ثقافة

الصدق

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾1.

تعتبر منقبة الصدق في قمة الفضائل التي تشكّل جمال صورة المؤمن وجاذبيته، بل إنّ منقبة الصدق كغيرها من القيم الأخرى التي تشدّك وتجذبك تجاه أي شخص حتى ولو كان على غير دينك وملتك، فالإسلام يعلّمنا أن نستقطب الناس بقيمنا ومبادئنا لكي نعلّمهم عباداتنا، وأمّا العبادات مجردةً عن القيم والأخلاق فإنها لا يمكن أن تستقطب أو تجذب أو تؤثّر في الآخرين، وهذا ما قرأناه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي اشتهر بها قبل النبوّة، فكان الصادق الأمين، وكان لصدقه وأمانته قوّة جذب عالية حتى فينفوس أولئك الأجلاف قساة القلوب الذين عاصروه وشهدوه وعانى منهم ما عاناه من إهانات ومواجهة.

وإذا كانت هذه المنقبة من أبرز ما ينبغي الاتصاف به في العاملين الذين نذروا أنفسهم لخدمة المسيرة الإلهية فإنه لا بدّ من التوقّف عند عدّة عناوين أساسية في سلوك العاملين، أهمُّها:

– الصدق مع الله: لأنه وقبل كلّ شيء فإنّ المؤمن العامل ما لم يكن صادقاً في تحمّل مسؤولياته أمام الله مقتنعاً بالمكان والدور والوظيفة التي يؤدّيها فإنه سوف يحاول التنصّل من مهامّه والهروب بأيّ عذر من القيام بدوره، لأنه لا يمكن مراقبة الجميع فيما يعملون، فأصل العلاقة بالعمل علاقة ودّ وتقرّب من الله تعالى، وأنّ الشخص العامل قد اختار هذه المسيرة عن قناعة تامة لا مصلحة له بها إلا الفوز والنجاح.

وإلا فلو كان هناك شخص كاذباً مع الله فيما اختاره له من واجبٍ في هذه المسيرة فإنه سيلجأ دائماَ إلى اختلاق الأعذار والتسويغات.

– الصدق قي التعامل: وذلك بإعطاء إجابات واضحة حول المسألة التي يراجعك بها أحد العاملين، دون التسويغ بأعذار كاذبة واختلاق التبريرات، فكثيراً ما يأتيك الجواب بالمتابعة وقيد التدقيق وهناك من لم ينجزها بعد والمسألة ليست مرتبطة بي وحديوسأتابع الموضوع بجدية أكبر وغير ذلك مما لا محلّ له في عقل المراجعين.

لماذا لا نجيب بنعم حين نكون قادرين على الخدمة أو نقول لا حين نكون عاجزين عن الخدمة وبكل صدق وشفافية ودون التلاعب بأعصاب الآخرين وإيهامهم أنك تريد خدمتهم وأنت تعلم علم اليقين أنك لست قادراً؟!

– الصدق في التقارير: حيث يلجأ البعض إلى بعض الأساليب الملتوية ليظهر أنه قد أنجز مهامه واستكمل خطته بل زاد عليها، فيلعب البعض بالأرقام أو يعتذر بأعذار منعته من استكمال المهامّ الموكلة إليه أو إبراز كمٍّ من الأنشطة والأعمال غير الواقعية أو اللجوء إلى بعض التقارير المفبركة تشويهاً لصورة شخصٍ ما أو التلاعب بمصيره.

إنّ الكذب وإن أنجانا من اللوم أو التقصير سوف ينقص من الهيبة والوقار والمصداقية وبالتالي فإنّ الصدق وإن أبرز عملك على حقيقته وواقعه فإنه سوف يزيد من مصداقية صاحبه ومقبوليته لدى الآخرين.

وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: “الصادق على شفا منجاة وكرامة، والكاذب على شفا مهواة ومهانة”.

وعنه عليه السلام: “الصدق ينجيك وإن خفته، الكذب يُرديك وإن أمنته”2.

– الصدق في الدوام: فلا يتحايل في ساعة وصوله وساعة مغادرته وعدد ساعات العمل وتقديم التبريرات غير الصحيحة عن الغياب والتأخير، والأنكى من ذلك أن يبقى في العمل عاطلاً عن أداء دوره ومعطِّلاً لغيره في بعض الأحيان.

فلنكن خيراً من الصدق نفسه فيما نفعل، وإياك أن تكون أسوأ من الكذب نفسه لأنه ورد في الحديث المرويّ ما مضمونه أن خيراً من الصدق فاعله وأسوأ من الكذب قائله.

– الصدق في العلاقة بالآخرين: فالعامل لا يتودّد حيث له مصالحه الخاصّة ويعرض حيث لا مصلحة له، ويُصادق على كلّ ما يقوله من له مصلحة معه ولا يكترث لما يقوله من لا تتوسّم فيه خيراً لك فتكون مسيَّراً لجشعك وطمعك ومصلحتك وهو مانهانا الله عنه وأمرنا بالصدق فيما نفعل، فعن الإمام الباقر عليه السلام: “تزيّن لله عزّ وجلّ بالصدق في الأعمال”3.

ولذلك ترى في النصوص المروية أنّ الصدق والأمانة هما علامتا اختبار الإيمان: عن الإمام الصادق عليه السلام: “لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة”4.

– الصدق في الإنجازات: وأريد بها الإشارة إلى ضرورة عدم مصادرة إنجازات الآخرين ونسبتها إلى أنفسنا، فيضع في سلّته ما ليس له ويدَّعي بعض الأعمال التي لم يقم بها أو كان شريكاً عادياً، فإنّ العامل والحال هذه يكون قد باع إيمانه بحفنة منالإدعاءات التي لن تزيد من رصيده إلا وهماً، فالإيمان رهن الصدق، ولذلك ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: “الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك”5.

وبكلمةٍ أوضح أن تقدم إيمانك على مصلحتك، ودينَك على بعض المنافع الزائلة، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “أربعٌ من كنَّ فيه كمل إيمانه، وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك، وهي الصدق، وأداء الأمانة، والحياء، وحسن الخُلق”6.

– الصدق في التقييم: بإعطاء كلّ عامل من الأخوة العاملين التقييم المناسب والعلامة التي يستحقّ دون زيادة لهوى أو نقصان لريبة، فلا نقرّب أو نمنح تنويهاً أو نعاقب أو نحسم من راتب أو غير ذلك ممّا أدرج في قوانين الثواب والعقاب إلا على أساس الصدق والاستقامة، وأن نُصدق الناس في كلّ ما نفعله، فلا نعاقب ثم نحاول التنصّل أمام الشخص المعني من تبعات ما نفعله أو إلصاق القرار بشخصٍ آخر، فالصادق يحميه صدقه لأنه مؤيّد من الله تعالى.

فعن الإمام الباقر عليه السلام: “ألا فاصدقوا، فإنّ الله مع من صدق”7.

وهذا يعني وعد الله أن لا يصيب الصادقين سوءٌ بل هم في رعايته وحفظه وهذا من خفيّ الألطاف التي قلّما يتحسّسها الإنسان في يومياته.

وإذا أردنا الوصول إلى بعض المكتسبات عن طريق الكذب – والعياذ بالله – فلا يسعنا إلا أن نذكّر بالحديث الشريف: “…. ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يرثه غيره”8.

  • كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

المصادر والمراجع

1- سورة التوبة، الآية 119.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1573.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص104.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
6- الأمالي للطوسي ، ص48 .
7- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
8- نهج البلاغة، ج1، ص62.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى