التشيع عند المستبصرين في حوار مع سماحة السيد الدكتور عصام العماد
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
للتشيع والشيعة مكانة خاصة عند الجميع؛ لما لهم من دور كبير في شتى المجالات، ولكن اختلفت أنظار الآخرين نحو التشيع، فمِنْ مُعجَبٍ بهذا المذهب وبرجالاته، ومن مبغضٍ له، وحاقد قد شوَّه صورته، ومن الطبيعي حينئذ أن يدافع أصحابُه عنه، وهو حقُّ طبيعيٌّ لهم، وأبى أصحابُ ورجالاتُ هذا المذهب إلا أن يستخدموا الأسلوب العلمي، والحقيقة التاريخية الناصعة في الدفاع عن مذهبهم، وهم في غنىً عن الأساليب الساقطة، والتي لا يستخدمها إلا المُفْلِس، والتاريخ يثبت ذلك بوضوح.
وقد أجرينا حواراً مع رجلٍ اختار هذا المذهب الحق من بين جميع المذاهب، عندما رأى النورَ والحقَّ المبين يسطع من هذا المذهب، الذي هو مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وهو سماحة السيد عصام العماد(حفظه الله).
تعريف مقتضب بالشخصية المحاورَة:
الدكتور عصام علي يحيى العماد، من أصل يمني، كان من المتشددين للوهابية، قرأ الفكر الشيعي، فرأى الحق فيه، فتبعه، له عدة مؤلفات، من أهمها: «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية»، و«المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين»، وهو محاولة للتقريب بين الاثني عشرية والوهابية.
ويمكن أن نقترب إلى شخصيته أكثر من خلال كتابه: «المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين»، حيث يقول فيه: (..ومن خلال انتمائي السابق للوهابية، فقد درست عند كبار علماء الوهابية في اليمن، ثم ذهبت للدراسة في المملكة السعودية، وكنت من أشد الوهابيين تعصبا، حتى إنني كتبت كتابا في تكفير الاثني عشرية، سمّيته «الصلة بين الاثني عشرية وفرق الغلاة»، وبعد أن تركت الوهابية، وانتقلت إلى الاثني عشرية، كتبت كتابا تحت عنوان: «حقائق المذهب الاثني عشري، وخصائصه، أو: رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية»)(1).
أما الحوار الذي أجرته «رسالة القلم» مع سماحة السيد فهو كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم، نبدأ معكم سماحة السيد بهذا السؤال الذي يرتبط بأصل التشيع، فإنه قد نسب التشيع للفرس، فلماذا هذه الفرية؟ ألم يكن من أصحاب المذاهب الأخرى من هم من الفرس؟
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة إن القول بأنَّ التشيع عربي أو فارسي، أو أنَّ التسنن عربي أو فارسي، نفس هذه الفكرة خطأ؛ لأنه لا يمكن أن نعطي هوية لدين الله، فلا يمكن أن نأتي إلى دين سماوي بُعِثَ لأجله الأنبياءُ منذ آدم لمحمد(صلّى الله عليه وآله) أن نجعل له هوية عربية، أو فارسية، أو انجليزية، أو هندية، أو ألمانية، نفس هذا التفكير خطأ، نعم بالإمكان أن نستخدم الدقةَ القرآنية، ونعبر أن لسان الإسلام عربي؛ ولهذا عُبِّر عنه في القرآن بأن لسانه عربي مبين، فالقرآن عبَّر عن لغة الدين الإسلامي بالعربية، ولم يعبِّر عن الإسلام بالعربي، ولذلك لا يمكن أن نجعل هنالك هويةً معينةً للإسلام، فالإسلام ليس فارسيا، وليس عربيا، وليس هنديا، وليس… هذه التسمية خطأ، نعم، ممكن أن تكون لغة الدين عبرية، وتارة سريانية، وتارة عربية، هذا لا شك فيه، وهذا هو الموجود في الكتب السماوية، فلغة الأديان تختلف باختلاف اللغات، فأنا أعتقد بأنَّ تعبيرَنا عن التسنن -أو التشيع- بأنَّه فارسي خطأٌ كبير، نعم إذا أردنا بقولنا أن التشيع فارسي، أو أن التسنن فارسي، هو: أن المؤسسين الأوائل له هل كانوا من الفرس، أم من العرب، فهذا موضوع آخر، ولكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا أن نعتبر أن التشيع أو التسنن فارسي.
إذن ما هو الغرض من نسبة التشيع للفرس؟
أنا أعتقد بأن البحث إذا كان يتعلق بالأوائل الذين أسلموا، هل أنهم كانوا من العرب أو من الفرس، – إن كان البحث يدخل في هذا الإطار – فهذا بحث علمي تاريخي، وليس مشكلة أن يعتمد على الاستقراء والبحث التاريخي، ونحن نجد في البحث التاريخي أنَّ أوائل المتسنّنين هم من العرب، وأوائل المتشيعين هم من العرب أيضاً، يعني عندما نبحث في السطور الأولى لوجود الفكر السني، فنحن نجد أنَّه يتمثل في مجموعة عاشوا قبل إسلام الفرس.
ولكنْ هناك كثير من أصحاب المذاهب هم من الفرس.
ولكن العبرة في الحقيقة هي بالأوائل، وردود الأفعال غير مطلوبة، فعندما تثار قضيةٌ ضد الشيعة بأن التشيع فارسي، فيكون ردة الفعل عندنا أنَّ التسنن هو الفارسي، هذا خطأ، لا التسنن فارسي، ولا التشيع عربي، الفرس هم مجموعةٌ من الناس، أسلموا بعد أن تمَّ وجود المذهب السني والمذهب الشيعي، فلا يمكن أن نُحمِّل الفرس القضية، والفرس هم انقسموا بين فريقين، مثلهم كالعرب، بين مجموعة آمنوا بالمذهب الشيعي، وهم من قدماء الفرس، مثل زرارة(رضي الله عنه)، وغيره من الذين عرفوا بالموالي، ومجموعة من الفرس آمنوا بالمذهب السني، لكنْ أننا ندعي بأنهم أسسوا التسنن أو التشيع فهذا خطأ، لماذا؟! لأنَّنا نجد أنَّ الفرسَ أسلموا في وقتٍ كان قد تمَّ فيه تأسيس التسنن والتشيع، نعم، هم ساهموا، وكانت لهم خدمات كبيرة في المذهب السني، كما كانت لهم خدمات كبيرة في المذهب الشيعي، فمثلا: في المذهب السني نرى الإمام مسلم قدَّم خدمات للمذهب السني، ولكن هذا لا يعني أنه مؤسس للمذهب السني، والإمام الكليني -أو الصدوق- قدَّما خدمات للمذهب الشيعي، ولا يعني ذلك أنهما أسسا المذهب الشيعي، فالمفروض أنْ تُبحثَ المسألةُ بشكل علمي، نعم، الفرس أمة عظيمة، حيث خدموا الإسلام، سواء كان الإسلام بمفهوم أهل البيت(عليهم السلام)، أو الإسلام بالمفهوم السني، فلا نريد أن نبخسهم حقهم.
إذن سماحة السيد، هل في اعتقادكم أن نشوء التشيع والتسنن كان في زمن النبي(صلّى الله عليه وآله)؟
نعم، هذا صحيح، في زمان النبي(صلّى الله عليه وآله) كان هنالك أناسٌ يرون التعبدَ بالنَّص، والالتزام بالوصية، هؤلاء الذين التزموا بما جاء عن النبي(صلّى الله عليه وآله) في الإمام علي(عليه السلام)، وكانوا معروفين، كانوا في زمن النبي(صلّى الله عليه وآله) يسمون بشيعة علي(عليه السلام)، مثل: عمار بن ياسر، وسلمان، وأبو ذر، وكانت هنالك مجموعة أخرى من الناس لا يلتزمون بالنَّص في الإمام علي(عليه السلام)، وهؤلاء تستطيع أن تقول إنهم هم البذور الأولى للمدرستين، بذور مدرسة النص، وهؤلاء يمثِّلون المذهب الشيعي في أوائله، وبذور مدرسة الاجتهاد في مقابل النص، ولهذا نجد أنَّه في زمن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) كانت هنالك مجموعة من الصحابة يسمعون من رسول الله(صلّى الله عليه وآله) كلاماً، ويقولون مثلاً: إنَّ الرجلَ ليهجر(2)، أو: حسبنا كتاب الله(3)، ويرفضون قضية الوصية، ثم بعد وفاة النبي(صلّى الله عليه وآله) تكونت المدرستان، فجاء الفرس، وقد انتهت القضية، وطُبخت، وكانت وظيفة الفرس جمع وتدوين المدرستين، فدونوا المدرسة الشيعية كما هي، ودونوا المدرسة السنية كما هي، فالبخاري – مثلاً – ماذا صنع؟! نقل مرويات عبدالله بن عمر العربي، ومرويات أبي هريرة الدوسي اليمني العربي، ولا نستطيع أن نقول أن البخاري هو المؤسس، وكذلك نجد الإمام الكليني جمع مرويات الإمام جعفر الصادق، والإمام الباقر، والإمام علي(عليهم السلام)، ولا نستطيع أن نقول إنه هو المؤسس للمذهب الجعفري.
وأحيانا في معالجة الشبهات تكون ردة الفعل خطأ، كثير من الأشخاص يأتي ويقول: إن أهل السنة يقولون بأن التشيع فارسي، وأنا سأثبت بأن التسنن فارسي، فقلت له: هذا خطأ، هذا بحث غير علمي، لا التسنن فارسي، ولا التشيع؛ لأنَّ الرسول(صلّى الله عليه وآله) بُعِثَ في جزيرة العرب، فمن الطبيعي أن يكون الأوائل من المؤسسين من العرب من المدرستين، ولا سيما أنَّ الفرس تأخروا عن العرب في دخول الإسلام، نعم، لو كان النبي(صلّى الله عليه وآله) قد بعث في منطقة فارسية فمن المؤكد أنَّ المؤسسين حينئذ سيكونون من الفرس.
بالنسبة للحكومات التي تأسست، أكثرها تنتمي للمذهب السني، منذ رحيل النبي(صلّى الله عليه وآله)، وإلى يومنا هذا، والحكومة الأكثر شهرة بين الحكومات الشيعية هي الحكومة الصفوية، فهل كانت هناك حكومات شيعية قبل الحكومة الصفوية؟ وهل كانت فعلاً تطبِّقُ المذهبَ الجعفري؟
في الحقيقة إن الفكر الشيعي -ككل- كان يحمل ثلاثة تيارات كبيرة، التيار المنتسب للمذهب الحق، وهو الذي التزم بحديث الاثني عشر الموجود في البخاري ومسلم، «لا يزال الدين قائما باثني عشر»(4)، هذا تيار المذهب الشيعي الذي التزم بالنصوص الواردة عن الرسول(صلّى الله عليه وآله)، وبالمنظومة المرسومة من الرسول(صلّى الله عليه وآله) بشكل كامل، وهناك تيار آخر ملتزم بنظرية النص، ولكنه يقول بأن الإمامة المنصوصة وقفت عند الإمام الحسين(عليه السلام)، وبدأت ولاية الفقيه بعد الحسين(عليه السلام)، ويمثل هذا التيار الزيدية، فيرون أن النص فقط في الإمام علي والحسن والحسين(عليهم السلام)، ثم بعد الحسين للأعلم والأفقه، وهذا شبيه بقضية ولاية الفقيه، فعندهم لا نص بعد الحسين(عليه السلام)، كما وضح الشيخ المفيد في عبارة مختصرة: (إننا نقول بالنص بعد الحسين لتسعة، والزيدية يقولون بأنَّه لا نص بعد الحسين(عليه السلام))، فهم يرون أن ولاية الفقيه بدأت مباشرة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، في حين أنَّ أصحاب المذهب الحق يرون أنَّ ولاية الفقيه بدأت بعد الغيبة الكبرى، والتيار الثالث المتمثل بالإسماعيلية بأقسامها، وهؤلاء يرون أن الإمامةَ انتقلت من الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) إلى إسماعيل.
وعندما نريد أن نبحث عن الدول الشيعية – كما هو الآن معهود في الجامعات الإسلامية في العالم، أو عند كثيرٍ من المفكرين والمؤرخين الشيعة – فإنهم إنما يبحثون عن الدول الشيعية بالمفهوم العام، بما يشمل الطوائف الثلاث.
