الولاية لأولياء الله تعالى
الولاية لأولياء الله تعالى محمّد وأهل بيته الأطهار عليهم السلام
يقول الله تعالى في محكم كتابه:﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون﴾1
التلازم بين ولاية الله تعالى وولاية أوليائه
ولاية أولياء الله تعالى الأبرار الأخيار الّذين أوجب سبحانه علينا حقوقهم وفرض طاعتهم والتبرّي من أعدائهم، من أجلِّ الصفات الإيمانية الّتي من دونها سوف لا يلتحق المؤمن بحزب الله، وولاية الله تعالى لا تُنَال إلّا بالتولّي لأوليائه، الّذين اختارهم لنا أئمّةً، وأمرنا بالاقتداء بهم، فهم شجرة النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، وأمرنا بالتبرّي من مناوئيهم وأعدائهم والظالمين لهم والجاحدين لحقّهم في القول والفعل.
فمن صفات حزب الله الّتي اهتمّ بها القرآن الكريم وخصَّها بالذكر، وأكّدَت عليها روايات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام: الولاية لأولياء الله تعالى الّذين اصطفاهم للإمامة، وخصّهم بالكرامة، وحدّدهم بأعيانهم وميّزهم بأشخاصهم، وسمّاهم رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم، وقد انتجبهم الله تعالى واصطفاهم وأورثهم الكتاب ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾2، وولايتهم متّصلة بولاية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأوّلُهُم بعده صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم مهديّ الأمّة ومنجيها ومنقذها من الظلم والزيغ والضلالة الإمام المهديّ الحجّة ابن الحسن العسكريّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فمن يتولّى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبعده الّذين آمنوا (الإمام علياً عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام) فهو من حزب الله، ومن يعادِهم أو يعادي بعضهم فهو ليس فقط خارجاً عن حزب الله بل هو كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخل في حزب الشيطان: “يا عليّ أنت المحجور بعدي أُشهد الله تعالى ومن حضر من أمّتي أنّ حزبك حزبي وحزبي حزب الله، وأنّ حزب أعدائك حزب الشيطان“3.
الولاية شرط قبول الأعمال
قال تعالى: نزلت هذه الآية في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين تصدّق وهو راكع في الصلاة4. وقد جعلت الولاية بعد ولاية الله تعالى للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وللإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فالولاية الذاتية هي للخالق تعالى، وهو تعالى يجعلها لمن يشاء من عباده ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
إنّ ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من أنّ أيّ عمل لا يقبل بدون الولاية كثيرٌ.
وهذه بعض النصوص الدالّة على ذلك
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام، ثمّ ذبح كما يذبح الكبش، ثمّ أتى الله ببغضنا أهل البيت لردَّ الله عليه عمله“5.
وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: “إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جلّ جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض، وعن الحج ّالمفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإنّ أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه، وإن لم يُقرّ بولايتنا بين يدي الله جلّ جلاله لم يقبل الله عزّ وجلّ منه شيئاً من أعماله“6. 7
توجيه كون الولاية شرطاً لقبول الأعمال
بعد أن ثبت بالنقل المستفيض اشتراط الولاية في قبول الأعمال نذكر التوجيه لذلك:
1- إنّ الله تعالى يريد أن يُعبد من حيث يشاء لا كيفما أراد العبد
وقد دلّت على ذلك نصوص عدّة نذكر منها:عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال: “مرّ موسى بن عمران عليه السلام برجل رافع يده إلى السماء يدعو فانطلق موسى في حاجته فغاب عنه سبعة أيّام، ثمّ رجع إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرّع ويسأل حاجته، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا موسى لو دعاني حتّى يسقط لسانه ما استجبت له حتّى يأتيني من الباب الّذي أمرته به“8.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “عبَدَ اللهََ حبرٌ من أحبار بني إسرائيل حتّى صار مثل الخلال فأوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ زمانه: قل له: وعزّتي وجلالي وجبروتي لو أنّك عبدتني حتّى تذوب كما تذوب الإلية في القدر ما قبلت منك حتّى تأتيني من الباب الّذي أمرتك“9.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ عن العالم عليه السلام قال: “قال إبليس: يا ربّ اعفني من السجود لآدم عليه السلام وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. قال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك إنّما أريد أن أُعبد من حيث أريد لا من حيث تريد، فأبى أن يسجد فقال الله تعالى: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾10“11.
2- الولاية هي باب الله الّذي منه يؤتى
من الأدب العقلائيّ للورود في الأمور إتيانها من أبوابها، وبذلك يأمر القرآن الكريم: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ فإذا كان هذا أدب ورود البيت فكيف بورود الدِّين الّذي هو عصمة أمر المرء (اللّهم أصلح لي ديني فإنه عصمة أمري)؟
لا بدّ أن يكون للدِّين باب يعيّنُهُ الربُّ الكريم اللطيف بعباده، فإذا عيّنَه يتعيَّن على العبد أن يدخله منه، وإلّا فإنّه سيُحرَم من استحقاقه الثواب على الله، حيث إنّ الله تعالى هو الّذي جعل على نفسه حقّاً لمن دخل في طاعته من الباب الّذي عيَّنه، أن يعطيه ثواباً على هذه الطاعة. وهذا الباب الّذي اختاره الله تعالى وامتحن به عباده هو اتّباعُ الأولياء الّذين شخّصهم وحدَّدهم تبارك وتعالى، وأمر بأخذ الدِّين والحقائق عنهم، فهم باب لنيل رضاه تعالى، وواسطة في امتثال أحكامه، فإذا انتفى الشرط ولم يعمل به العبد أي تمّت العبادة من باب آخر غير الباب الّذي عيّنه الله تعالى فإنّه سينتفي استحقاق المثوبة.
وقد أشار مرجع عصره الشيخ الجواهري قدس سره إلى ذلك: ” ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾12 والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعه الله عند الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فكلّ عمل من أعمال الخير يجري على يد غير الأصفياء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم مردود غير مقبول.. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام: “أنا مدينة العلم وأنت بابه، فمن أتى من الباب وصل، يا علي أنت بابي الّذي أُوتَى منه، وأنا باب الله تعالى، فمن أتاني من سواك لم يصل إلى الله تعالى“،”إلى غير ذلك من النصوص الّتي هي فوق عدد التواتر، بل لعلّه من ضروريّ مذهب الشيعة“13.
وأمّا قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ فهو يدلّ على أنّ من يتولّى الأولياء الّذين جعل الله ولايتهم حقّاً في أعناق العباد فهو غالب؛ لأنّه من حزب الله وحزب الله هم الغالبون.
والغلبة مطلقة وهي الغلبة على الشقاء والباطل في الدنيا والآخرة، أمّا في الدنيا فبالحياة الطيّبة الّتي يعيشها الأولياء ملؤها التقوى، والإنسانية، والطهارة من كلّ رذيلة، وأمّا في الآخرة فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾14.
الولاية لأهل البيت عليهم السلام ليست ادّعاءاً
هذا وإنّ الولاية لأهل البيت عليهم السلام ليست ادعاءاً كلاميّاً ومظهراً خارجيّاً بل يقينٌ واستعداد للتضحية وبذل المهج.
عن مأمون الرقّي قال: “كنت عند سيّدي الإمام الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلّم عليه ثمّ جلس فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة ما الّذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه !؟ وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف !؟ فقال له عليه السلام: اجلس يا خراساني رعى الله حقّك، ثمّ قال: يا حنيفة اسجري التنّور فسجّرته حتّى صار كالجمرة وابيضّ علوّه، ثمّ قال: يا خراساني !
قم فاجلس في التنّور، فقال الخراساني: يا سيّدي يا ابن رسول الله لا تعذّبني بالنار، أقلني أقالك، الله قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي، ونعله في سبّابته فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق عليه السلام: “ألق النعل من يدك، واجلس في التنّور، قال: فألقى النعل من سبّابته ثمّ جلس في التنّور، وأقبل الإمام عليه السلام يُحدّث الخراساني حديث خراسان حتّى كأنّه شاهد لها، ثمّ قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنّور قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً، فخرج إلينا وسلّم علينا، فقال له الإمام عليه السلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال: والله ولا واحداً فقال عليه السلام: لا والله ولا واحداً، فقال: أما إنّا في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت“15.
- اولئك حزب الله ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
المصادر والمراجع
1- سورة المائدة، الآيتان: 55 ـ 56.
2- سورة فاطر، الآية: 32.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 9.
4- تفسير الطبري، ج 6، ص 288 – 289.
5- المحاسن، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ج 1، ص 168.
6- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 167.
7- م.ن، ج 72، ص 194.
8- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 180.
9- م.ن، ج 72، ص 176.
10- سورة الحجر، الآيتان: 34 ـ 35.
11- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 60، ص 274.
12- سورة البقرة، الآية: 189.
13- راجع: جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج 33، ص 229.
14- سورة يونس، الآية:62.
15- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج47،ص123-124.