القصص القرآنيّة حقائق واقعة
الملخّص:
تعرّض الكاتب في مقالته إلى شبهة أحد الأدباء المعاصرين في القصص القرآنيّة، فبيّن مدّعاه وهو أنّ القرآن لا يجب أن يأتي بالقصص الصّادقة، وأنّها من نسج الخيال بالاستعانة بخرافات النّاس، ثمّ أشار إلى بعض الآثار الخطيرة المترتبة على هذه الدّعوة الّتي من أبرزها تكذيب النّاس للقرآن الكريم، ثمّ وقف على أدلّة صاحب الدّعوى وناقشها دليلاً بعد آخر، وبيّن ما فيها من مغالطات وما يلزم بفسادها.
المقدّمة
تعدّ القصّة وذكر أحوال الأمم السّالفة من العناصر المهمّة الّتي يتشكّل منها القرآن الكريم، ويُنطلق منها لتبليغ المفاهيم الدّينيّة وأسس الهداية والمواعظ الحسنة، بأسلوب بليغ ومربٍّ وسريع النّفاذ والتّأثير في القلوب، وما ذاك إلّا لاحتوائها -بالإضافة إلى الهادفيّة- على سمة التّحقّق والوقوع الّتي تجعل ارتباط المستمعين معها بأعلى مستوى من التّفاعل والوثوق والتّصديق، وهي واحدة من مميّزات الكلام الإلهيّ، الّذي لا يضاهى في المنزلة والصّيانة والقدرة والأداء والأمانة: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾( الجاثية: 29)، بيد أنّه -وبالرّغم من وضوح هذا الأمر والتّسالم عليه من قبل عامّة علماء الإسلام- قد ظهرت بعض الأفكار الّتي تصرّح بعدم ضرورة اتّصاف القصص القرآنيّة بالصّدق والتّحقّق، وأنّ الصّبغة الغالبة عليها أنّها أمثال وخيالات، لتقريب الأفكار إلى الأذهان والسّيطرة على عواطف النّاس ومشاعرهم، وأنّ هذا الأسلوب يعدّ من الأنماط الفنّيّة الأدبيّة، الّتي يتعمّدها القرآن في إيصال أغراضه، حتّى لو أدّى به الحال إلى التّأثّر بالأساطير المبثوثة لدى أبناء العصر الجاهليّ الّذي نزل في أوساطهم، ورائد هذه الآراء الشاذّة هو الدّكتور محمّد أحمد خلف الله المصريّ[1] الّذي كان يقول في أطروحته الّتي أصبحت كتاباً مثيراً للجدل بعد ذلك: “فإنّا لا نتحرّج من القول بأنّ في القرآن أساطير، لأنّا في ذلك لا نقول قولاً يعارض نصّاً من نصوص القرآن“[2].
ونظراً لخطورة هذا المدّعى، وفداحة هذه الأفكار، وتناغمها إلى حدّ كبير مع ما يروّجه المستشرقون حول القرآن، من مطاعن ونقوض[3]، يصبح من اللازم الوقوف على حيثيّات وأبعاد المسألة، وتقييم ونقد المباني الّتي ارتكزت عليها، وسيكون محور الحديث منصبّاً بالدّرجة الأساس على مناقشة أقوال الدكتور وذلك ضمن المطالب التّالية.
أوّلاً: المراد من القصّة الواقعيّة والقصّة الخياليّة والأساطير
القصّة مأخوذة من مادّة قَصَصَ وهو التتبّع، فاقتصّ أثره بمعنى تتبّعه[4]، والقصّ هو البيان والإخبار[5]، والقصّة رواية لما هو واقعٌ [6].
ويراد منها هنا القصص القرآنيّة الّتي تذكر شطراً من حياة الأمم السّابقة والأنبياء^ وحواراتهم ومواقفهم.
والقصص الواقعيّة هي الثّابتة الّتي حصل مضمونها[7]، وتقابلها القصص الخياليّة، وهي الّتي تصوّر على هيئة الجارية والحاصلة وإن لم تجرِ، حالها من حيث التّشبّه والتلوّن كحال ما يشاهَد في المنامات[8].
نعم، قد يقال إنّ أصل القصّة هو حكاية لما هو واقعٌ واستعمالها في غير ذلك يكون من باب التّجوّز، بمعنى أنّه أخذ في مفهومها الوقوع، ويمكن استفادة ذلك من نفس معنى التّتبّع الّذي هو اقتفاء للأثر، أيّ الّذي حدث وجرى، ومنه جاء معنى القِصاص، يقول ابن فارس: “ومن ذلك اشتقاقُ القِصاص في الجِراح، وذلك أنَّه يُفعَل بهِ مثلُ فِعلِه بالأوّل، فكأنَّه اقتصَّ أثره. ومن الباب القِصَّة والقَصَص، كلُّ ذلك يُتَتبَّع فيذكر“[9].
ويقول الجوهريّ: “قد اقْتَصَصْتُ الحديثَ: رويتُه على وجهه“[10]، ولربما إلى هذا يشير العلّامة المصطفويّ: “والتّحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو رواية واقعة جارية مضبوطة بأيّ وسيلة كانت، قراءةً أو سماعاً، على ما طابق الواقع“[11].
وأما الأساطير فهي جمعٌ لأسطورة، وهي الحديث الباطل المفتعل، يقول الخليل: “ويقال: سطّر فلان علينا تسطيراً إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل. والواحد من الأساطير إسطارة وأسطورة، (وهي) أحاديث لا نظام لها بشيء. ويسطّر معناه يؤلّف ولا أصل له”[12].
ثانياً: خلاصة آراء الدكتور حول القصص القرآنيّة
ارتأى الدكتور -بحسب ذوقه- أنّ القصص القرآنيّة على ثلاثة ألوان، وهي[13]:
1. اللون التّاريخيّ: ويعني به المرتبط بالشّخصيّات التّاريخيّة، كالأنبياء والمرسلين^ نظير قوله تعالى حكاية عن قصّة لوط×: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾(هود: 77).
ويعتقد أنّ أصل القصّة في هذا اللون متحقّق تاريخيّاً، ولكن طبيعة العرض القرآنيّ لأحداثها لا ينظر إلى المجريات وتفاصيلها وتسلسلها المنطقيّ أساساً بقدر ما يرتكز وينصبّ على الأسلوب الفنّيّ والأدبيّ الرفيع في البيان الّذي يجتذب الأفئدة ويؤثّر على النّفوس، وكأنّ هذا هو المهمّ والهدف من القصص بنحوٍ عامّ وليس الصدق فيها من عدمه، يقول في هذا الإطار:
“يأخذ القرآن مواد القصص فيه (اللون التّاريخيّ) من أحداث التّاريخ ووقائعه لكنّه يعرضها عرضاً أدبيّاً ويسوقها سوقاً عاطفيّاً، يبيّن المعاني ويؤيّد الأغراض ويؤثّر بها التّأثير الّذي يجعل وقعها على الأنفس وقعاً استهوائيّاً خطابيّاً يستثير منها العاطفة والوجدان“[14].
“القصّة التّاريخيّة ليست عرضاً تاريخيّاً تطلب فيه المطابقة الواقعيّة المحقّقّة للصّدق العقليّ… وانتهينا إلى أنّ القصّة التّاريخيّة في القرآن قصّة أدبيّة يقصد منها غير ما يقصد من التّاريخ“[15].
ويرى أنّ القرآن يجيز لنفسه أن ينقل القصص التّاريخيّة بالخلفيّة المنطبعة عند النّاس المخاطبين حفاظاً على التّأثير في نفوسهم وانسجاماً مع التفنّن الأدبيّ: “على أنّا نستطيع أن نمعن في الدّلالة على أنّ القصّة التّاريخيّة في القرآن قصّة أدبيّة يعتمد فيها القرآن على تصوير الأحداث كما يعتقدها المخاطبون، وهو الأمر الذي أجازه بعض القدماء، بل رآه بعضهم أمراً لا بدّ من القول به ليسلم القرآن من المطاعن ويستقيم الأسلوب الأدبيّ في قصص القرآن الكريم“[16].
2. اللون التّمثيليّ: ويريد به ما يحتوي المثال والفرض والخيال، أي: “العمل الأدبيّ الذي يكون نتيجة تخيّل القاص لحوادث وقعت من بطلٍ لا وجود له، أو من بطلٍ له وجود ولكن الأحداث الّتي ألمّت به لم تقع أصلاً “[17].
وحينئذٍ: (لا يلزم أن تكون أحداثه من الحقائق، فقد يكتفى فيه بالفرضيّات والمتخيّلات) [18]، بل المتعيّن لديه أنّها من نسج الخيال: ( لن نجد من يعارض في وجود القصّة التّمثيليّة في القرآن الكريم وأنّها وليدة الخيال)[19].
ومن أمثلة هذا اللون الّتي ذكرها قصّة نبيّ الله عزير×: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ…﴾[20](البقرة: 259).
3. اللون الأسطوريّ: وقد عرّفه باللون الّذي يستعين به القرآن في تفسير غاية أو ظاهرة معيّنة بالأساطير المحكيّة لدى النّاس فيضمّنها الآيات كأداةٍ ووسيلة لتحقيق ذلك، وبهذا تصبح الأساطير أحد الموادّ الأدبيّة الّتي تتشكّل منها القصص في القرآن[21].
ثالثاً: الآثار المترتّبة على هذه الآراء
إنّ من أجلى وأوضح النّتائج الّتي تترشّح من الاعتقاد بهذه الأفكار هو ضمور التّفاعل الحيّ والصّادق بين القارئ وهذه القصص، بل مع جميع آيات القرآن بنحوٍ عامّ؛ لأنّ القرآن بالنّسبة إلى المسلم هو الدّستور والخطاب الإلهيّ المعصوم والمعجز الّذي لا يقاس بغيره، ويمثّل النّصّ المقدّس الّذي يجزم بحقّانيّته وصدقه ومطابقة آياته للواقع، وبسبب شدّة استيثاقه به وبالخالق الّذي أرسله يقبل أن يستقي منه الأحكام والحجج، ويستلهم منه ومن قصصه المواعظ والدّروس والعبر، ويقتدي بالشّخصيّات العظيمة المذكورة في ثناياه، أمّا لو تزلزل هذا الوثوق وتزعزع مستوى هذا الاعتقاد، فالنّتيجة الحتميّة لذلك هي ضعف التّصديق بالقرآن وبمرجعيّته في حياة وسلوك الإنسان وصلاحيّته في إدارة شؤونه، ومن الواضح أنّ مسايرة آراء الدكتور كفيلة في عدم التّفاعل الحقيقيّ والجدّيّ مع المجريات التّاريخيّة والقصصيّة في القرآن، وفي الإحساس بعدم قابليّتها للانطباق التّامّ على الواقع المعاش، وبعبارة صريحة: إذا أحسّ المسلم باضطرابٍ وريبةٍ تجاه القصص القرآنيّة الّتي تمثّل بعضاً من القرآن فسوف يرتاب ويفقد الثّقة في القرآن كلّه.
ثمّ إنّ هذه الأفكار تنسجم كثيراً مع النّظريّة الّتي يذهب إليها الفريق الواسع من المستشرقين وبعض المنفتحين بأنّ القرآن الكريم قد تأثّر بالثّقافة والبيئة الّتي ظهر فيها[22]، حتّى صار يستعمل أمثلة الجاهليّين العرب وآدابهم ورسومهم وأساليب قصصهم وحكايات أساطيرهم، ولا يخفى أنّ هذا الرّأي العليل أحد أبرز لوازمه هو القول ببشريّة القرآن وعدم إعجازه، وأنّه مؤطّر بالزّمن الّذي نزل فيه، ولم يعد صالحاً لهذا العصر، وهو لازمٌ خطيرٌ وهدّامٌ ولا يبقي للقرآن وزناً، ويدعو صراحاً إلى هجر التّعامل والتّعاطي الإيجابيّ معه.
رابعاً: – مستندات الدكتور حول آرائه ونقدها
أ. مستنده حول رأيه في اللون التّاريخيّ:
عمد الدكتور في هذا اللون على التّركيب بين مجموعة من الأفكار اعتبرها مستنداً ودليلاً على رأيه، وأوّلها: أنّ القرآن تخلّى عن ذكر الكثير من التّفصيلات التّاريخيّة مما يعني عدوله عن قصد النّقل التّاريخيّ، ففي قوله تعالى -مثلاً- حكاية عن قصّة قوم عاد: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾(القمر: 18-21) لم يذكر لنا القرآن شيئاً عن صفة عاد أو بيوتها أو ما دار بين قومها وبين نبيّ الله هود× [23].
وثانيها: أنّ سرد القصّة وطبيعة ما يذكر فيها لا يتوقّف أساساً على السّير التّاريخيّ، وإنّما يعتمد على مناسبتها للأغراض البلاغيّة المؤثّرة، فقضيّة أحداث الطّوفان مع نبيّ الله نوح× -مثلاً- رغم كونها مفصلاً مهمّاً في قصّته، وتعدّ زاخرة بالمواقف، لم يُشِر القرآن إليها إلّا بمقدار الآية والآيتين، ونحو ذلك ممّا يدخل في الغرض والمقصد المرجوّ بيانه من الآية.
يقول: “… المقاصد والأغراض هي الّتي تدفع إلى ذكر بعض الأحداث وحذف بعضها الآخر،… وإنّ هذا الاختيار إنّما يقوم على الاعتبارات البلاغيّة الأدبيّة الّتي نردّها إلى منطق العاطفة لا إلى منطق النّظر العقليّ“[24].
وثالثها: وجود الاختلاف أحياناً في ترتيب الأحداث في القصص من سورة إلى أخرى، وهو الّذي جعل المفسّرين يختلفون ويتحيّرون في كيفيّة التّوفيق بين مجرياتها والتّوحيد بينها[25].
ورابعها: تصوير القرآن للأحداث كما يعتقدها المخاطبون، وأنّ هذا الأمر لابدّ من الالتزام به “ليسلم القرآن من المطاعن ويستقيم الأسلوب الأدبيّ“[26].
وكشاهد على ذلك ذكر أنّ القرآن في قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾(الكهف: 22)، ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾(الكهف: 25) لم يقم بالتّنصيص على عدد أهل الكهف أو بيان المدّة الّتي لبثوا فيها لأنّ مرجع هذا التّحديد إلى قول السّائلين من القوم، وأمّا موقفه فهو الرّدّ بـ ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، وحينئذٍ يصبح بيان هذا المقدار تمشّياً لما هو منتشرٌ عند النّاس ولما يعتقده المخاطبون: “فالقوم يسألون النّبيّ عن العدد وعن المدّة وقد جعلوا آراء اليهود قياساً يقيسون به صدق النبي|، ولو نزل القرآن بغير هذه الآراء وبخلاف هذا المقياس لكذّبوا النّبيّ ولما آمنوا به أو بالقرآن“[27].
نقد وتقييم هذه المستندات:
يلاحظ على ما تقدّم الأمور التّالية:
1. القرآن الكريم هو كتاب هداية وإرشاد، وهذا هو هدفه الأساس الّذي جاء في نفس الآيات: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(النّحل: 64)، وبالتّالي فما يرد فيه من قصص وأخبار الماضين فالغاية منه بيان ما فيه العبرة والاعتبار والهداية، وليس ذكر ما جرى على الأمم السّابقة بالنّحو الموجود في كتب التّاريخ وأحوال الشّعوب، وحينئذٍ فمن الطّبيعيّ أن يختار من الأحداث ما يناسب هدفه وغرضه وإن أدّى ذلك إلى إغفال التّسلسل الزّمنيّ أو التّرتيب المنطقيّ لجريانها، ولا يدلّ هذا على عدم تحقّق الوقائع.
2. اختلاف المفسّرين في تسلسل أحداث بعض القصص ناتج من تفاوتهم في إدراك وفهم بعض النّكات والقرائن المعيْنة في اكتشاف الترتيب بينها، ولا يصلح أن يعدّ دليلاً على وجود التّهافت في القرآن، والأجدر أن يحمل ذلك على عجز المفسّرين لا على الكتاب العزيز.
3. تصوير القرآن للأحداث كما يعتقدها المخاطَبون لا كما هي في الواقع هي دعوى فاقدة للدّليل، ولا يملك أصحابها برهاناً شافياً بدرجة من الإحكام، وكلّ ما يذكرونه لا يعدو بعض الاحتمالات الذّوقيّة الخاصّة والتّأويلات البعيدة عن الارتكازات العرفيّة الواضحة في بعض الآيات، ومن المؤسف أن يؤسّس رأي مهمّ كهذا بهذه البساطة؛ ففي مثال عدد أصحاب الكهف أو مدّة لبثهم في الكهف صوّر لنا الدكتور أنّ القرآن كان مضطراً لذكر العدد، الّذي هو محكيٌّ عن اليهود ليسلم عن المطاعن ويستقيم أسلوبه الأدبيّ الّذي يراعي حال المخاطب ليؤثّر فيهم -أي لو ذكر غير هذا العدد لما استطاع القرآن أن يؤدّي دوره ويسلم من محاججة واعتراض اليهود- وهذا الاستظهار في غاية الرّكاكة، فمن أين عرفنا -مثلاً- أنّ قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾(الكهف: 25) هو حكاية عن اليهود وليس إخباراً من الله تعالى بمدّة اللبث؟! أوَليس اختيار الحكاية والخروج عن الإخبار -الّذي هو أصل- يحتاج إلى قرينة قويّة وساطعة؟! وهل القول بالحكاية والتأثّر باليهود هو أقوى من سياق الآية الذي يتحدّث عن عقيدة البعث وقدرة الله العجيبة وآياته الباهرة الّتي يناسبها التّنصيص على المدّة بجلاء؟!!
يقول العلّامة الطّبرسيّ& في تقريع وجه الحكاية: “وقد ضعّف هذا الوجه بأنّ أخبار الله لا ينبغي صرفها إلى الحكاية، إلّا بدليل قاطع، ولو كان الأمر على ما قاله، لم تكن مدّة لَبثهم مذكورة. ومن المعلوم أنّ الله سبحانه أراد بالآية الاستدلال على عجيب قدرته، وباهر آيته، وذلك لا يتمّ إلّا بعد معرفة مدّة لبثهم” [28] وبالتّالي يصبح مفاد الآية الّتي بعدها -﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ …﴾(الكهف:26)- إبطالاً لقول اليهود وأمثالهم عبر الأخذ بالمدّة الّتي صرّح بها الله سبحانه، فأين هذا المعنى المتّزن والقويم والمناسب للسّياق مع الدّعوى المذكورة؟!!
ثمّ إنّنا لو تنزّلنا وقلنا إنّ العدد هنا ذكر للحكاية، فكيف لنا أن نفسّر ذلك باستسلام القرآن لليهود، واضطراره لذكر عقيدتهم الخاطئة وترجيحها على ذكر الحقيقة؟ أهو ضعفٌ في القدرة الإلهيّة وهي الّتي لا يعوزها شيء و: ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾(الطّلاق، 3.)؟! أم هو أسلوبٌ وديدنٌ في الكِتاب وقد صدحت آياته: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ…﴾(المائدة: 48)؟!!
4. استعمال القرآن الكريم لقوّة الأدب والفنّ والبلاغة في إيصال مطلوبه وأغراضه أمرٌ لا ينكر، بل إنّ من أوائل معاني الإعجاز فيه هو الإعجاز البيانيّ، ولكن لا يكون بميزان العاطفة المجرّدة عن الحكمة والعقل؛ فاستعمال الخيال والتّصرّف في الأحداث التّاريخيّة والزّيادة فيها إذا اعتبرناه معزّزاً للأسلوب الأدبيّ المقنع والمؤثّر في تحقّق الغرض، كما يشير الدكتور فإنّه يقابله في الوقت ذاته ما ينقض الفائدة منه، ويبعّد عن إصابة غرضه من ناحيةٍ أخرى وهو عدم الصّدق والواقعيّة، وهذا خلاف الحكمة والهادفيّة الإلهيّة، الّتي هي من أبرز سمات وصفات المدبّر والمرسل للقرآن، ولا يتناسب مع قدرته على البلاغة.
ب. مستنده حول رأيه في اللون التّمثيليّ:
يقتنص من مجموع كلام الدكتور حول هذا اللون أنّه يرتكز على عدّة حيثيّات، وهي بإعادة صياغة وترتيب كالتّالي:
الأولى: أنّ التّمثيل يمتاز عن الكلام العاديّ المجرّد عنه أنّه يوضّح المعنى بصورة أجلى، إذ قد تذكر معنىً فلا يتّضح للسّامع، فتردفه بمثال وتشبيه فيرتفع الإبهام فيه ويصبح الأداء أرقى وأتمّ كمالاً، فإذا كان كذلك فالقرآن بحكم كونه تبياناً لكلّ شيء وكونه كاملاً فيجب أن تحتوي قصصه على التّمثيل، ويجدر بنا أن نتعامل مع قصصه بهذا النّحو[29].
الثّانية: بالرّغم من اتّفاق الكلّ على وجود الأثر النّفسيّ للتّمثيل، إلّا أنّ البعض لا يتعاطى مع القرآن والنّصوص الدّينيّة إلّا بمنطق الصّدق العقليّ وينكر أو ينسى ما عداه، ويعتبر القول بالتّمثيل والخيال حينئذٍ ضرباً من الكذب، وهذا الصّنف لم يكتشف الحقيقة الأدبيّة، ولم يوفّق لهضم أنّ استعمال التّشبيهات لا تعدّ في البلاغة كذباً وإن عدّت كذلك في المنطق[30].
الثّالثة: إذا عرفنا أنّ المتحدّث يسلك التّمثيل ويستعمله، فلنا أن نتعامل مع كلامه بالأسلوب الأدبيّ وبما يجول في نفوسنا وخيالاتنا من معنى جرّاء قراءتنا أو سماعنا لألفاظه؛ إذ هو قاصدٌ لذلك ونحن نعلم به، فنصبح جميعنا على تواطئٍ بالأمر، ولا يعدّ صنيعنا كذباً وخلافاً للواقع؛ لأنّه يطابق ما بنفوسنا ومشاعرنا من خيال[31].
الرّابعة: كما أنّ البيان العربيّ يقوم على الواقع كذلك يتّكئ على العرف والخيال والعاطفة والمبالغة: “فليس يلزم في الأحداث أن تكون قد وقعت، وليس يلزم في الأشخاص أن يكونوا قد وجدوا، وليس يلزم في الحوار أن يكون قد صدر، وإنّما قد يكتفى في كلّ ذلك أو في بعض ذلك بالفرض والخيال ومن هنا كانت القصّة التّمثيليّة عند المفسّرين قصّة بيانيّة، أيّ قصّة فنيّة“[32]. وهذا يعرف باقتفاء أقوالهم(المفسّرين) في التّفسير، والكثير ممّن اعتبر القصص التّمثيليّة من الآيات المتشابهة هو عاجزٌ عن فهم التّمثيل واستخراج المعانيّ منه[33].
ومن الشّواهد الّتي اقتبسها الدكتور من كلمات المفسّرين انتصاراً لرأيه:
أ. ما في قوله تعالى: ﴿وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(الزّمر: 67)
نقلاً عن الكشّاف:
“… ثمّ نبّههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التّخييل فقال: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتّوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز“[34].
ب. في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ …﴾(البقرة: 259) نقلاً عن تفسير المنار: “ويحتمل أن تكون القصّة من قبيل التّمثيل والله أعلم“[35].
ج. في قوله تعالى: ﴿وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ … فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾(المائدة: 27-30) نقلاً عن تفسير المنار -أيضاً-:
“والحقّ فيما قصّه علينا الوحي من قتل قابيل أنّه بيان لما في استعداد البشر، من التّنازع بين غرائز الفطرة بالتّعارض بين عاطفة وشيجة الرّحم وحبّ العلوّ والرّجحان والامتياز على الأقران في رغائب النّفس ومنافعها وما قد يلد من الحسد وما قد يتبع الحسد من البغي العدوان فضرب اللّه مثلاً لبيان هاتين الحقيقتين ليرتّب عليه بيان كون غريزة الدّين بل هدايته هي المهذّبة للفطرة البشريّة بترجيح الحقّ على الباطل والخير على الشّرّ فكان قابيل مثلاً لمن غلبت عليه النّزعة الثّانية وهابيل مثلاً لمن غلبت عليه الأولى بترجيح هداية الدّين …” [36].
د. في قوله تعالى: ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾(البقرة: 243) نقلاً عن تفسير ابن كثير: “وقال ابن جريج عن عطاء قال: هذا مثل“[37].
الخامسة: أنّ وجود الخيال في القرآن هو بسبب حاجة البشر إليه في محادثاتهم وتعابيرهم وأحاسيسهم، فلا يحتجّ بأنّه مستحيلٌ على الله تعالى لغنائه عنه[38].
وبمجموع هذه الحيثيّات يتوصّل الدكتور إلى أنّ القصّة التّمثيليّة موجودة في القرآن، وقد اعترف بوجودها أهل التّفسير.
التّعليق والملاحظة على هذه الحيثيّات والمستندات:
ويرد على هذه الحيثيّات -الخمس- النّقاط والمؤاخذات التّالية:
1. ليس الكلام الأكمل والأصوب هو المرتبط بالتّمثيل دائماً؛ فيمكن أن يوسم بالتّمام والكمال من ناحية جودة تأليفه وقوّة بيانه ووضوح مقصده من دون دخلٍ لوجود المثل فيه، بل قد يصبح اقترانه به أحياناً علامة وآية على ضعف تركيبه وركاكته، ولو كان الأداء الكامل لا يتمّ إلّا به لأصبح هو الأصل في محادثاتنا وتعابيرنا، ولكان كلّ تمثيل يحتاج في كماله إلى تمثيل أيضاً؛ لنفس النّكتة.
وبناء على ذلك لا يصحّ التّعامل مع القصص والإخبارات القرآنيّة على أنّها خيال بمجرّد ادّعاء أنّ تمام بيانها بالتّمثيل، وكأنّ المدّعي يريد بفكرته أن يقول: إنّ الأصل في حكاية المواقف والقصص في القرآن هو عدم وقوعها لعدم إرادة المتحدّث -وهو الله تعالى- الصّدق الوقوعيّ، وإنّما تتعلّق إرادته بالتّبيين الّذي لا يحصل إلّا بضرب الأمثال الخياليّة، إلّا إذا ثبت العكس بالقرينة، وهو قولٌ مجانب للصّواب ومخالف لما عليه العرف ونظام اللغة والاستعمال.
2. تخطئة الدكتور لمن وصفهم بالتّعاطي مع القصص القرآنيّة بمنطق الصّدق العقليّ فقط مع اعترافه باتّفاق الجميع على وجود الأثر والنّفع في استعمال المثال ليس في محلّها؛ لأنّ تعاطيهم هذا لا يعني رفضهم لتضمين بعض الآيات للأمثال، كيف وقد صرّح القرآن نفسه في بعض الآيات بـ: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الحشر: 21)، وإنّما كان موقفهم هذا مبنيّاً على عدم صحّة التّعامل مع القصص والإخبارات على أنّها تمثيل وخيال مع عدم وجود قرينة صارفة عن إرادة الوقوع الّذي هو الأصل، سواء كانت القرينة لفظيّة متضمّنة في نفس السّياق القرآنيّ أو قرينة لبّيّة، وهذا هو مقتضى ظهور أيّ إخبار وحكاية في العرف، والخروج عن هذه الطّريقة يعدّ خلافاً لقصد المتكلّم الحكيم الّذي لا يقصر في تبيين مراده، وبالتّالي إذا لم تصرّح الآيات بالتّمثيل أو يستشفّ من سياقها ولم ينهض دليل عقليّ صارف عن إرادة الجدّ والتّحقّق فلا يمكن رفع اليد عن الصّدق والوقوع في الأحداث.
3. كيف علمنا أنّ المتحدّث -وهو الله سبحانه- يسلك التّمثيل والأسلوب الأدبيّ في قصصه بحيث نتواطأ معه في مقصده ونتعاطى معها بنفس النّيّة؟!! وحتّى لو عرفنا أنّه يستعمل المثال في بعض المواضع -من باب الفرض- فمن أين لنا القطع بإرادته واستعماله التّمثيل في سائر المواضع؟!! والخلاصة: طالما أنّه سبحانه لم يفصح عن إرادة الخيال ولم يظهر ذلك من قرينة لا طريق لنا إلى القول بعدم واقعيّة القصص فكيف وقد صرّح في آيات الكتاب العزيز بأنّه أنزل القرآن -بما فيه من إخبارات وقصص- مصاحباً للحقّ والأمر الثّابت الّذي لا يخالطه الباطل: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾(آل عمران: 62)، ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾(البقرة: 252)، ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾(آل عمران: 3)؟!!
4. قوله بأنّ المفسّرين يتعاملون مع القصص التّمثيليّة على أنّها مقطع فنّيّ أشبه بالمصادرة؛ فأصل القصص التّمثيليّة لم يثبت بعد، وأنّ ديدن المفسّرين هو التّعامل مع قصص القرآن بالخيال مجافٍ للواقع؛ إذ الغالبيّة العظمى منهم يسلّمون بواقعيّتها، وإنّما النزر اليسير منهم توقّف عند بعض المواضع الّتي احتار في كيفيّة تفسيرها أو التّوفيق بينها وبين نظائرها أو قام بالاستيحاش منها واستبعادها فاحتمل التّمثيل أو لجأ إليه، وتصرّفهم هذا ناتجٌ من ضيق خناقهم وعجز قدرتهم عن الوصول إلى التّفسير القويم والمعقول، ولا يقلب النّتيجة على الأغلب ويصيّرها هي الصّواب، فمجرّد استيحاش بعض المفسّرين بشكل شخصيّ من مثل قصّة عزيرo أو قصّة طالوت وغيرها لا يعدّ دليلاً علميّاً صارفاً للمعنى الحقيقيّ طالما أنّه لا يصادم استحالة عقليّة أو يخالف أمراً قطعيّاً، خاصّة إذا نظرنا إلى سعة قدرة الله المطلقة وحكمته وتدبيره غير المحدود.
