إشارات لطيفة في العبادة والاستعانة
فيما يلي بعض الإشارات واللفتات اللطيفة حول قوله تعالى من سورة الفاتحة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فهذه الآية على صغر حجمها إلا أنها تحمل مضامين عالية وراقية جداً، فلنطلع عليها من من خلال الإشارات والتعاليم الآتية:
– إن خيار العقل لدى الإنسان، هو قبوله عبوديته لله، نحن بني البشر نعشق الكمال، ونحتاج إلى الرشد والتربية، والله تعالى جامع الكمالات كلها وربّ جميع المخلوقات، فإذا كنّا بحاجة إلى المحبة والرأفة فهو الرحمن الرّحيم، وإذا كنّا نتوجس من المستقبل البعيد، إذن، ما حاجتنا إلى الآخرين؟! العقل يقضي أن نخصّه وحده بالعبادة، ونستمد منه العون، لا أن يكون الإنسان عبداً لأهوائه وشهواته، ولا عبداً لثروة الآخرين وسطوتهم.
– في الصلاة، كأنّما لسان حال المصلّي يبتهل إلى الله بالنيابة عن جميع الموحّدين بقوله: إلهي! لست أنا وحدي بل جميعنا عبادك، وجميعنا نطمع في لطفك وكرمك.
– إلهي! ليس لي غيرك، ﴿إِيَّاكَ﴾، ولكنّك تملك الكثير مثلي، فكلّ الخلائق عبادك، ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدً﴾.[1]
– لفظة ﴿نَعْبُدُ﴾ هي في صيغة الجمع، وتشير إلى ضرورة إقامة الصلاة جماعة، وكذلك تبيّن أن المسلمين كلهم إخوة وفي مسير واحد.
– إنّ مراحل المسيرة الروحية للإنسان عبارة عن: الثناء، فالإرتباط، فالدعاء، لذا، فإنّ أول سورة الحمد ثناء، ووسطها ارتباط ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وختامها آيات في الدعاء.
– إن الإبتهال إلى الحبيب أحلى من الشهد، لعلّ ذلك بسبب تكرّر كلمة ﴿إِيَّاكَ﴾.
التعاليم:
1- بدايةً، علينا أن نحسن العبودية لله، ثم نطلب حاجتنا منه، ﴿نَعْبُدُ﴾﴿نَسْتَعِينُ﴾.
2- إنّ الله وحده الجدير بالعبادة والخضوع، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
3- نحن الذين نعبد الله تعالى، لكنّا نحتاج إلى عونه حتى في عبادته، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[2].
4- إنّ عبارة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تستنبط مفهوم لا جبر ولا تفويض، فنحن نقول: ﴿نَعْبُدُ﴾ عن إختيار لا جبر، وحين نقول: ﴿نَسْتَعِينُ﴾ فهو إقرار بالحاجة لله، وبأننا غير مفوّضين.
5- إن معرفة الله وصفاته مقدمة لتوحيده، ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
6- من آداب الدعاء والعبادة ألاّ يتحدّث الإنسان عن نفسه، وأن يستشعر أنّه في حضور الله وبين يديه، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
7- إنّ الإهتمام والإيمان بالمعاد يعدّ أحد دوافع العبادة، ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
- الشيخ محسن قراءتي – بتصرّف
المصادر والمراجع
[1] – سورة مريم: الآية 93.[2] – { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} سورة الأعراف الآية 43.