الزكاة
الزكاة غير صدقة التطوع، لأن هذه الصدقة يدفعها المسلم، وهو مخير بين فعلها وتركه، ولا تخضع لشرط النصاب، ولا لغيره سوى قصد التقرب بها إلى اللَّه وحده، ويبدأ أجرها من عشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، إلى ما لا نهاية حسب دوافعها وأهدافها.
أما الزكاة فهي فرض عين، وحق لازم ومعلوم في أموال المقتدر يدفعها لمستحقه، وهي ثالث أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
ويرى بعض الغيورين على الإسلام ان الزكاة نظام اقتصادي، أو من النظام الاقتصادي للإسلام، واعتبرها آخرون ضريبة في أموال الأغنياء.
والصحيح ان الزكاة أبعد ما تكون عن الضريبة والنظام الاقتصادي، لأن الشرط الأساسي لصحة الزكاة وقبولها هي نية التقرب بها إلى اللَّه، وبدونها لا تقبل إطلاق.. ولا شيء من الضرائب والأنظمة الاقتصادية يعتبر فيه هذا الشرط.
هذ، إلى ان النظام الاقتصادي بمعناه الحديث ينظر أول ما ينظر إلى وسائل الانتاج، كالأرض والمعدن والمصنع ويعتبرها ملكا شخصيا للأفراد يسيطرون عليه، ويتحكمون به، كما هي الحال في النظام الرأسمالي، أو يعتبرها ملكا للجماعة تديرها وتتحكم بها الدولة، كالنظام الاشتراكي، والزكاة لا تنظر إلى هذه الجهة إطلاقا ثم ان الضريبة تتولى السلطة الحاكمة أمر تحصيلها وإنفاقه، ولا تجيز بحال أن يمتنع المالك عن اعطائها للسلطة: ويتولى هو بنفسه صرفها في مواردها.
وقد أجمع فقهاء المسلمين كافة على ان للمالك أن ينفق الزكاة بنفسه دون إذن الحاكم، وانه يصدّق بلا بينة ويمين إذا قال: أنفقتها في وجهه، وأين هذا من الضريبة ؟ !. بل أجاز الفقهاء للجابي أن يصرف الزكاة إلى الفقراء بنفسه، ولا يردها إلى بيت المال.. قال الإمام علي ( ع ) لأحد عماله: اصرف ما عندك من المال إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات.
وبديهة ان هذا التصرف محظور على جابي الضرائب.
وقد يقول قائل: ان فريضة الزكاة معناها الاعتراف بأن الفقر محتوم لا مفر منه، وان الإسلام يعالجه بالصدقات والتبرعات، وانه يقيم الحياة على البذل والعطاء، وبالنتيجة يقسم الناس إلى طبقات على أساس الغنى والفقر.
الجواب أول: ان مصرف الزكاة لا ينحصر بالفقراء والمساكين فقط، فان من جملة مصرفها المصالح العامة التي عبّر اللَّه عنها بسبيل اللَّه في العديد من الآيات، فإذا لم يوجد الفقير صرفت الزكاة في هذا السبيل.. إذن، فريضة الزكاة لا تحتم وجود الفقر على كل حال، كي يقال: انها اعتراف واقرار بأن الفقر ضربة لازم لا مفر منها.
ثاني: ان الضمان الاجتماعي يكفل للمعوزين ما يصونهم عن التسول والتشرد، وهذا الضمان موجود في البلاد الاشتراكية التي لا تعترف بالفوارق المادية والطبقات.
ثالث: ماذا نصنع بالمريض الذي لا يملك ثمن الدواء، وبالجائع الذي لا يجد وسيلة للغذاء في مجتمع يسوده فساد الأوضاع: هل نتركهم، حتى تصلح الأوضاع، ويمحى من الوجود أثر الفاقة والبؤس: أو نشرّع قانونا يضمن لهما الحياة وسد الخلة ؟ ثم هل يمكن تغيير الأوضاع، ومحو الفقر بجرة قلم، ودون أن يمر المجتمع بأكثر من مرحلة ؟.
ان الإسلام حرب على الضعف بشتى مظاهره، بخاصة الفقر، وقد تعوذ النبي ( ص ) منه، وعنه في بعض الروايات: « كاد الفقر يكون كفرا. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. »
ان رسالة السماء تستهدف كرامة الإنسان وسعادته، والفقر منقصة ومذلة، وشقاء وبلاء فمحال ان يقره الإسلام.. ان الإسلام لا يأبى ان يكون في المجتمع غني وأغنى، وقوي وأقوى، ولكنه يأبى أن يكون فيه فقير وضعيف.
ان الإسلام لم يشرع الزكاة من أجل الفقراء فقط – كما يظن – وانما شرعها حلا للعديد من المشاكل، منها مشكلة الفقر، حيث يوجد، ومنها مشكلة الرق، حيث تفك رقاب العبيد بأموال الزكاة، ومنها مشكلة الإنفاق على الجند المجاهد، وما إلى ذلك من المصالح العامة، كإنشاء المدارس والمصحات ودور الأيتام، وشق الطرق والري… ولو افترض ان مر على الانسانية زمان لا فقير فيه، وجميع المصالح العامة متحققة متوافرة بحيث لا يوجد إطلاقا مصرف للزكاة فإنها تلغى من غير شك، وهذا الزمان آت لا محالة، فقد جاء في الجزء التاسع من صحيح البخاري، باب الفتن، عن النبي ( ص ) انه قال: « تصدقو، فسيأتي على الناس زمان، يمشي الرجل بصدقته، فلا يجد من يقبلها. »
هذ، إلى أن الإسلام أوجب على صاحب الزكاة حين يؤديها إلى المحتاج أن لا يؤذي كرامته، ولا يخدش شعوره، وان يعتقد انه يؤدي واجبا عليه، ودينا لا بد من وفائه، وليؤكد القرآن هذا المعنى قال: « والَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ – المعارج 24 – 25 ».
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا ولا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ومَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً.
وبالرغم من أن الإسلام سبق الشرائع كلها السماوية والوضعية إلى تشريع الزكاة، هذا التشريع الانساني الذي لم يهتد إليه أرباب الأنظمة إلا بعد الإسلام بمئات السنين، وأسموه بالضمان الاجتماعي – على الرغم من ذلك فان أفضل شيء يقدم للمحتاجين في نظر الإسلام ان تهيأ لهم الأعمال المناسبة لقدراتهم، حتى يشعروا بقيمتهم في الحياة: واللَّه تعالى يحب عبده المؤمن المحترف.
وخير ما نختم به هذه الفقرة قول الإمام جعفر الصادق ( ع ): على كل جزء من أجزائك زكاة للَّه، فزكاة العين الاعتبار، والغض عن المحرمات، وزكاة الأذن الاستماع إلى العلم والحكمة، وزكاة اللسان الحمد والشكر للَّه، والنصيحة للمسلمين، وزكاة اليد البذل، وزكاة الرجل السعي للجهاد والإصلاح بين الناس.
- تفسير الكاشف العلامة محمد جواد مغنية.