والخروج عن ظاهر الآيات وإرادة المعاني البعيدة منها لا يعدّ تفسيراً، ومنه يظهر الإيراد على ما ذكره الدكتور حول قصّة ابني نبيّ الله آدمo -من تفسير قابيل بنزعة الشّرّ الموجودة في البشر وتفسير هابيل بنزعة الخير والصّفاء- نقلاً عن تفسير المنار فهو تكلّفٌ واضحٌ ولا يعد تفسيراً للظّاهر.
ثمّ إنّ قسماً من الأمثلة الّتي ساقها خلف الله ليست من قبيل القصص، وإنّما هي ضربٌ من بيان بعض معاني التّوحيد والعقيدة والدّين وما شاكل ذلك، والّتي تكون القرينة في إرادة التّمثيل فيها بارزة وجليّة، وهي خارج نطاق موضوعنا أصلاً، كقوله تعالى: ﴿وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ …﴾(الزّمر: 67)، حيث استعملت الآية الشّريفة القبضة للكناية عن السّلطنة الإلهيّة على الموجودات، وأين هذا من القول بوجود الخيال في القصص القرآنيّة؟!!
5. حاجة النّاس إلى الخيال بالمعنى الّذي أشار إليه خلف الله لا تعدو استفادتهم للمعاني المجازيّة عند توجّههم للقرينة المكتنفة للكلام لتصرفه عن معناه الحقيقيّ، وهي لا تحصل مع فقدانها، وحينئذٍ: ليست الحاجة إلى الخيال عند النّاس هي السّبب في لجوء المتحدّث إلى استعمال التّمثيل، وإنّما نفس المتكلّم إذا أراد المثال يقرن كلامه بما يشعر بذلك فيفهم منه المستمعون أنّه يريد الخيال لا الواقع، وهذه نقطة جوهريّة فلا يقع اللبس فيها.
فيتّضح ممّا تقدّم أنّ جميع الحيثيّات الّتي ساقها خلف الله لإثبات فكرة التّمثيل في القصص القرآنيّة مردودة وليست تامّة.
ج. مستنده حول رأيه في اللون الأسطوريّ:
رغم اعترافه بإجماع المفسّرين على رفض وجود الأساطير في القرآن، وأنّه ينحى منحىً منفرداً وشاذّاً عن مسلكهم بدأ خلف الله تمهيده لرأيه بالتّفريق بين هيكل القصّة -ويسمّى جسم الحكاية أيضاً- وهدفها الّذي يحوي الحكمة والتّوجيه والإرشاد، وأنّ الأدباء وأهل الفنّ أجازوا أن تكون مادّة الهيكل باطلة وخرافيّة وغير صحيحة في نفسها، ولا يعتقد بها المتكلّم بينما هدف القصّة يكون مقصوداً منه بداعي الوعظ والتّوجيه وبيان المبادئ، ثمّ علّق -مستفيداً من نصّ للرّازي في تفسيره[39] وآخر لصاحب المنار[40]– قائلاً: “إذ الواضح أنّ الأستاذ الإمام يجيز أن يكون في التّعبير القرآنيّ قصصاً وغير قصص أثر للأساطير إجراء للعبارات على تلك الظّواهر الخرافيّة لأنّه يحكي من عقائدهم الحقّ والباطل، كما يجيز أن يكون القرآن قد أجرى أساليبه كما هو المعروف عند الأدباء فجعل الخرافات الوثنيّة أداة للتّعبيرات البلاغيّة“[41].
ثمّ قام بجمع كلّ الآيات الّتي ورد فيها ذكر (أساطير الأوّلين) في القرآن -وعددها تسع- وذكر أنّ بها أربع دلالات تقود إلى القول بنظريّته حول الأساطير، وهي بنحوٍ من التّلخيص[42]:
الدّلالة الأولى: أنّ جميع الآيات التّسع المتناولة لمفردة الأساطير هي من القرآن المكّيّ، حتّى الّتي تضمّنتها سورة الأنفال المدنيّة؛ إذ رجّح كون بعض آياتها مكيّة.
ويترتّب عليها تالٍ، وهو أنّ الحديث حول الأساطير كان من أهل مكّة وجمهرتهم من المشركين ولا ربط له بأهل المدينة.
الدّلالة الثّانية: أنّ القائلين بالأساطير أغلبهم من الّذين ينكرون البعث واليوم الآخر، وهو ظاهرٌ من مثل قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾(المؤمنون: 82-83.)وغيره.
الدّلالة الثّالثة: أنّ المشركين لمّا جادلوا النّبيواعترضوا عليه كانوا يؤمنون بوجود الأساطير في القرآن بعقيدة صلبة وصادقة لا يعتريها شكٌّ أو تردّد، وإلى درجة أنّهم كانوا يتحدّون: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(الأنفال: 31-32).
يقول خلف الله: “ونحن إذ نعتقد بصدق القرآن ودقّته في تصوير إحساساتهم لا بدّ لنا من التّسليم بأنّ هذه العقيدة كانت قويّة عندهم وتقوم على أساس يطمئنون إليه من حيث وسعهم معه أن يقرّروا بهذه القوّة وجود الأساطير في القرآن ذلك لأنّهم لا يستطيعون هذا القول إلّا إذا كان هناك ما يبرّر فعلاً هذا القول في تقديرهم ويجعلهم يؤكّدونه هذا التّأكيد“[43].
الدّلالة الرّابعة: أنّ القرآن لم يحرص أن ينفي عن نفسه وجود الأساطير فيه؛ فالآيات إمّا أنّها لم تعقّب على ذلك، أو اكتفت بالتّهديد على إنكار البعث أو الصّدّ عن اتّباع النّبيّ|، وإمّا أنّها ردّت وعقّبت ولكن من أجل نفي كون الأساطير من عند النّبييكتتبها ويملّيها وإثبات أنّها من عند الله تعالى.
والنّتيجة من مجموع هذه الدّلالات -بحسب زعمه- هي ثبوت نظريّته و: “إذا كان إحساس القوم بورود الأساطير في القرآن قويّاً عنيفاً وعقيدتهم في ذلك قويّة ثابتة. وإذا كان القرآن لا ينفي ورود الأساطير فيه وإنّما ينفي أن تكون هذه الأساطير هي الدّليل على أنّه من عند محمّد وليس من عند الله. إذا كان كلّ هذا ثابتاً فإنّا لا نتحرّج من القول بأنّ في القرآن أساطير لأنّا في ذلك لا نقول قولاً يعارض نصّاً من نصوص القرآن” [44].
مناقشة هذه الدلالات وأصل النظريّة:
ونبدأ بالفكرة الّتي مهّد بها الدكتور عرض نظريّته حول الأساطير في القرآن، وهي تجويز الأدباء استعمال المادّة القصصيّة الكاذبة والباطلة في بثّ الإرشادات والتّوجيهات والمبادئ إلى القارئ والمستمع، فنقول: أجازوا أم لم يجيزوا فلا تعدّ إجازتهم مبرّراً لسماح ذلك وإمكانه في القرآن، وليسوا هم من يقرّر طبيعة الأسلوب والنّهج القرآنيّ في بثّ الوعي والتّوجيه إلى النّاس، فلا يقاس القرآن المعجز الصّادر من القادر والحكيم والقهّار والمسيطر والمحيط بما لدى المقهور والمحاط من أسلوب لا يرقى بأكثر من مستواه وغرضه ومحدوديّته في أحسن التّقادير، وإنّما نفس الكتاب الشّريف هو يفصح عن ذلك، وآياته الكريمة قد نطقت وتحدّثت بأنّه حقٌّ كلُّه وقد أُنزل بالحقّ من لدن الحقّ تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾(الإسراء: 105)، فلم يداخله باطل أو يساوره فساد أو كذب، لا من جهة المادّة ولا من ناحية الغاية والهدف، وحتّى قصصه وأخباره -كقصص نبيّ الله موسى ونبيّ الله عيسى^- وسمت بالحقّ الّذي بإزائه واقعٌ وثبات: ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(القصص: 3)، ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾(آل عمران: 62)، وكأنّ لسانه يشير إلى رفض مبدأ أنّ الغاية -وإن كانت حقّة- تبرّر الوسيلة ولو عبر الاستعانة بالمادّة الكاذبة، وأنّه عمل الله تعالى الّذي لا تقصر قدرته عن إبلاغ الهدى والرّشاد بالصّدق والإخبار الواقعيّ، فكلُّ ما في الوجود هو خلقه ولا يخرج عن تدبيره وتقديره: ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾(الطّلاق: 3) فكيف يعوز ويفتقر إلى أسلوب وضيع كالاتكاء على الأساطير؟!!
وكلامنا السّابق الّذي نفيناه عن القرآن هو تضمينه المادّة الكاذبة في إخباراته وقصصه بهدف الاستفادة منها في بثّ الأحكام والتّوجيهات، أمّا إذا كان ذكره للأباطيل بداعي كشف غيّها وزيفها وبيان مواطن الخلل فيها فهو لا مانع منه ولا يتعارض مع الصّدق والواقع وهو خارج منظورنا.
أمّا ما يرتبط بالدّلالات الّتي ساقها فهي غير موصلة إلى مبتغاه، وقد شطّ بها بعيداً جدّاً وتصنّع في تأليفها بما لا يخدم عليه السّياق أو تعين عليه القرينة، وما بني على أساس فاسد فنتيجته مثله، وتفصيل ذلك:
ذكر الدكتور أربع دلالات، والدّلالتان الأُوْلتان منها جعلهما تدعيماً ومعبراً للتّاليتين اللتين هما العمدة ورأس الحربة في استدلاله، ولذا لا يهمّنا التوقّف كثيراً في الدّلالتين الأُولتين ولا توجد حزازة وغضاضة فعلاً من جهتهما -إذ القول بمكّيّة الآيات التّسع أو غالبيّتها وأنّها تتحدّث عن لسان أهل مكّة وجمهرتهم من المشركين هو ممّا لا يخفى، وكون أكثر القائلين بالأساطير هم من الّذين ينكرون البعث والمعاد ممّا لا ينكر أيضاً ولا ضير فيه بحسب ما سنذكره من معنى لا الّذي اختاره القائل بالأساطير- وإنّما نقصر المناقشة على الدّلالتين الثّالثة والرّابعة.
أمّا الدّلالة الثّالثة الّتي يذكرها -والّتي حاصلها أنّ المشركين صادقون في اعتقادهم بوجود الأساطير في القرآن- فيردّ عليها:
أوّلاً: من أين عرف الدكتور أنّ المشركين لديهم ما يبرّر لهم قولهم وأنّ ما يذكرونه يعتقدون بصوابيّته بصدقٍ وصلابة؟!! وهل الآيات التّسع في مقام بيان صدق أحاسيسهم كما يدّعي أم أنّها في مقام التّوبيخ والذّمّ لهم على لجاجهم وعنادهم وتكذيبهم للقرآن والنّبي|؟!!
لو نقوم بمسحٍ سريع لمجموع هذه الآيات لاتّضح إلينا بجلاء هشاشة الدّعوى الّتي حاول الدكتور التّمسّك بها بدون موضوعيّة واستقامة في فهم سياق الآيات، ففي موضع الشّاهد من سورة المطفّفين ذكرت الآية التّالي: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(المطفّفين: 10-14)، أي أنّ هناك صفاتاً ثلاثاً لمن يكذّب بالمعاد ويوم الدّين، وهي أنّه معتدٍّ وأنّه أثيم وأنّه يصف القرآن بالأساطير المكذوبة للأوّلين، وأنّ الله تعالى قد طبع على قلبه لتكذيبه، فأين الدلالة على مبرّرات وصدق كلام المشركين الّتي يذكرها المستدلّ في الوقت الّتي يصفهم القرآن بالمكذّبين والمعتدين المتجاوزين؟!! إنّه لغريبٌ حقّاً.
وفي موضع الشّاهد من سورة المؤمنون يقول تعالى: ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾(المؤمنون: 82-85)، ومضمونه أنّ الكافرين والمكذّبين بالآخرة وفي سياق استهزائهم واستبعادهم للبعث يقولون إنّ مسألة المعاد والقيامة هي ممّا وُعِدْنا بها نحن وآباؤنا من قِبَل الأنبياء السّابقين^ وإلى الآن لم تتحقّق، فلو كانت حقّاً لوقعت فهي إذاً من الأحاديث الكاذبة والخرافيّة، ثمّ تردّ عليهم الآية بإثبات المعاد عبر بيان مالكيّة الله تعالى ومملكته، وهذا المورد هو الآخر يثبت أنّ لجوء الكفّار إلى وصف القرآن بالخرافات ناتج من استبعادهم وتسفيههم لليوم الآخر وليس بسبب اعتقادهم وجود مادّة الأساطير فيه. ونفس هذا التّقريب والمضمون يجري في موضع الشّاهد من سورة النّمل[45] وسورة الأحقاف[46].
وأمّا في سورة الفرقان فيقول تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾(الفرقان: 4-6)، وتقريبها: أنّ الّذين كفروا لمّا عرض عليهم الرّسولالقرآن قاموا باتّهامه ظلماً وكذباً بأنّه وبالاستعانة ببعض الآخرين افتراه ثمّ اختلق نسبته إلى الله، أو أنّه كانت تملى عليه أكاذيب وخرافات السّابقين بشكلٍ يوميّ ومتتابع فيحفظها ويلقيها على أنّها من الله، ثمّ تأمر الآية النّبيّ بالرّدّ عليهم بأنّ ما تدّعونه واهٍ ومرفوض؛ إذ إنّه مُنزلٌ من قِبَل الّذي يعلم الخفايا والأسرار وليس بحسب ما تزرون من كونه أساطير وإملاءات من الغير. وهذا الموضع أيضاً لا دلالة فيه على كون الكافرين صادقين في أحاسيسهم، خاصّة مع تقريع الآيات لهم وأمرها للنّبي| بالرّدّ عليهم.
وبنفس هذا البيان والكلام بنحوٍ قريب ينطبق على الشّاهد في سورة النّحل[47] وسورة القلم[48] وسورة الأنعام[49].
والشّاهد التّاسع والأخير هو قول الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(الأنفال: 30-32)، ولسانها لا يختلف عن سابقاتها من الآيات من حيث التّعرّض إلى صورة العناد والتّكذيب من قبل المشركين لنزول القرآن من الله تعالى الّذي مصيره إلى تكذيب النّبيّأيضاً، فبعد ذكر ما يخطّط له المشركون من مكرٍ إلى شخص الرّسوليردف عليه بيان كيفيّة استهزائهم واستهانتهم بمقام الكتاب الشّريف؛ حيث يدّعون أنّهم عقلوا ما به من آيات فوجدوها هشّة ولا قيمة لها، ولا تعدو كونها تأليفاً من أساطير وأباطيل السّابقين والّتي بوسعهم الإتيان بمثيلاتها، والعجيب أنّهم يعلمون بعجزهم عن الإتيان بمثله -إذ لو استطاعوا لعارضوه وتحدّوه به- ومع ذلك يتصنّعون القول بالقدرة، وهذا دليلٌ على عدم اعتقادهم بوجود الأساطير في القرآن بنحو الصّدق والإصرار الشّديد كما يدّعي خلف الله؛ بل إنّ لهم مآرب وأغراضاً أخر، ولو من باب التّمويه على أتباعهم وحفظ مركزهم.
وأمّا ذيل المقطع -والّذي تمسّك به الدكتور لإثبات وجود التّحدّي من المشركين الدّالّ على صدق دعواهم للأساطير- فهو لا يخدم رؤيته أيضاً بحالٍ؛ وذلك لأنّه إمّا أن يكون مواصلة لغرض الكافرين في تمويه الحقائق على النّاس وخداعهم باختلاق التّحدّي بنزول العذاب فيصبح تتميماً للمقطع المتقدّم، وإمّا أن يكون له شأنٌ آخرٌ يختلف مع سابقه شكلاً ويتّحد معه روحاً؛ وتوضيحه بحسب نظر صاحب الميزان: أنّ قوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ به ظهور في الحصر فيلائم قول من كان يعتقد بالدّين ورسالة السّماء إلّا أنّه أنكر ما أتى به النّبيّأو شطراً معيّناً منه -كما لو لم يحتمله أو ثقل عليه تصديقه والالتزام به- فترجم إنكاره وردّته بمخاطبة الله بهذا الأسلوب[50].
والخلاصة ممّا تقدّم: أنّ جميع الآيات التّسع الّتي تناولت لفظة الأساطير على لسان المشركين لا تلوح منها قرينة أو إشارة إلى كونهم يعتقدون بصدق بوجودها في القرآن.
ثانياً: يفهم من دعوى الدكتور أنّ اعتقاد المشركين الجازم والصّادق بوجود مادّة الأساطير في القرآن يختصّ بالقصص والإنباءات، بينما يظهر من الآيات الشّريفة السّابقة أنّ المكذّبين والكافرين كانوا يصفون كلّ القرآن بأنّه أساطير الأوّلين، فيلزم من كلامه ودعواه كون كلّ القرآن -أو على الأقلّ غالبه- متشكّل من الأساطير، والتّالي باطلٌ بالضّرورة -باعترافه هو أيضاً- فالمقدّم مثله.
ثالثاً: لو تنزّلنا وقلنا إنّ المشركين كانوا في قمّة جزمهم بصوابيّة مقولتهم وإنّ القرآن حكى ذلك عن واقعهم مع ذلك لا نسلّم بفكرة الدكتور ؛ إذ إنّ عملهم في حدّ ذاته لا اعتبار له ولا يصيّر المادّة الباطلة موجودةً فعلاً في ثنايا الآيات.
وأمّا بالنّسبة للدّلالة الرّابعة المدّعاة والّتي حاصلها أنّ القرآن لم ينفِ عن نفسه تهمة وجود الأساطير فهي من العجائب والغرائب، إذ كلّ الأوصاف الّتي أنزلتها الآيات التّسع على القائلين بالأساطير كالكاذبين الّذين مصيرهم جهنّم والّذين قد ران على قلوبهم وقد أقاموا على الإثم والاعتداء والتّجاوز ونكران الآخرة -كما في آيات سورة المطفّفين[51]– يكفي واحد منها للدّلالة على النّفي فكيف باجتماعها وانضمامها معاً؟!! وهل نتصوّر أنّ الله الحكيم في الحال الّذي يأمر فيه رسوله-في آيات سورة الفرقان المتقدّمة[52]– بردّ كلام المفترين الّذين اتّهموا القرآن بالأساطير والإفك يبرز بنفس الوقت وعبر ذات الآيات أنّه لا ينفي وجود الأساطير بل يؤكّد عليها؟!! هذا ما لا يقبل الجمع.
وبذلك يتّضح سقم الدّلالة الرّابعة أيضاً، ويتحصّل من ردّها وردّ الدّلالة الثّالثة عدم صحّة نظريّة الأساطير الّتي نادى بها الدكتور وبطلانها بالكامل.
خامساً: – الأدلّة على واقعيّة القصص القرآنيّة
رغم أنّ نفس المناقشات لآراء الدكتور وآثارها تتضمّن ذكر عدّة من الأدلّة على صدق وقوع القصص القرآنيّة إلّا أنّ جمعها في موضعٍ واحد لا يخلو من بركات وفائدة أيضاً، وهي بشكلٍ عامٍّ:
الدّليل الأوّل: – الغاية والهدف القرآنيّ السّامي
لا شكّ أنّ من أعظم أهداف القرآن هو هداية النّاس وإرشادهم وإيصالهم إلى الكمال المنشود، وأنّ أسلوب القصص فيه يعدّ من أبلغ الطّرق وأسرعها في إيصال العبرة والعظة والاعتبار بالسّنن والتّجارب: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف: 176)، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ … وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(يوسف: 111)، فلو كانت قصصه خياليّة ولا حظّ لها من الواقع لكان ذلك أبعد من ناحية الاقتداء والاستيثاق والتّفاعل.
الدّليل الثّاني:- دور القرآن في الهيمنة على الكتب السّماويّة السّابقة وتصحيحها
يقول تعالى شأنه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾(المائدة: 48).
من خصائص القرآن المجيد أنّه معيارٌ وميزان لمعرفة الحقّ والباطل الّذين امتزجا واختلطا في الكتب السّماويّة السّابقة المحرّفة والّتي منها قصص الأنبياءq والأمم السّالفة، فلو لم نقبل الصّدق والواقعيّة في إخباراته وحكاياته لما كان مسيطراً على الكتب المحرّفة ومصحّحاً لأخطائها.
الدّليل الثّالث:- دور القرآن في تفصيل وشرح الكتب السّماويّة السّابقة
يقول تعالى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(يونس: 37).
والآية فيها دلالة على أنّ القرآن الكريم يمتاز بكونه تفصيلاً لما أجمل في الكتب السّماويّة السّابقة عليه، فكلّها من حيث الرّوح واحدة، ولكنّ القرآن متفوّق عليها بسمة الشّرح والتّفصيل حتّى في قصصها ومواعظها، فما كان هذا شأنه كيف يحتوي الخيال والأساطير؟
الدّليل الرّابع: – وصف القرآن لقصصه بالحقّ
يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾(آل عمران: 62)، ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(القصص: 3)، ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾(يوسف: 3). والحقّ يعني المطابق الّذي بإزائه واقع، والّذي لا يجامع الباطل والخيال أبداً: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾(يونس: 32).
وهذا النّعت لا يختصّ بالقصص بل يشمل القرآن برمّته: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾(البقرة: 252)، ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾(الإسراء: 105).
الدّليل الخامس:- استبطان الوقوع والتّحقّق في نفس مفهوم القصّ
ربّما يذهب البعض إلى عدّ نفس مفهوم القصّة لوحده كافياً في استفادة وقوع المحكيّ بتقريب: أنّ أصل القصّة هو حكاية لما هو واقعٌ؛ لأنّها تتبّع واقتفاء للأثر الّذي حدث وجرى كما ذكرنا في أوّل البحث، وحينئذٍ يكون استعمالها في غير معنى الوقوع من باب التجوّز ويحتاج إلى نصب القرينة، وطالما أنّ القرآن استعملها مطلقةً بدون إضافةٍ إلى شيء أو تضميم علامة فتدلّ على معناها الأصليّ.
