يجاهدون في سبيل الله
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1.
الجهاد في سبيل الله
من صفات حزب الله: “الجهاد في سبيل الله“، فلا يكون المؤمن صادقاً في دينه مكتملاً في إيمانه، إن لم يكن مجاهداً في سبيل الله فعل، إن كان الجهاد تكليفه الفعليّ، أو محدّثاً نفسه بالجهاد حالما تتوفّر شروط فعليّته، فيوطّن نفسه على أنّه إذا دعاه الدِّين الحنيف إلى مناجزة أعداء الله والإنسانية فإنّه سيكون حاضراً في ميدان الكفاح والدفاع عن شرعة ربّ العالمين تبارك وتعالى من دون أيّ تلكّؤ وتثاقل، أو يكون مساعداً للمجاهدين، يجهّزهم، ويودُّهم، ويدعو لهم، ويرجو لهم النصر والظفر على أعدائهم، فيما لو كان من ذوي الأعذار.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من مات ولم يغزُ، ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق”2.
وهذا طبيعيّ إذ إنَّ مَن أحبّ الله تعالى أحبّ دينَه وشريعته وأحكامه، وعليه فإن كان حبّه صادقاً قوياً مخلصاً لا يستطيع إلّا أن يكون مدافعاً عن بيضة الإسلام وذائداً عن حياضه، فإنّه لا يطيق السكوت على انتهاك حرمات الله، وأحكام دينه، وشرعته المقدّسة، بل لا بدّ أن ينشد إحقاق الحقّ وإنفاذ أحكام الله، وإلّا فأين يذهب حبُّه لله وشرعه إن لم يكن في عداد المدافعين عن حمى دينه؟!
عظمة الجهاد في روايات المعصومين عليهم السلام
لقد عظَّمَت السنَّة الشريفة في روايات مستفيضة أمرَ الجهاد في سبيل الله تعالى بما يجعل المجاهد المخلِص في عداد الخواصّ من خلق الله تعالى:يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنّته الوثيقة“3.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة“4.
وإنّ رجلاً أتى جبلاً ليعبد الله فيه، فجاء به أهله إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنهاه عن ذلك، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوماً واحداً خير له من عبادة أربعين سنة“5.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ لكلّ أمّة سياحة، وسياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله“6.
ذمّ أذى المجاهدين
يجب على المؤمن أن يعين المجاهدين وأن يتجنّب أذاهم فأذية المؤمن من الكبائر فكيف إذا كان هذا المؤمن من الباذلين أنفسهم، المتحمّلين لأنواع المشقّة في سبيل الله تعالى؟ فانّ الله تعالى ينتقم لهم ممّن يؤذيهم.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلفه في أهله بخلافة سوء نصب له يوم القيامة عَلَم، فيستفرغ حسابه ويركم في النار“7.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “اتّقوا أذى المجاهدين في سبيل الله، فإنّ الله يغضب لهم كما يغضب للرسل، ويستجيب لهم كما يستجيب لهم“8.
فمن لم يوفّق للغزو في سبيل الله تعالى، فعلى الأقلّ ليجتنب أذى المجاهدين، ولا يُعيقَنَّ طريقهم، ولا يفتّ في عضدهم، وإلّا فسيكون قد عرّض نفسه للغضب الإلهيّ، نعوذ بالله تعالى من غضبه وحلول سخطه.
ثواب تجهيزِ المجاهدين وإعانتهم
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر“9.
فهذا طريق رائع يفتحه الإسلام لكي لا يُستثنى أحد من أفراد الأمّة من البذل في سبيل الله تعالى، والجهاد بضرب من ضروبه، فالجبان لا عذر له بعدم الإنفاق وإن ضرب الصفح عن حضوره في الميدان، فليكن جهاده إذن بماله إذا لم يستطع الخدمة في ساحة المعركة والقتال، طبعاً مع حفظ مرتبة وفضيلة المجاهد بنفسه في سبيل الله: ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيم﴾10.
المرابطة في سبيل الله وثوابها العظيم
المرابطة: وهي الإرصاد لحفظ الثغر. وهي مستحبّة ولو كان الإمام غائب، لأنّها لا تتضمّن قتال، بل حفظاً وإعلاماً.
ومن لم يتمكّن منها بنفسه، يستحبّ أن يربط فرسه هناك11 . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾12.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها“13.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه”14.
فضل الحراسة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “حرس ليلة في سبيل الله عزّ وجلّ أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها“15.
عاقبة ترك الجهاد
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه. إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها“16.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “فمن تركه – يعني الجهاد – رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب (بالأسداد)، وأديل الحقّ منه بتضييع الجهاد“17.
فلسفة الجهاد في الإسلام
الإسلام دين التوحيد الّذي دعت إليه كلّ الديانات السماوية وكلّ الأنبياء والرسل عليهم السلام، والإنسانية لا تحيا مع الشرك، وإنّ الحرص على التوحيد والتحفّظ على قيامه من أهمّ ما تستوجبه الإنسانية منّا، فهو روحها وجوهرها فبدونه لا يبقى للإنسانية باقية.
والله تعالى أوصى أنبياءه الكرام ورسله العظام بإقامة الدِّين والمحافظة عليه، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾18.
فوصيّة الله تعالى للأنبياء إقامة الدِّين، وأساسه الأوّل هو التوحيد.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُم﴾19. فالاستجابة لله وللرسول إنّما تتحقّق بالتوحيد بأقسامه، وعليه تترتّب الحياة، وإلّا فالحكم بالإعدام على الإنسانية.
والمحافظة على التوحيد وإجراؤه وإنفاذ أحكامه في الأرض يحتاج إلى دفع أعدائه الموجودين في كلّ زمان، الّذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وهذا الدفاع عنه وبالتّالي الدفاع عن الإنسانية يقتضي الجهاد:﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾20.
﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْض﴾21.
فالدفاع هو أداء حقّ الإنسانية بالحياة، ولولاه لسادَ الشرك الّذي هو موت الإنسانية.
فالجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنّته الوثيقة22 ، فضّله الله عزّ وجلّ على الأعمال، وفضّل عامله على العمّال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة، وبه ظهر الدِّين، وبه يدفع عن الدِّين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بيعاً مفلحاً منجحاً23 ، وهو سياحة أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم24 الّتي قد جعل الله عزَّها بسنابِكِ خيلها ومراكزِ رماحها25. وفوقَ كلِ برٍّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ 26. والخير كلّه في السيف، وتحت السيف، وفي ظلّ السيف، ومعقود في نواصي الخيل 27. هذا ما نطقت به روايات وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.
- اولئك حزب الله ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
المصادر والمراجع
1- سورة المائدة، الآية: 54.
2- جواهر الكلام،الشيخ الجواهري،ج21، ص 9.
3- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
4- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 281.
5- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 11، ص 21.
6- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 286.
7- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص 23.
8- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 314.
9- ميزان الحكمة،ج1،ص446.
10- سورة النساء،الآية:95.
11- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، ج 1، ص 234.
12- سورة آل عمران، الآية: 200.
13- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 283.
14- م.ن، ج 4، ص 284.
15- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 297.
16- الأمالي الشيخ الصدوق، ج 8، ص 462.
17- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
18- سورة الشورى، الآية: 13.
19- سورة الأنفال، الآية:24.
20- سورة الحج، الآية: 40.
21- سورة البقرة، الآية: 251.
22- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
23- الكافي، الشيخ الكليني، ج5،ص3.
24- انظر: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج40، ص 328.
25- الكافي، الشيخ الكليني ، ج5، ص3.
26- الكافي، الشيخ الكليني،ج2، ص 348.
27- م.ن،ج5، ص 9.