لا يفرقون بينهم؟
نعم، لا يفرقون؛ باعتبار أنَّ هذه دولةٌ قامت باسم آل البيت(عليهم السلام)، وباسم التشيع، ولا يبحثون عن أن هذه فرقةٌ إسماعيلية، أو فرقة شيعية، أو…
ولهذا نجد مثلاً أنَّ كتاب: «دول الشيعة في العالم» قد ذكر الدولة الفاطمية من دول الشيعة، ولا نريد هنا أن نطعن في نسبهم، أو في دولتهم، ولكن بلا شك أن الدولة الفاطمية كانت دولة إسماعيلية، وهي كانت تنافس الدولة العباسية، ولكنها في الأخير – نتيجةَ أنها قامت باسم أهل البيت(عليهم السلام)، ولم تكن تضطهد الشيعة الجعفرية- نجد أنَّ الشيعة الجعفرية تعاطفوا معها، فنجد مثلاً أنَّ الشيخ الإمام العظيم المجلسي (رحمة الله ورضوانه عليه)، يذكر كتاب: (دعائم الإسلام)، لمفتي الدولة الإسماعيلية الفاطمية، ويعده من الكتب المعتبرة، كتاب دعائم الإسلام كتابٌ حديثي مروي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، ولكن الشيخ المجلسي – وغيره – يعتمدون على هذا الكتاب للقاضي النعمان الإسماعيلي، مفتي الدولة الفاطمية في عصره، كذلك نجد أن كتابَه: (الأخبار، في فضائل الأخيار) -فضائل أهل البيت(عليهم السلام)- طبع في قم، وبتحقيق آية الله الجلالي، فهذه الدولة صحيح أنها إسماعيلية، لكنَّها لمّا رفعت من شأن الإمام الحسين(عليه السلام)، والسيدة الزهراء(عليها السلام)، وأقامت كثيراً من الشعائر المعتبرة في مذهب الطائفة المحقة، مذهب الجعفرية، نجد أنَّ الشيعة اهتموا بتاريخها، وبإنتاجاتها، وأحياناً بالدفاع عنها، ليس الدفاع عن أخطائها، بل الدفاع عنها بما نسب إليها ظلماً من بعض المتعصبين من السلفية؛ لأنَّ الوهابية يتهجمون على أيِّ دولة شيعية، سواء نشأت باسم الإسماعيلية، أو باسم الجعفرية، أو باسم الزيدية.
وهناك أيضاً الدولة الزيدية في إيران (طبرستان)، أو دول أخرى مثل البويهيين، الذين أسسوا دولة، وكانوا في بداية أمرهم من الزيدية، ولكن بعد حوار -حسب ما قرأنا-بينهم وبين الشيخ الصدوق(رضي الله عنه)- الذي كان له دورٌ في إقناع ملوك الدولة البويهية- فتحوَّلوا في أواخر دولتهم من الزيدية إلى الجعفرية، ولهذا نجد أنَّه كان لهم اهتمام كبير بالشيخ المفيد، وحتى أنَّ المأساةَ التي حدثت للشيخ الطوسي(رضي الله عنه) إنَّما كانت بسبب ضعف الدولة البويهية، هذه دول تمثل الشيعة بفرقها الثلاث، ثم جاءت الدولة الصفوية، وأعلنت المذهب الجعفري كمذهب رسمي، ولكن إعلانها للمذهب الجعفري كمذهب رسمي ليس يعني أنَّ الشيعة مثل أهل السنة، أنَّهم يؤيدون جميع ما صدر من قبل الملوك الصفويين، فالميزة في المذهب الشيعي أنَّه يرفض من يمارس الظلم من الحكام، سواء كان هذا الحاكم شيعياً، أو سنياً، أو مسيحياً، ولذلك نجد أنَّ الشيعة تعاملوا مع الدولة الصفوية ليس مثل أهل السنة، فمجرد كون هؤلاء الحكام في الهوية شيعة لا يعني أنَّه يجب التغطية على أخطائهم، بل نجد أنَّ كثيراً من علماء الشيعة ذكروا الصفويين، وذكروا ما لهم – وما عليهم- بإنصاف، فلم يقفوا مثل موقف الوهابية الذين ظلموا الصفويين، وتناسوا ما عندهم من إيجابيات كثيرة، وكذلك لم يقفوا موقف المتعصب الذي يريد أن يقول بأن الدولة الصفوية ليس عليها شيء.
في محور آخر سماحة السيد، بالنسبة إلى مميزات المذهب الاثني عشري، ما هي مميزاته عن غيره من المذاهب؟ والتي جعلتكم تختارونه دون غيره!
أنا أعتقد أن المذهب الجعفري مما يتميَّزُ به أنَّه دقَّق في أحاديث الإمامة، فنحن نجدُ أنَّ قضية الإمامة هي القضية التي عبَّر عنها الإمامُ الشهرستاني بأنَّه: (ما سُلّ سيف في الإسلام كما سُلّ في الإمامة)(5)، والإمامية يتميزون بأنَّ عندهم دقة في البحث القرآني، والبحث في كتب المسلمين، سواء كانوا من السنة، أو من الزيدية، أو حتى من الإسماعيلية، فيما يتعلق بمفهوم الإمامة في القرآن والسنة، فلم نجد أنَّ هنالك منظومة متكاملة تنسجم مع القرآن والسنة في معرفة الأئمة، وخصائص الأئمة، وصفات الأئمة كالجعفرية، فمثلاً حديث الاثني عشر تناقلته الأمةُ الإسلامية قاطبة، فورد في كتب المسلمين – سنةً وشيعةً-، سواء من الزيدية أو حتى من الإسماعيلية، وتواتر عند الأمة الإسلامية بأجمعها مع اختلاف فرقها، حتى في كتب الأباضية من الخوارج، وحديث الاثني عشر موجود بصفته، وبإشاراتٍ في الكتب السماوية السابقة، فهو موجود في التوراة، وموجود في الإنجيل، وهذا الحديث لا يوجد له تفسير واضح عند غير الشيعة الجعفرية، فإنَّ كلَّ المذاهب الإسلامية – بل حتى المذاهب غير الإسلامية، من الذين شرحوا الكتب السماوية في التوراة والإنجيل – تحيَّروا في فهم الاثني عشر في آخر الزمان، وهكذا الإمام البخاري، والإمام العسقلاني الذي شرح البخاري، تحيَّرا في حديث الاثني عشر، وهكذا الزيدية، تحيَّروا في فهم حديث الاثني عشر، وهكذا الإسماعيلية، وهكذا الشافعية، والحنبلية، ولا تجد الجواب الشافي المدعوم بالأدلة القرآنية، والأحاديث، والنصوص المتواترة عند هؤلاء عندما تجمع صفات الاثني عشر من التوراة، ومن الإنجيل، ومن البخاري، ومسلم، ومن كتب الشيعة، ككتب الكليني وغيره، ومن كتب الزيدية، وكتب الإسماعيلية، وكل المسلمين، وكل المسيحيين، وكل الذين انشغلوا في شرح الأناجيل، أو الذين انشغلوا في شرح الكتب الستة عند أهل السنة، أو انشغلوا في شرح الكتب الثمانية عند الزيدية، أو انشغلوا في شرح كتب الحديث عند الإسماعيلية، فنجد أنهم وقعوا في مشكلة، ولم يوجد عندهم أي دليل على نقض دليل الاثني عشرية، والإنسان يستطيع أن يبحث في حديث الاثني عشر، فعندما يجمع الباحثُ هذا الحديثَ مع حديث الثقلين، ويُركب بين الأحاديث التي وردت في صفات الأئمة، يجد أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على الأئمة الاثني عشر، الذين تمَّ تعريفُهم في كتب الاثني عشرية، ولهذا نجد أنَّ الفرقةَ الوحيدة في العالم الإسلامي، بل في الفرق غير الإسلامية – التي استطاعت أن تضمَّ غيرَها على مستوى مليوني- هي الفرقة الاثني عشرية، في حين أنَّنا نجد أنَّ الفرق الأخرى تعجز أن تضمَّ غيرَها، ويكون المذهب في التكاثر يعود فقط إلى التناسل، والتكاثر عبر التوارث في المذهب، أما المذهب الاثنا عشري فنجده بالعكس، فإنه لا يتمدد فقط عبر التناسل، بل هو أكثر تمدداً عبر الدخول من غيره، لماذا؟! لأنَّه عنده ما يقدمه للآخرين.
يعني حديث الاثني عشر تعتبرونه من أهم الأحاديث في إثبات المذهب؟
نعم.
في الجانب الروحي – سماحة السيد-، والعلاقة بالله، أنتم كنتم سابقا – وفي فترة من الفترات – على المذهب السلفي، فهل وجدتم تغيراً في هذا الجانب عندما انتقلتم للمذهب الجعفري؟
للأسف الشديد، الإنسان عندما يكون على مذهب لا يلتفت إلى أخطاء هذا المذهب إلا إذا انتقل إلى غيره، فعندما كنتُ على الوهابية كنتُ أشعرُ أنَّ عندي عرفانا، وأنَّ عندي حالة روحية، وحالة صوفية، وحالة إيمانية، لا يمكن أن توجد عند غيري، لكنْ حينما تحوَّلتُ إلى المذهب الاثني عشري، رأيت أنَّ الجانبَ الروحي في المذهب الاثني عشري جانبٌ قوي، وأنا رأيت حتى عند المفكر المصري عبد الرحمن بدوي السني في كتابه دراسات إسلامية – وهو عالم سني منصف، في آخر حياته اتجه اتجاها إسلاميا قويا، وكانت عنده في بداية حياته بعضُ الأفكار المنحرفة عن الدين، وكان في آخر حياته كتب كتاب دراسات إسلامية-، ففي فضل التشيع يذكر ويقول: (للأسف، نحن انشغلنا في البحث عن الجانب الثوري عند الشيعة، والثورات التي خاضوها، ونسينا الجانب الروحي عند الشيعة، مع أنني أعتقد لولا الجانب العاطفي، والأخلاقي، والروحي عند الشيعة، لتحول الإسلام إلى مجرد معادلات كيماوية، ولجفّ ينبوع الروح في الإسلام)، قال: (فيجب أن نعرف بأن تركيزنا على الجانب السياسي والثوري عند الشيعة جعلنا – نحن أهل السنة- غافلين عن الجانب الروحي عندهم، فماذا قدم الشيعة في الجانب الأخلاقي، والجانب الروحي؟)، فنتيجة انشغال المذهب السني في الحكم على مدار ألف وأربعمائة سنة، وصراعهم على السلطة بين العباسيين، والأمويين، والعثمانيين، وانشغال علماء أهل السنة في الصراع على القضاء والسلطة، وكانت هناك حروب بين المذاهب الأربعة فيمن يكون هو قاضي القضاة في الدولة، أو من يكون شيخ الإسلام في الدولة، والحروب التي اندلعت عندهم سببت حالات جفاف في المذاهب السنية، وبالأخص في المذهب السلفي، وانشغال مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في معالجة الجانب السياسي، والمعارضة للدول التي قامت من عثمانيين، وعباسيين، وأمويين، ومن الخلفاء الثلاثة من قبل، في جوار انشغالهم في التربية الروحية، وإكثارهم من الأدعية المتواترة عنهم، انشغالهم بالأدعية – كالصحيفة العلوية، والصحيفة السجادية- هي التي غذت الإسلام في الجانب الروحي، وإلا تحوَّل الإسلامُ إلى كتلة سياسية بالمفهوم السلبي للسياسة، لا بالمفهوم القرآني للسياسة، وأنا لاحظت هذه الحالة، فأنا لاحظت أنَّ الجانب الروحي عندي بعد الاستبصار ارتفع من حيث تغذية الأدعية؛ لأنَّه للأسف أنَّ السنة -والسلفية بالذات؛ لأنها أكثر عداءً للشيعة- حُرمت من أدعية أهل البيت، وبالتالي انعكس هذا على حالتهم الروحية، ولذلك: لماذا أنت لا تجد سلفيا في العالم عندما يرى صوفيا -أو حتى شيعيا- يبكي إلا ويتعجب منه؟! لأنَّ الجفاف الموجود في المذهب السلفي ملموس، وأنا لاحظت هذا عندي، ووجدت الفوارق من خلال تجربة واضحة في حياتي، وشرحتها في كتابي: «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية».
وبالنسبة للتوحيد، والذي طالما اتُّهِم الشيعة فيه بأنَّهم مشركون، كيف وجدتم الفارق بينه عندما كنتم على المذهب السلفي، وبين التوحيد الآن، وبعد انتقالكم إلى المذهب الجعفري؟
أنا أعتقد أنَّ المشكلة أنَّه كان عندنا فهمٌ ساذج في التوحيد، الفهم الصحراوي، أو الفهم البدوي، والفهم البسيط والساذج للتوحيد يصور للإنسان الساذج غير المتعمق في القرآن والسنة النبوية أنَّ التوحيد الحقيقي هو توحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنا شرحت هذه الحالة في كتابي: «نقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الداخل»، وهو مطبوع، وبيَّنتُ أنَّ التوحيدَ القرآني يختلف اختلافاً جذريا عن التوحيد الوهابي، وأنَّ نظرةَ الشيخ محمد عبد الوهاب للتوحيد نظرةٌ جداً بعيدةٌ كل البعد عن القرآن، وعن معرفته، ولذلك نجد أنَّ الشيخ محمد الغزالي المصري يبين أنَّنا لا نستطيع أنْ نقدِّم توحيدَ الشيخ محمد عبد الوهاب للبشرية في هذا العصر.
لماذا؟!
لأنَّ المسلمين في العالم رفضوا هذا التوحيد، سواء الشافعية، أو الحنبلية، أو المالكية، أو الجعفرية، أو غيرهم، فإذا نحن لم نستطع أن نقنع المسلم بهذا التوحيد، فبالله عليك هل نستطيع أن نقنع البشرية به؟! فإذا كان المسلمون – وقادة المسلمين من السنة والشيعة- اعتبروا أن توحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب توحيد ساذج، بل عبَّروا عنه بالتوحيد البعيد عن القرآن، فهل -بالله عليك- توحيد مثل هذا -لم يستطع أنْ يقدِّمَ أدلة للمسلم السني والشيعي-، هل يستطيع أن يقدم أدلة لغير المسلم؟! فلذلك أعتقد أنَّ توحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في النظرة الأولية والبدوية الساذجة البسيطة للإنسان يتخيل له أنَّه توحيد عميق، ولكنْ إذا تعمق، ودقق، ونظر إليه نظرة دقيقة، سيجد أنَّه لا علاقة له بالعقل، ولا بالقرآن.
هناك حرب شعواء ضدَّ التشيع من قبل طرفين رئيسيين، الطرف الأول: هم الأنظمة الحاكمة الظالمة، والطرف الثاني: هم بعض علماء المذاهب، ففي رأيكم ما هي أسباب هذه الحرب؟
أنا أعتقد أنَّ المذهب الوحيد الذي استطاع الآن في هذا العصر أن يثبت حقانيته هو المذهب الاثنا عشري، ومن مميزات وخصائص هذا العصر أنَّ العالم تحوَّل إلى غرفة زجاجية مكشوفة للجميع، بحيث عرضت بضاعات الجميع للكل، فعرضت جميع الأديان البشرية، وجميع المذاهب الإسلامية، وغير الإسلامية إلى الجميع، فتحوَّلت المذاهب معروضة في معرض دولي زجاجي، يراها الجميع، فلم يعد من السهولة للرجل المعاصر أن ينخدع، فحين يقال له: إن الشيعي كذا. فهو يعيش في معرض يرى الجميع، وبإمكانه أن يطَّلع على كتب الشيعة من خلال هذا المعرض المفتوح، وحينما تمَّ عرض المذهب الشيعي بعيداً عن الكذب، والشائعات، والمكذوبات التي أثيرت ضد المذهب عبر التاريخ، تبين للناس حقانية هذا المذهب، وبدأ الناس يدخلون في مذهب الشيعة أفواجاً، فأغاض هذا الأمرُ التيارات الوهابية، وبعض الأنظمة التي رأت أن كثيراً من الناس المسلمين -وغير المسلمين- يدخلون في مذهب الشيعة الاثني عشرية أفواجاً، وهذا هو السر في هذه الحرب، وفي هذا العصر -عصر عرض المذاهب- نجد أنَّ آلافاً من الكتب كتبت ضد الشيعة من السلفية، وفي مقدمة كتابي: «مستقبل الشيعة الاثني عشرية» ذكرتُ أنَّني عرفت مستقبلَ الشيعة الاثني عشرية من مقدمات كتب الوهابية، فأحدهم يذكر ويقول في كتابه: «الحكم الإسلامي في الاثني عشرية»: (الذي دفعني أنْ أكتبَ عن الاثني عشرية أنَّني زرت مصر بعد خمس سنوات، فوجدت أناساً كنَّا نحسن الظن فيهم ممن طالما صلينا معهم التراويح، وكنَّا نؤمِّل فيهم، قد دخلوا في الاثني عشرية)، وهكذا كل الكتب التي كتبت في العصر الحديث هي من هذا القبيل.
بالنسبة لظاهرة التكفير، تكفير الشيعة، هل هي ظاهرةٌ قديمة أم حديثة؟ وما هو الطابع العام لعلماء المسلمين من المذاهب الأخرى تجاه التشيع؟
تقريبا أنا قد بحثت في هذا المجال، وللأسف الشديد إن الملاحظ الآن أنَّ هناك تصويراً خاطئاً قد طُرِحَ من قبل السلفية الوهابية في العالم، فقد تم مثلاً توزيع كتيب صغير تحت عنوان: (حكم علماء الإسلام في الاثني عشرية)، أنا لاحظت أنَّ في هذا الكتاب مغالطةً، فالوهابية لأنَّهم تبنَّوا مشروع تكفير الشيعة أرادوا أنْ يصوروا أنَّ مشروعَ تكفير الشيعة ليس مشروعاً سلفياً وهابياً، بل هو مشروعٌ سني، وهناك مغالطة كبيرة، فالباحث الكبير فهمي هويدي يثبت بالأدلة في كتابه (إيران من الداخل) أنَّ مشروع تكفير الشيعة هو مشروع وهابي، وليس مشروعاً سنياً، والعالم المصري المرحوم الشيخ محمد البحري(رحمه الله) يذكر ويصرح أنّه صحيح أنَّه كان هناك صراع بين السنة والشيعة، ولكن حينما وجدت الوهابية وسعت من دائرة الصراع والخلاف، فبينما كان الصراع طبيعياً بين مذهبين مختلفين، تحوَّل الصراعُ وكأنَّه صراعٌ بين دينين مختلفين، فالوهابية في كتبهم، (حكم الإسلام في الاثني عشرية) كتاب ربيع السعودي، أو كتب ربيع المدخل، أو كتب الشيخ مال الله البحريني من البحرين، أو كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير، أو كتب الدكتور علي السالوس (مع الاثني عشرية في الأصول والفروع)، وغيرهم، نجد -للأسف- أنَّهم حاولوا القفز على المذهب السني، وتصوير أنَّ ما عندهم من بضاعةِ تكفيرِ الشيعة هي بضاعة سنية، وهذا خطأٌ كبير.
