ثقافة

الأمانة

(إن اللَّهً يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها ). لقد تضمنت الآية وجوب تأدية الأمانة… وقد جاء في الكتاب والسنة العديد من الآيات والروايات في الحث على حفظ الأمانة وأدائها لصاحبها برا كان أو فاجرا، لأنها حق له بما هو انسان، لا بما هو صالح أو طالح، فمن القرآن هذه الآية: « إِنَّ اللَّهً يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ ». ومنه: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهً والرَّسُولَ وتَخُونُوا أَماناتِكُمْ – 27 الأنفال. »

ومن الروايات: لا ايمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له.

ولكن لم يرد في الكتاب والسنة – على ما نعلم – تحديد لمعنى الأمانة.

والذي نفهمه ان الأمانة هي الوديعة عندك لغيرك.. وعليك أن تحتفظ بها وتحرص عليها، وان تردها لصاحبها عند طلبها، كما هي، فإذا أمسكتها عنه، أو رددتها ناقصة محرفة فأنت خائن بحكم الكتاب والسنة.

وليس من الضروري أن تكون الأمانة عينا حسية، كالمال والكتاب، فقد تكون سرا، أو نصيحة، أو عملا.. وأيضا ليس من الضروري أن يكون صاحبها الذي تؤديها له شخصا حقيقيا، فقد يكون الدين أو العلم، بل قد
تكون نفسك بالذات صاحبة الأمانة، وأمانة الدين والعلم ما تعلمه من حلال اللَّه وحرامه، ومن الخير والشر، وتتحقق التأدية لهذه الأمانة بأن تعمل بما تعلم، أما أمانة نفسك عندك فأن تختار ما هو الأصلح لها في دنياها وآخرتها.

وبكلمة ان الأمين هو الذي يؤدي ما عليه كاملا غير منقوص، سواء أكان الذي فرض هذا الواجب هو الدين، أو العلم، أو الوطن، أو المجتمع، أو أي شيء آخر.. فليست الأمانة – على هذا – ذوقا وسليقة يعجبها من الطعام أو الشراب هذا، لا ذاك، ومن النساء هذه، لا تلك، ولا وصفا يحبب الناس بصاحبه، كاللطف وخفة الروح، بل الأمانة عصب الحياة وقوامها الذي لا يستقيم شيء بدونه، والى هذا المعنى أشار الإمام علي (عليه السلام) بقوله: « الأمانات نظام الأمة » أي ان الأمة لا تنتظم شؤونها الا إذا أدى كل انسان ما يطلب منه. وقال: من لم يختلف سره وعلانيته، وفعله ومقالته فقد أدى الأمانة، وأخلص العبادة.. ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا الخزي، وهو في الآخرة أذل وأخزى، وان أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأمة ». يشير إلى القادة اللصوص، وسوء أثرهم، وفظاعة خطرهم.

ومن الدلائل على قداسة الأمانة وعظمتها قول الفقهاء: من أعلن الحرب على الإسلام والمسلمين، وأباح دماءهم وأموالهم، لا لشيء الا بغضا بكلمة التوحيد حل ماله ودمه، ولا تحل أمانته، قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): لو ائتمني قاتل أبي على السيف الذي ذبحه به لما خنته.. وقال رجل للإمام الرضا (عليه السلام): ان يهوديا خانني في ألف درهم، وحلف، ثم وقعت له عندي أرباح، فهل اقتص منه ؟. قال الإمام: ان كان ظلمك فلا تظلمه.. وفي رواية ثانية: ان خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته عليه »، والسر في ذلك ان الأمانة حق لصاحبها بوصفه إنسانا، لا بوصفه مسلما، لا مشركا، أو طيبا، لا خبيثا.


  • تفسير الكاشف العلامة محمد جواد مغنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى