بمن أقتدي؟
الإنسان القدوة في المنظور الإسلاميّ
القدوة في المنظور الإسلاميّ هو الإنسان الخالي من العيوب، المبرّأ من ارتكاب الذّنوب، ويمتلك سريرة صافية، وهمّة عالية في طاعة الله عزّ وجلّ. وهوالإنسان الكامل الذي يكون في المراتب العليا في ترتيب الكمال الإنسانيّ.
كيف نتعرّف إلى الإنسان القدوة؟
يوجد طريقان أساسيـّان لمعرفة الإنسان القدوة
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾1.
الأوّل
الاستعانة بالقرآن الكريم وكلمات الرّسول والأئمّة المعصومين ، وكنموذج لذلك تأمّلوا في قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا…﴾ 2، أو في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ 3.
وكنموذج للإنسان القدوة نستعرض من كلمات المعصومين بعض مواصفات هذا الإنسان: “اللّهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة. إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته. وكم ذا؟ وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلّون عدداً والأعظمون قدراً. يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه. آه آه شوقاً إلى رؤيتهم”4.
الثّاني
التأمّل في شخصيّة إنسان قدوة وكامل، كالتأمّل في شخصيّة الرّسول الأكرم ، وكالتأمّل في شخصيّة أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام، فأفعال هؤلاء الكمّل وأقوالهم وصفاتهم آيات مبهرات يقف العاقل خاضعاً أمام عظمتها وشموخها، حيث تعتبر هذه الأفعال والصفات التجسيد الكامل لما قرّره القرآن الكريم؛ من مواصفات للإنسان القدوة الكامل الواصل إلى أعلى درجات الإخلاص والعبوديّة لله عزّ وجلّ. ليشكّل بذلك مدرسة كاملة ونموذجيّة لمن أراد الوصول إلى القرب الإلهيّ.
إستنتاج: القران والروايات هما الطريق الأوّل لمعرفة الإنسان القدوة.
نموذج الإنسان القدوة في الإسلام
يُعتبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب نموذج الإنسان القدوة بحسب معايير القرآن وكلمات الرّسول الأكرم. ومواقفه وأفعاله تدلّل على ذلك بأبهى صورة، وبأروع ما يمكن للإنسانيّة أن ترى من سموٍّ ورقيٍّ في بني البشر. فلقد كان سلام الله عليه قمّة في الشّجاعة والبطولة، وتشهد على ذلك بطولاته في بدر وأحد والخندق وخيبر وصفّين وبلغ سلام الله عليه القمّة في العلم والحكمة، كما يظهر لنا ذلك في كلماته وخطبه في نهج البلاغة التي لا يزال العلماء والأدباء حيارى ببلاغتها والأسرار التي تحويها حتّى الآن.
قال أمير المؤمنين: “من أحبّنا كان معنا يوم القيامة، ولو أنّ رجلاً أحبّ حجراً لحشره الله معه”5.
وقام سلام الله عليه بالعدل، وهذا ما يشهد عليه قضاؤه بين النّاس في مسجد الكوفة، وأمّا موقعه في الطّاعة والعشق لله عزّ وجلّ ولرسوله ، فقد قال فيه رسول الله يوم خيبر: “لأعطينّ الرّاية غداً لرجل يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه”.
إنّ عليّ بن أبي طالب يُعتبر مدرسة لمن أراد أن يسلك طريق العبوديّة والكمال والقرب الإلهيّ. إنّ هذه المدرسة خرّجت قياديّين رساليّين أمثال عمّار وأبي ذر وسلمان والمقداد وميثم وكميل بن زياد وغيرهم، وكان كلّ منهم جبلاً وقمّة من قمم الكمال الإنسانيّ.فمن أراد طريق الكمال وطريق القرب الإلهيّ، فالإسلام غنيّ بنماذج لم يأت التّاريخ البشريّ لها بمثيل. فأيّة خسارة أعظم من أن يجعل الشابّ قدوته شخصيّة ناقصة وعاصية ويترك الاقتداء بسيّد الشّهداء الإمام الحسين؟ وأيّ خسارة أفدح من أن تقتدي الفتاة بشخصيّة فارغة من القيم الأصيلة، وتترك الاقتداء بالزّهراء وخديجة وزينب (عليهنّ جميعاً سلام الله).
إستنتاج: التأمل في شخصيّات المعصومين عليهم السلام وملاحظة أقوالهم وأفعالهم وصفاتهم الشامخة هو الطريق الثاني لمعرفة الإنسان القدوة.
- طريق المعارف, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
المصادر والمراجع
1-الأحزاب:21
2-الفرقان:63-67
3-الاحزاب:33
4-نهج البلاغة، الشريف الرضي ،ج 4، ص 37- 38.
5-بحار الأنوار، ج74، ص383