والدليل على أنه خطأ كبير: أنَّ الإمام البغدادي في كتابه (الفَرْقُ بين الفِرَق) يذكر الاثني عشرية من فرق المسلمين، والإمام الشهرستاني صاحب (الملل والنحل) يذكر الاثني عشرية من فرق المسلمين، والإمام أبو الحسن الأشعري إمام الأشعرية، ذكر كتابه بعنوان: (مقالات الإسلاميين)، وذكر الاثني عشرية من المسلمين، والإمام مجد الدين ابن الأثير في كتابه: (جامع الأصول)، عندما يأتي إلى حديث الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) عن أبي هريرة، قال: (يبعث الله في كل مائة عام رجلا يجدد هذا الدين)، فيذكر بأن الشافعية قالوا بأن مجدد الدين هو الشافعي، ومن الشافعية، والمالكية قالوا: مالكي، والحنفية قالوا: حنفي، فيذكر ابن الأثير -وهو من علماء القرن السادس-: بأنَّه لا يصح حصر تجديد الدين بمذهب واحد، فقال مجدد الإسلام: هم من الشافعية، والحنبلية، والمالكية، والجعفرية.
فهذه الظاهرة إذن ظاهرة جديدة؟
نعم، والسنة وإن كانوا يعتبرون الشيعة فرقة ضالة، لكن يقولون: إنها فرقة ضالة من فرق المسلمين، وهناك أصلا مائة وثمانين درجة، وبون شاسع بين التضليل وبين التكفير، فنحن لا نعاني من مشكلة التضليل، التضليل لا يشكل خطراً، لأنَّك تقول: ضلَّ عن الطريق وهو في دائرة الإسلام. لكن التكفير أنْ تقول: إنَّه خرج عن الإسلام. إذن فالتكفير هو مشروع سلفي، ولكن السلفية تحاول أن تقتنص عبارة من الإمام البغدادي، أو عبارة من الإمام الأشعري، أو عبارة من الإمام فخر الدين الرازي، ثم تمارس دور التقطيع، والتحريف في كلمات أئمة أهل السنة، وتصور أن مشروع التكفير هو مشروع سني، نعم، السنة ضللوا الشيعة، لكن كان يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: أشهد بالله أن الشيعة من أهل القبلة، وإن كنت أعتقد أنهم من أهل الضلال، ولكني لا أجوّز لأحد أن يكفرهم، أو أن يخرجهم من الدين. والإمام أبو حنيفة كذلك كان يتحاور مع مؤمن الطاق، ويجلس معه، ويجالسه، ويؤانسه، فلو كان التكفير مشروعا سنيا، فلماذا جلس أبو حنيفة مع مؤمن الطاق؟!
سيدنا، هناك تشويهٌ للمذهب الشيعي، ومحاولة فصل الشيعة عن أهل البيت(عليهم السلام)، والتصوير للرأي العام بأنَّ الشيعة هم بعيدون عن أهل البيت(عليهم السلام)، وأن غير الشيعة من المذاهب الأخرى هم الأتباع الحقيقيون لأهل البيت(عليهم السلام)، بل سمعت من أحدهم في إحدى القنوات يقول بأنَّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) أصلا كانوا من أهل السنة والجماعة، فما تعليقكم على ذلك؟
أنا أعتقد أنَّ هذا يعتمد على البحث العلمي والتاريخي، فالإنسان الذي يدعي أن الشيعة ليسوا أتباع أهل البيت، لا بد أن يقدم الدليل، والدليل لا بد أن يكون تاريخياً، فعندما تأتي وتجد آلاف الكتب كتبت باسم أهل البيت(عليهم السلام)، كتب الشيخ الصدوق، كتب الإمام الكليني، كتب الشيخ المفيد، كتب ابن بابويه والد الشيخ الصدوق، الشيخ الطوسي، وآلاف من العلماء الذين عاشوا في القرون المتقدمة، نقلوا عن أئمة أهل البيت الكثير من الروايات، ثم تأتي وتقول هذا ليس كلام أهل البيت، لا بدَّ أنْ تأتي بدليل؛ لأنَّ هذا سيسبب مشكلة خطيرة، الإمام أبو زهرة(رحمه الله) -وهو من السنة المنصفين- يذكر هذا في كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية، وفي كتاب الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، يقول ويرد على هؤلاء عندما قالوا بأنَّ ما هو موجود في كتب الشيعة ليس كلام أهل البيت، فقال لهم إمام أهل السنة كلاماً عظيماً: (لو قلتم ذلك لشككتم في كتب الشافعية، ولقال قائل بأن الشافعية ليسوا أتباع الشافعي، ولقال قائل بأنَّ المالكية ليسوا أتباع مالك، ولقال قائل بأنَّ الحنفية ليسوا أتباع أبي حنيفة، ولقال قائل بأنَّ الوهابية ليسوا أتباع الشيخ محمد عبد الوهاب؛ لأنَّ هؤلاء نقلوا روايات أهل البيت بالأسانيد، ونحن نقلنا الروايات عن الشافعي بالأسانيد، فلو شككنا في أسلوب النقل عندهم لشككنا في أسلوب النقل عندنا؛ لأنَّ الطريقة واحدة)، ولذلك قال: (أنا أثق -وأنا سني- بأنَّ سبعين في المائة مما في كتب الشيعة هو كلام أهل البيت)، فالمشكلة إذن أنَّ هذا لم يقم على بحث علمي، وهؤلاء لم يطلعوا على تاريخ تدوين كلام أهل البيت في كتب الشيعة، إنما عندهم فتوى فقط، وأنَّ ما نقله الشيعة ليس كلام أهل البيت، فنقول: إنَّه هل عندكم دليل على هذه الفتوى؟!
وكيف بالنسبة للجانب العقائدي؟
حتى في الجانب العقائدي؛ لأنَّ الجانب العقائدي مبنيٌّ على الروايات، ففي الأخير: الروايات والأحاديث هي البنية التحتية لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فالشيخ الصدوق عندما ألَّف: (الاعتقادات)، والشيخ المفيد عندما كَتَب: (تصحيح الاعتقادات)، أو كتاب: (العقائد) للشيخ الطوسي، هذا كله مبني على استقراء لما جاء عن أهل البيت في المسائل العقائدية، فهي كلها ترجع للروايات، فالوهابية الآن يريدون أن يضربوا البنية التحتية، فيقولون: (نهج البلاغة ليس كلام الإمام علي(عليه السلام).) مثلاً! ويقولون: (الصحيفة السجادية ليست للإمام زين العابدين.)! (كتاب التوحيد الذي نقله الصدوق عن أهل البيت ليس كلامهم.)! فإذا شككوا في الروايات بالتالي يكون من السهولة التشكيك في العقيدة؛ لأنَّ علماء العقائد استخرجوا هذه الروايات من خلال فهم هذه الروايات، ولكن أنا أقول إن مشكلة الوهابية أنَّهم لم يطَّلعوا على تاريخ تدوين الحديث عند الشيعة.
هذه المقولة ليست خاصة بالوهابية، فحتى بعض أهل السنة يقولون بأن أهل البيت(عليهم السلام) ليسوا مخالفين لهم في مذهبهم!
لأنَّهم لا يقرأون، أنا رأيت كتاب: (تاريخ التشريع) لأحد أهل السنة، (تاريخ التشريع الإسلامي)، (تاريخ تدوين الحديث)، للأسف إنهم لا يدرسون تاريخ تدوين الحديث عند الشيعة، وهذه هي المشكلة الكبرى، المشكلة عند أهل السنة أنَّهم لا يدرسون! الآن مثلما يدرسون بالدقة والبحث كيف دوَّن الإمام البخاري كتابه، ويدرسون سنواتٍ تاريخَ تدوين الكتب الستة، أنا أقول: أنتم عندما تريدون أن تحكموا أن الشيعة ليسوا أتباع أهل البيت، لا بد أن تدرسوا تاريخ تدوين الكتب الأربعة، وتعرفوا تاريخ الأصول الأربعمائة، وكيف وصلت إلى الذين دونوها، ثم كيف وصلت إلى المدوَّنات الأربعة، ثم كيف نقل الشيعة الأصول الأربعمائة من كتاب الإمام علي(عليهم السلام)، ثم كيف وصل كتاب الإمام علي(عليه السلام)، ثم تدرس تاريخ التدوين؛ حتى تصل إلى نتيجة، أما أنَّك تحكم من دون دليل فلا، ولا يوجد الآن ـ للأسف ـ في مادة تاريخ التشريع والتدوين عند أهل السنة تاريخُ تدوين مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
بالنسبة إلى نشر التشيع، الآن هناك من يشبِّهُ نشرَ التشيع بنشر المسيحية، فهل يعتبر نشر التشيع جريمةً إذا كان أصحابُ المذهب يعتقدون بحقانية مذهبهم، وينشرونه بالأدلة العلمية والتاريخية؟!
والله أعتقد الآن في هذا العصر، أنَّه عصرٌ لم يعد بحاجة لهذه المقولة، الآن الإنسان بطبيعته يبحث، يعني الآن نجد أنَّ الذين استبصروا – كمثال – لم يستبصروا لأنَّه جاء إليهم الشيعي وخبرهم بالمذهب، الآن أصبح الإنسان هو يبحث بنفسه، القنوات موجودة، والإنترنت موجود، والإمكانات موجودة، أعتقد أنه أصبحت الآن قضية التبليغ قضية أتوماتيكية طبيعية، فلم تعد هناك أسباب وموانع تمنع الإنسان من أن يطلع على فكر الآخرين.
بالنسبة لطرح المسائل الخلافية، وهو موضوع حساس، فهل طرح مثل هذه المسائل ضرورية في المناظرات العقائدية أو لا؟
أنا أعتقد أنَّ طرح المسائل الخلافية إذا طرحت بحسب الضوابط القرآنية وضوابط الأحاديث النبوية، والالتزام بالموعظة الحسنة، والالتزام بالقاعدة القرآنية، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(6)، الالتزام بالأخلاق القرآنية، والموعظة الحسنة القائمة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالمشكلة ليست أنْ تعرض المسائل الخلافية، المشكلة هي في كيفية عرض هذه المسائل، فإذا طرحت المسائل الخلافية بطريقة ليس فيها أيُّ تعصب، وملتزمة بالقواعد القرآنية، فلا يوجد مشكلة، المشكلة أنَّ هنالك نمطاً معيناً من طرح المسائل المذهبية الموجود عند إخواننا من السلفية، هذا هو الطريق الخطأ، وهو الذي يقوم على أسلوب التكفير، والتهميش، والتضليل، واستخدام العبارات غير الجيدة، وبعيدة عن الطريق القرآني، هذه المشكلة، بل بالعكس، إنَّ طرح المسائل الخلافية يسبب في تقريب المسلمين؛ لأنَّه حينما أعرف فقط القضايا المشتركة بيني وبينك، ولا أطلع على قضايا الخلاف بيني وبينك، فإنَّه إذا التقينا فسوف تكون معركة كبيرة، لكن إذا كنتُ أنا أعرف ما عندك في قضايا تخالفني فيها، وأنت تعرف ما عندي من قضايا أخالفك فيها، ثم ندرس هذه المسائل بأسلوب علمي قرآني منطقي، فأعتقد بأن هذا سيقلل من الصراع.
لمن أراد التخصص في مجال المناظرات العقائدية، فما هي أهم الأمور التي يحتاج إليها؟ وما هي الكتب التي يجب قراءتها، والتي هي مفيدة في هذا المجال؟
لا بد للمتخصص أنْ يوجد عنده إلمامٌ ودراسةٌ علمية حوزوية، هذا مهم جدا؛ أن يدرس أصول الفقه، يدرس علوم اللغة العربية، يكون عنده إلمام بعلوم القرآن، وعلوم الحديث، تاريخ علم الحديث، إلمام بالتفسير، ولو لم يكن على سبيل الاجتهاد، بل على سبيل المعرفة الإجمالية، ويكون على دراسة كاملة بكتب علم الكلام، علم العقيدة، وتاريخ العقيدة، ودراسة التاريخ الإسلامي، وكتب الحديث عند الفريقين، وكتب التفسير عند الفريقين، ولا بد أنْ يطّلع على مجموعة من الكتب كما ذكرتم، مثلاً، لا بد أنْ يقرأ مثل كتاب المرحوم صاحب العبقات السيد النقوي الهندي، الذي الآن طبع بشكل ملخص، طبعه العلامة الميلاني تحت عنوان: (نفحات الأزهار في تلخيص عبقات الأنوار)، يقرأ مثل كتاب: (إحقاق الحق) للإمام المرحوم المرعشي النجفي، يقرأ كتاب: (المراجعات)، يقرأ مثل كتاب: (الغدير) للإمام الأميني، يقرأ مثل كتاب: (ليالي بيشاور)، يقرأ كتب الحوارات العقائدية الموجودة، يقرأ حوارات ومناظرات الأئمة(عليهم السلام)، يقرأ كتاب الاحتجاج للإمام الطبرسي، ويكثر من قراءة كتب الحوارات بين علماء الإسلام من القديم والحديث، ولا بد أن يقرأ كتب آداب المناظرة، وآداب الحوار، يقرأ مثلا كتاب: (الحوار في القرآن)، (أسلوب الحوار في القرآن)، أن يقرأ مناظرات الإمام الرضا(عليه السلام)، مناظرات الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، ومناظرات الإمام علي(عليه السلام)، وغيرهم.
بالنسبة لكتب الأطراف الأخرى من المذاهب الإسلامية، هل هناك ضرورة في قراءتها ومعرفتها؟
نعم، يحتاج أن يقرأها، ولكن لا أريد أن يبدأ من صحراء، نحن يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولهذا أنا ذكرت هذه الكتب، فيبدأ بهذه الكتب، ثم إذا أراد أن يتعمق أكثر يقرأ كتب الخلاف والعقائد، يقرأ كتاب: (العقيدة الطحاوية)، فهو مفيد جداً، كتاب: (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، يقرأ كتاب: (العقيدة الواسطية)، يقرأ كتاب: (منهاج السنة) لابن تيمية، مع كتاب: (منهاج الكرامة)، مع الردود على منهاج السنة، يقرأ كتاب: (دلائل الصدق)، وهو أيضا مفيد جدا، للمرحوم آية الله الشيخ حسين المظفر، أخو الشيخ محمد رضا المظفر، ويقرأ الكثير من الكتب، ولكن أنا أقول: إنه لا بد أن يقرأ الكتب التي كتبت في هذا المجال، ثم إذا أراد أن يتخصص يرجع مباشرة إلى كتب أهل السنة والسلفية.
كانت لكم تجربة واسعة في المناظرات العقائدية، كيف تقيمون هذه التجربة؟
والله أنا كتبت في هذا المجال بشكل مفصل في كتاب: (المنهج الصحيح في الحوار مع الوهابيين)، وأرى أنَّه لا بد أن يكون هنالك تخصص، مثلاً، من يريد أن يناظر الوهابية، لا بد أنْ يتخصص في الوهابيين، من يريد أن يناظر الصوفية، لا بد أن يقرأ كتب الصوفية، من يريد أن يناظر الشافعية، لا بد أن يلم بكتب الشافعية، ولا بد من التخصص في المجالات حتى تكون المناظرة أقوى، الآن -مثلا- من يريد أن يناظر المسيحية، لا يمكنه ذلك إلا أن يكون قد درس كتب المسيحية، واطّلع عليها، وشرحت التجربة كاملةً في كتابي: (المنهج الصحيح).
ختاماً، لطيفة من اللطائف التي حدثت لكم أثناء المناظرات، أو موقف رَكَزَ في ذهنكم؟
عندما كنت في مناظرة مع الشيخ عثمان الخميس، أردت منه أن يجيب: مَنْ هم الثقلان في صحيح مسلم؟ انظر، المشكلة هو كان يبتعد، لماذا؟! لأنَّ الشيخ عثمان الخميس لو سألته: من الثقلان؟ سيقول: (كتاب الله وسنتي)، لكن أنا سألته: من الثقلان في صحيح مسلم؟ في صحيح مسلم الثقلان هما: (كتاب الله وأهل بيتي)، فظلَّ أكثر من ساعة تقريبا وهو يتهرب، كان يقول: كتاب الله وسنتي. قلت له: في صحيح مسلم، لا أريد أن تقول من هم الثقلان في غير صحيح مسلم. قال: إذا أردت من هم الثقلان في صحيح مسلم فهم: (كتاب الله وأهل بيتي)، لكن أنا كلامي في غير مسلم، فهما (كتاب الله وسنتي). قلت له: أنا لا يهمني ذلك، أنا يهمني أصح كتاب بعد كتاب الله، أما ما عداه فليس أصح كتاب بعد كتاب الله عند أهل السنة، فهو بعد ذلك قال بغضب شديد: أقولها بصراحة، الثقلان هما: (كتاب الله وأهل بيتي)، لكن قالها بعد ساعة من التهرب! وجزاكم الله ألف خير.
المصادر والهوامش
- (1) المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين، ص10.
- (2) البخاري، ج4، ص31.
- (3) البخاري، ج1، ص37، ج5، ص138.
- (4) في صحيح مسلم، ج6، ص4: «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش»، وفي البخاري، ج8، ص127، عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي(صلّى الله عليه وآله) يقول: «يكون اثنا عشر أميرا. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش».
- (5) الملل والنحل، ج1، ص24.
- (6) المؤمنون: 96.