الإخلاص
معنى الإخلاص
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾1.
لقد حثت الكثير من الآيات والروايات على الإخلاص لله تعالى فما هو المراد من الإخلاص؟
يجيبنا الإمام الصادق عليه السلام عن هذا التساؤل: “خالصا مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان“2.
فالإخلاص هو أن تكون العبادة والتوجه والتعلق بالله تعالى في كل ما يتقرب به إليه من دون أن نشرك به أي شيء آخر، وهو التطبيق العملي لمعنى التوحيد في عبادة الله تعالى.
وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام: يا جبرائيل فما تفسير الإخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئاً حتى يجد وإذا وجد رضي، وإذا بقي عنده شيء أعطاه في الله، فإن لم يسأل المخلوق فقد أقر لله بالعبودية، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض، والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا أعطى الله عز وجل فهو على حد الثقة بربه3.
كيف نصل لمقام الإخلاص؟
للوصول لمقام الإخلاص لله تعالى في الأعمال ينبغي للمؤمن بالله تعالى:
أولاً: أن يعلم أن أي تقرب ينبغي أن يكون لله وحده، وذلك لأن من سنتقرب إليه غير الله تعالى لا يمكن له أن يعطينا ما وعدنا الله تعالى به من الثواب، كما أنه لا يمكنه أن يمنع عنا غضب الله تعالى لو عصيناه، فأول الطريق معرفة عجز من نتقرب له عن نفعنا وضرنا، فلا محيص لنا إلا أن نلجأ لمن هو قادر على الإثابة والعطاء.
ثانياً: علينا أن نراقب أنفسنا جيداً، وكما يقول الإمام الخميني قدس سره: “راقب قلبك وأنتبه له، وأخضع أعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة، وفتش في خبايا قلبك، وحاسبه حسابا شديدا مثلما يحاسب شخص من أهل الدنيا شريكه، وأترك كل عمل فيه شبهة الرياء والتملق ولو كان عملا شريفا جدا. وإذا رأيت أنك لا تستطيع أداء الواجبات بإخلاص في العلن، فأدها في الخفاء مع أنه يستحب الإتيان بها في العلن“4.
وثالثاً: علينا أن نقوم بالاختبار، وذلك بأن نسأل أنفسنا بعد كل عمل حسن أو عبادة أديناها عن المقصود الحقيقي من وراء العبادة، وسنعطي بعض الأمثلة التي ذكرها الإمام الخميني قدس سره:لماذا يرغب الإنسان في سماع مديح الآخرين عندما يقوم بعمل خير؟
لماذا يحب أن يعلم الآخرون أن ذهب لزيارة العتبات المقدسة؟
هذه الأسئلة وغيرها حينما نجد لها الإجابة الصحيحة التي ترضي الله تعالى، حينها نكون قد أدينا العمل بإخلاص له سبحانه وتعالى.كما أن علينا أن نلتفت إلى ما ينافي الإخلاص له تعالى من الصفات النفسية والتي ترجع إلى الشرك به فما هي هذه الخصال:
ما ينافي الإخلاص
لقد تحدث الروايات والآيات الشريفة عن بعض الصفات التي تتنافى مع الإخلاص لله تعالى والتوحيد له في العبادة، ومن أبرز هذه الصفات:
1 – الرياء:
والرياء أن يشرك الإنسان في العبادة غير الله كأن يطيل صلاته ليقول الناس أنه من الخاشعين وغير ذلك من التصرفات، ولقد نهى الله تعالى عباده عن الرياء ففي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشركُ الأصغر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: هو الرياء“5.
كما أن الرياء من مبطلات الأعمال، فلو صلى الإنسان رياء فإن صلاته غير صحيحة ويجب عليه قضاءها بحالة التقرب لله تعالى، وأما في الآخرة فإن الأعمال التي يشوبها هذا الشرك فتحدثنا عنها رواية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل: اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد بها“6.
2 – العجب:
والعجب هو أن ينظر الإنسان إلى الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى بشيء من الاستكثار والإعجاب، وقد حذرت الآيات من هذه الآفة حيث يقول الله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾7.
والعجب من محبطات الأعمال، وينافي الإخلاص لله تعالى فهو في حقيقته يرجع إلى عبادة الذات وحب النفس، وفي الرواية عن السيد المسيح عليه السلام:” يا معشر الحواريين! كم من سراج أطفأته الريح، وكم من عابد أفسده العجب!“8.
3 – حب السمعة:
وحب السمعة ما يسمى بعلم النفس الحديث بجنون العظمة، وهو أن يكون هم الإنسان الأكبر أن يسمع المديح والاستعظام بشكل دائم من الآخرين، ولا يحتمل في المقابل أن يتوجه إليه بانتقاد واحد، وقد يتمادى في هذه المشاعر ليصاب بالهوس بسماع الإطراء، إن هذه الصفة التي يستقبحها العقلاء قد حذرت منها الشريعة الغراء، ففي كتاب الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر لما ولاه مصر: “إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين“9.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص، الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل“10.
كما أنها حب السمعة تورث الرياء وهي من نتائج إعجاب المرء بالنفس، ومرد الصفات الثلاث إلى عدم اليقين بالله تعالى، لأن من يتيقن في نفسه بأن الله تعالى هو المثيب لا يتوقع من الناس أن تثيبه على حسن أعماله بحسن الكلام والإطراء.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: “سبب الإخلاص اليقين“11.
آثار الإخلاص
للإخلاص لله تعالى آثاراً كثيرة على دنيا الإنسان وآخرته ومن آثار الإخلاص:
أ – الحكمة:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما أخلص عبد لله عز وجل أربعين صباحا إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه“12.
ب- قبول الأعمال:
إن من آثار الإخلاص لله تعالى أن يقبل الله تعالى أعمال الإنسان المؤمن، فعن الإمام علي عليه السلام: “المخلص حري بالإجابة“13.
وفي رواية عنه عليه السلام: “بالإخلاص ترفع الأعمال“14.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: “لو خلصت النيات لزكت الأعمال“15.
ج – الكفاية والخلاص:
والخلاص هو غاية المؤمن، سواء كان الخلاص من بليّات الدنيا، أو من عذاب الآخرة ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:”غاية الإخلاص الخلاص“16. وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: “فأما حق الله الأكبر عليك فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة“17.
- طريق النصر,سلسلة الانشطة الصيفية, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
المصادر والمراجع
1-سورة البينة، الآية: 5.
2- وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحر العاملي، ج1، ص 43.
3- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج51، ص 195.
4-الأربعون حديثا، الحديث الثاني، في الدعوة إلى الإخلاص.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 111.
6-ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص 1017.
7- سورة محمد، الآية: 14.
8-ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص 1819.
9-ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص 1814.
10- وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحر العاملي، ج1، ص 43.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 758.
12- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 759.
13- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 760.
14- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 760.
15- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 760.
16-ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 760.
17- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص 760