ليس هناك من سبيل للتخلص منها ومن تأثيراتها المدمرة إلا بالتخلي عنها، أو بالسماح لها بالرحيل على حد تعبير “هاوكينز” في كتابه “السماح بالرحيل”. وهو ما تتحدث عنه “باربرة دي أنجليس” في كتابها “خيار الحب” تحت عنوان: “تعلم نسيان التعلّم” حيث تقول: (عندما تريد إعادة تغليف قطعة من الأثاث، أو طلاء إحدى الغرف التي يغطي جدرانها طلاء قديم، مقشّر، تحتاج إلى تقشير الطلاء الحالي من أجل أن يلتصق الطلاء الجديد.

تقوم بكشط وسنفرة ما لم تعُد تريد وجوده بعد الآن وهكذا سوف يلتصق الطلاء الجديد بالسطح ويغطّي كل بقعة على نحو متساو. يشبه نسيان التعلم نزع المفاهيم القديمة من وعينا كي تستطيع اكتشافاتنا وإدراكاتنا الجديد أن “تلتصق”. لا تستطيع فقط أن تلصق المفاهيم والحكمة الجديدة فوق وعيك القديم، المحدود. لا تستطيع فقط أن تغطي الأنماط القديمة بسلوكيات جديدة وتتوقع من أن تلتصق. سوف يتمّ تقويضها إلى ما كان موجوداً من قبل. في القت ذاته الذي تتعلم فيه طرقاً توسعية، جديدة للتفكير والعمل، يكون عليك أن تنسى ما تعلمت من قبل).

وعدم القدرة على التخلي عن الذاكرة القديمة والانخراط في تعلم شيء جديد دائماً ما يكون هو المعيق الأساسي للإنسان عن إنجاز التغيير الحقيقي في حياته، وهو ما شنّع به الحق عزّ وجلّ على مختلف الأمم التي كانت ترفض تقبّل الرسالات الإلهية، إذ يقول: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) [الزخرف 22-24].

بينما (دائماً ما يتضمن التعلّم الحقيقي في الواقع بعضاً من نسيان ما تعلّمت سابقاً. ليست عملية النسيان مرئية أو جلية مثل تجربة التعلّم. إنك تخلق على الرغم من ذلك، في عملية نسيان ما تعلّمت من قبل، مساحة من أجل مزيد من الحكمة، وتخلق مساحة لمزيد من البصيرة، وتخلق مساحة لمزيد من الحبّ. وبهذه الطريقة، يكون خيار نسيان ما تعلّمت من قبل هو خيار الحبّ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى