صفات الشيطان وأخلاق أتباعه
بسم الله الرحمن الرحيم
عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال في وصيّته لهشام: “فله – أي إبليس – فلتشتدّ عداوتك، ولا يكوننّ أصبر على مجاهدته لِهَلَكَتِكَ منك على صَبرِك لمجاهَدتِهِ، فإنّه منك ركناً في قوّته، وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هُديت إلى صراط مستقيم”1.
بعد الحديث عن الهوية الحقيقية للشيطان وخطواته التي منها ينفذ إلى النفس الإنسانية، وكيده الدائم للإنسان وعداوته له. نسوق الكلام نحو بيان الأخلاق التي يدعو إليها الشيطان والصفات الرذيلة التي يسعى لأن تكون الحاكمة على تصرفات بني البشر.
وقبل ذلك ينبغي الإلتفات إلى مسألة هامة وضرورية تفيدنا نحن البشر في عملية المواجهة المستمرة والدائمة مع هذا المخلوق المذنب العاصي.
وهذه المسألة يشير إليها الإمام الكاظم ((عليه السلام) في الحديث المتقدم ومفادها أنّ الشيطان لا يمكن له أن يستولي على الإنسان فيما لو كان هذا الإنسان أصبر وأقدر على المواجهة من الشيطان نفسه، فالشيطان أضعف ركناً في قوته من الإنسان الذي زوّده الله تعالى بكل الوسائل التي تمكّنه من التغلّب عليه.
يقول الله تعالى: ﴿فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفً﴾2 فالشيطان ليس له سلطان على الإنسان إلّا أن يساعده الإنسان على نفسه.
أتباع الشيطان
في المفهوم القرآني هناك فريقان متقابلان وهما: أولياء الله وأولياء الشيطان.
فأولياء الله هم تلك الفئة التي سلكت سبيل الله ورضوانه وعملت بأوامره ولم تتّخذ من دونه ولياً.
وأولياء الشيطان هم الفئة المقابلة والذين اتّخذوا الشيطان ولياً لهم من دونه.
فعندما يطغى الإنسان، ويكفر بالله وأنبيائه ورسله يكون قد اتّخذ عدوّ الله – أي الشيطان وأعوانه شياطين الإنس والجن – أولياء له من دون الله، وبهذا يضلّ عن الطريق، ويهوي في هذه الدنيا قبل أن يهوي في الآخرة.
والعاقبة الكبرى التي تنتظر هذه الفئة هي ما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾3.
والمائز بين الفريقين هو الدخول في ولاية الله والخروج من ولاية الشيطان كما يقول تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾4.
صفات الشيطان وأخلاق أتباعه
في مقابل الدعوة إلى “التخلّق بأخلاق الله تعالى” يدعو الشيطان أتباعه إلى التخلّق بأوصافه الرذيلة والإنحطاط إلى أدنى مستويات الرذيلة من خلال العمل بمعاصي الله تعالى، والإتصاف بكل صفة تُبعِدُ الإنسان عن ربّه وخالقه.
وكما أنّ الصفات الحسنة كثيرة ومتعدّدة، كذلك هي الصفات السيئة.
ومن الصفات والأخلاقيات التي يدعو الشيطان أتباعه للاتصاف بها نذكر منها:
أوّلاً: الإبتعاد عن ذكر الله تعالى
فذكر الله تعالى حصانة للإنسان ومانعاً له من الوقوع في حبائل الشيطان ومن هنا كان الإبتعاد عن ذكر الله تعالى صفة خبيثة.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): “قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نيّة صادقة واتّكل عليه في جميع أموره، ومن كَثُر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن بما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه، ومن رضي بما قسّم الله له ولم يهتمّ لرزقه”5.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه: لما نزلت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾6.صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا لما دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقال عفريت من الشيطان فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، فقال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا وقعوا في الخطيئة أنسيتهم ذكر الإستغفار، فقال: أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة”7.
ثانياً: إتباع الهوى
من الصفات الأساسية للشيطان وأتباعه الإنقياد لهوى النفس الأمارة بالسوء، وقد بدأ ذلك معه حينما أنقاد لهواه وأظهر العصبية وتبع الحمّية ورفض أمر الله تعالى بالسجود لآدم.
ولذلك فإنّ الشيطان وأولياؤه يريدون عبادة الله تعالى حسب هواهم.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): “أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزّتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحدٌ قطّ مثلها، قال الله جلّ جلاله: إنّي أحبّ أن أطاع من حيث أريد”8.
وفي حياتنا اليومية نواجه الكثيرين ممن يتّصفون بهذه الصفة حيث يريدون للدين أن يكون موافقاً لشهواتهم ورغباتهم.. ولسانهم ينطق دائماً بالقول: “الإيمان في القلب” و”الدين معاملة” وغيرها من العبارات التي ظاهرها الحقّ وباطنها الباطل.
ثالثاً: الإغترار بالدنيا وشهواتها
من الخِدع الشيطانية للإنسانية العمل على جعل الدنيا وزينتها هي الهمّ الأساس في الحياة، وتصوير الباطل على أنه الحقّ فقد زلّت الأقدام وهوت بأصحابها إلى الدرك الأسفل من النار بسبب حبّ الدنيا واغترارهم بها.
ولعلّ ذلك هو المشكلة الأساسية في حكّام الجور والطغيان.
ورد في كتاب من الإمام علي (عليه السلام) إلى معاوية يقول له فيه:”فإنّك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم”9.
ولكن الواقع أن معاوية وأمثاله لم تنفع معهم المواعظ لأنّ الشيطان استحوذ عليهم وسيطر على قلوبهم وعقولهم، فما أورثهم ذلك إلا الحسرة والندامة.
ومن عِبر الطغاة والجبارين ما قاله المنصور لمّا حضرته الوفاة:”بعنا الآخرة بنومة”.
وردّد هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه عند الموت: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾ 10.
وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك يا أبا مروان؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾ 11.
والحمد لله رب العالمين
المصادر والمراجع
1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي: 75/315.
2- سورة النساء: 76.
3- سورة المجادلة: 19.
4- سورة البقرة: 257.
5- بحار الأنوار، مصدر سابق: 60/248.
6- سورة آل عمران: 135.
7- بحار الأنوار: 66/249.
8- المصدر نفسه: 2/262.
9- نهج البلاغة، الكتاب: 10.
10- سورة الحاقة: 28 – 29.
11- سورة الأنعام: 94.