الدّليل السّادس: – القرآن لا يناسبه إلّا الصّدق من جميع الجهات
عندما نلاحظ سعة قدرة الله تعالى وسيطرته على مملكته وشؤونه وإحكامه الإحاطة لكلّ أموره: ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾(الطّلاق: 3)، ومن جهة أخرى نلحظ موقعيّة القرآن وكونه الرّسالة الخالدة الّتي أنزلت بالحقّ وحُرِص على صيانتها وحمايتها من كلّ أسباب الضّعف والتّحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(الحجر: 9)، وأنّه منيعٌ عزيزٌ: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(فصّلت: 41-42)، نصل إلى اطمئنان أنّه لا يلائمه إلّا الصّدق والوقوع والتّحقّق، ولا يليق بعظمته أن يحوي مثل الخيالات ومادّة الأباطيل.
الخاتمة
في النّهاية، وبعد عرضٍ مفصّلٍ لآراء محمّد أحمد خلف الله حول القصص القرآنيّة والخيال والأساطير ومناقشة كلّ مستنداتها وبيان آثارها، وبعد دراسة مجموعة وافرة من الآيات الكريمة حول المسألة نستخلص النّتائج التّالية:
أ. قسّم الدكتور القصص القرآنيّة إلى ثلاثة ألوان، هي اللون التّاريخيّ الّذي قد يكون واقعيّاً ولكن ليس بالضّرورة، واللون التّمثيليّ الّذي هو نسجٌ من الخيال، واللون الأسطوريّ الّذي يستعين بالخرافات الموجودة لدى النّاس.
ب. من أبرز الآثار المترتّبة على آراء الدكتور حول الألوان الثّلاثة هو ضمور التّفاعل الصّادق والحيّ بين القارئ وهذه القصص، بل مع جميع آيات القرآن بنحوٍ عامّ.
ج. تصوير القرآن للأحداث كما يعتقدها المخاطبون لا كما هي في الواقع هي دعوى فاقدة للدّليل، ولا يملك أصحابها برهاناً شافياً بدرجة من الإحكام.
د. الآيات الكريمة قد وصفت القرآن -بما فيه القصص- بأنّه حقٌّ كلُّه ولا يخالطه باطل وقد أُنزل بالحقّ من لدن الحقّ تعالى، ولسانها يشير إلى رفض مبدأ أنّ الغاية -وإن كانت حقّة- تبرّر الوسيلة ولو عبر الاستعانة بالمادّة الكاذبة والأساطير.
ه. جميع الآيات التّسع الّتي تناولت فرية الأساطير في القرآن من قبل المشركين جاءت في سياق الاستنكار والرّفض لها، ولقائليها ووسمتهم بالكذب والافتراء والتّجاوز.
و. كلّ آراء الدكتور مردودة ولا تتوفّر على شرائط القبول، وبمقابلها توجد أدلّة متنوّعة عقليّة وتعبّديّة على كون جميع القصص القرآنيّة صادقة وواقعة.
وبهذا نكون قد استوفينا الكلام حول الموضوع، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين المنتجبين.
الهوامش والمصادر
- [1] د. محمّد أحمد خلف الله (1904-1983)، أديب مصريّ وعالم باللغة العربيّة، تخرّج في مدرسة دار العلوم العليا 1928، ثمّ درس الفلسفة وعلم النّفس بجامعة لندن وعاد إلى مصر ليشتغل بالتّعليم، وتدرّج في المناصب الجامعيّة حتّى صار رئيساً لقسم اللغة العربيّة بكلّيّة الآداب بجامعة الإسكندريّة 1947 فعميداً للكلّيّة1951 ثمّ وكيلاً لجامعة عين شمس1916 . وبعد بلوغه سنّ التّقاعد عيّن مديراً لمعهد البحوث والدّراسات العربيّة التّابع لجامعة الدول العربيّة… [راجع: موقع الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا)
- [2] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص207.
- [3] يوجد قاسم مشترك بين بعض أفكار الدكتور وبين أفكار المستشرقين، منها تأثر القرآن بما لدى العرب وذكره للأساطير، وأنّ العبرة في القصص في مضمونها لا في سردها ووقوعها، وغير ذلك ممّا يمكن ملاحظته أكثر في تضاعيف البحث. انظر: قضايا قرآنيّة في الموسوعة البريطانيّة، لـفضل حسن عبّاس، ص59؛ آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، عمر بن إبراهيم رضوان، ج2، ص602.
- [4] الصّحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، الجوهريّ، ج3، ص: 1051؛ معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج5، ص11.
- [5] مجمع البحرين، الشّيخ الطّريحيّ، ج4، ص179.
- [6] التّحقيق في كلمات القرآن الكريم، السّيّد المصطفويّ، ج9، ص275.
- [7] مفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الأصفهانيّ، ص880.
- [8] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج2، ص235؛ مفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الأصفهانيّ، ص304.
- [9] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج5، ص11.
- [10] الصّحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، الجوهريّ، ج3، ص: 1051.
- [11] التّحقيق في كلمات القرآن الكريم، السّيّد المصطفويّ، ج9، ص275.
- [12] كتاب العين، الخليل الفراهيديّ، ج7، ص210.
- [13] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص152.
- [14] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص156.
- [15] المصدر السّابق، ص163.
- [16] المصدر نفسه، ص172.
- [17] المصدر نفسه، ص198.
- [18] المصدر نفسه، ص153.
- [19] المصدر نفسه، ص 198.
- [20] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص192.
- [21] المصدر السّابق، ص153.
- [22] انظر مثلاً: قرآن وفرﻫﻨﮓ زمانه، السّيّد محمّد علي أيازيّ، ص105.
- [23] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص154-155.
- [24] المصدر السّابق، ص155.
- [25] المصدر نفسه، 158.
- [26] المصدر السّابق، ص172.
- [27] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص174.
- [28] مجمع البيان في تفسير القرآن، الشّيخ الطّبرسيّ، ج6، ص334.
- [29] الفنّ القصصي في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص186.
- [30] المصدر نفسه، ص186-187.
- [31] المصدر نفسه، ص187.
- [32] المصدر نفسه، ص183.
- [33] المصدر نفسه، ص183.
- [34] الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل، الزّمخشريّ، ج4، ص142.
- [35] تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، السّيّد محمّد رشيد رضا، ج3، ص44.
- [36] تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، السّيّد محمّد رشيد رضا، ج10، ص205.
- [37] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج1، ص502.
- [38] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص188.
- [39] التّفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، الفخر الرّازيّ، ج17، ص255.
- [40] تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، السّيّد محمد رشيد رضا، ج1، ص330.
- [41] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص200.
- [42] لاحظ: المصدر نفسه، ص202 – 208.
- [43] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص204.
- [44] الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، محمّد أحمد خلف الله، ص206-207.
- [45] سورة النّمل: 68.
- [46] سورة الأحقاف: 17.
- [47] سورة النّحل: 24.
- [48] سورة القلم: 15.
- [49] سورة الأنعام: 25.
- [50] الميزان في تفسير القرآن، السّيّد الطّباطبائيّ، ج9، ص 68 (بتصرّف).
- [51] سورة المطفّفين: 10-14.[52] سورة الفرقان: 4-6.