الإعجاز القرآني فوق الزمان والمكان – المحكم والمتشابه نموذجاً
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
المقدّمة تتقادم السنون والعصور وتتعاقب الأمم والأمصار ولا زال القرآن الكريم صادحاً بإعجازه العظيم في كلّ الأرجاء، فهو الدستور الخالد للدين الذي أريدَ له أن يكون خاتماً للأديان وشاملاً لكلّ أبناء العالم إلى قيام الساعة، وما كان كذلك فلا يقتصر إعجازه على حقبةٍ من الزمن دون أخرى، ولا يختص بحضارة على حساب ثانية، بل هو فوق الزمان والمكان، وصالح إلى جميع الأجيال، وهذه الحقيقة المهمّة يمكن عرضها بأكثر من أسلوب وبيان، وبعدّة طرقٍ وأنماط، خاصة مع القول بعدم اختصاص القرآن الكريم بصبغةٍ معيّنةٍ من الإعجاز ولونٍ فاردٍ من التحدّي، فيصبح كلّ نوع منه آية واضحة ودليلاً ساطعاً على ديمومته وتعدّيه للحقبة التي بزغ فيها، وحيث إنّ موضوع المحكم والمتشابه يُعدّ واحداً من المباحث الرئيسيّة في علوم القرآن ويحتل أهميّة بالغة في التفسير وفهم مرادات ومعاني الآيات؛ كان من المناسب دراسته من زاوية لم يتطرّق لها الأعلام كثيراً عند تناولهم لمسائله في كتبهم، وهي علاقته بأصل وديمومة الإعجاز القرآني من دون تأطيرٍ بزمان أو مكان، وهذا ما سيتم تناوله بنوع من الإيجاز في هذا البحث -إن شاء الله تعالى-، وسنفتتحه ببعض المطالب التمهيدية.
المبحث الأوّل: مطالب تمهيدية المطلب الأول: معنى الإعجاز لغة واصطلاحاً ورد الإعْجَاز في اللغة بمعنى الإتيان بشيء يضعف الخصم عنه ويقصر دونه[1]، فالعَجْز من الضعف[2]، ويقال: أعجزَني فلانٌ، إذا عَجِزْت عن طلبه وإدراكه[3].
وأمّا في الاصطلاح فقد تعدّدت تعاريفه تبعاً لاختلاف المباني فيه وفي حدوده، فذهب المشهور إلى أنّه أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة[4]، وهناك من أضاف إليه قيد الصدق والتطابق في الدعوى[5] تمييزاً له عن الدعوات الكاذبة، كما أنّ البعض اقتصره على منصب النبوّة فقط تمييزاً له عن الكرامة التي هي أوسع[6]، والبعض الآخر وسّع من دائرته ليشمل كلّ المناصب الإلهيّة[7]، وفي الوقت الذي اعتبره فريق أنّه من فعل الله تعالى وإعمالٌ مباشرٌ لقدرته اعتبره فريقٌ آخرٌ أنّه فعلٌ لصاحب الدعوى بإقدار من الله[8]، في حين أنّ هناك من فسّره بتصرّف ما وراء وخارج العالم والطبيعة بالعالم المادّي والطبيعة[9]، إلى غير ذلك من المباني والأقوال، ولعلّ مِن أجمع وأوضح التعاريف ما ساقه صاحب كتاب مدخل التفسير بقوله: “المعجزة بحسب الاصطلاح هو ما يأتي به المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية؛ من الأمور الخارقة للعادة النوعيّة، والنواميس الطبيعية، والخارجة عن حدود القدرة البشريّة، والقواعد والقوانين العلميّة وإن كانت دقيقة نظريّة، والرياضات العلميّة وإن كانت نتيجة مؤثرة، بشرط أن يكون سالماً عن المعارضة عقيب التحدّي به”[10].
وهو يتوفّر على عدّة عناصر وحدود لابد منها في المعاجز، من قبيل:
١- اقتران الإعجاز بدعوى لأحد المناصب والمقامات الإلهيّة كالنبوّة أو الإمامة، بحيث تكون المعجزة آيةً ودليلاً على صدقها وحقّانيّة صاحبها، وبعبارة أخرى: يكون ادّعاء المنصب الإلهي داعياً إلى تحقّق المعجزة لغرض إثباتها لصدقه وعدم زيفه.
٢- أنْ يكون خارقاً لما اعتاد الناس في قضاياهم المألوفة والطبيعيّة التي يرجعون فيها إلى أسبابها المأنوسة والمتعارفة -وإنْ كانت تختصّ أحياناً بفئة من الناس أو تحتاج إلى دقّة أو تعليم وتعلّم أو ممارسة رياضة من الرياضات-، لأنّ حصول بعض الأمور الغريبة والمذهلة إذا كان بالإمكان التعرّف على سببه والتوسل إليه عبر التمرّن والتعلّم للكلّ والجميع -بما في ذلك أهل النصب والاحتيال- لا يعدّ إعجازاً يسوّغ إثبات منصبٍ يدّعى فيه الصلة مع الله وينتظر من الناس التسليم به والانقياد إلى تعاليمه وأحكامه، وعليه لابدّ من أن يكون هذا الخرق بيّناً وواضحاً جداً حتى يتمّ الغرض، نعم، قولنا بخرق العادة الطبيعيّة لا يعني انخرام أصل قانون السببيّة أو القضايا العقليّة القطعية كقانون التناقض، وإنما المخروم هو النظام المألوف الذي هو متناسب مع طاقة البشر وحدودهم.
٣- أن يكون مقروناً بالتحدّي بعدم إمكان إيقافه وإبطاله وعدم المقدرة على الإتيان بمثله، وهذا أبلغ في التعجيز، ولا يلغي هذا الشرط وجود من يهتدي ويصدّق بالدعوى من دون تكذيب حتى يقال بعدم الحاجة إليه إلاّ مع الجحد والإنكار؛ لأنّ الغاية من التحدي هو تحسيس الجميع بالضعف والقصور والخضوع أمام المعجزة، وسدّ كل ألوان الريب والتشكيك والإشكالات التي ربما تنشأ وتتولّد، وطالما أنّ الأثر المترتّب على المعجزة كبيرٌ وخطير لا غرو أن يقترن معه من التهييب والمبالغة في التحدّي ما يناسبه.
٤- أن يكون سالماً من المعارضة بالمثل؛ وإلا لبطلت غايته ولمـَا كان دليلاً على صدق دعوى المنصب المقترن به، ومن المستحيل على الله الهادف الحكيم أن يمهّد للدلالة على صدق دعوىً يريدها ويختارها وبنفس الوقت يمهّد -بإقداره من يعارضها- لإبطالها وتعريتها من الحجيّة.
٥- أن يكون متطابقاً مع قول المدّعي حتى يصحّ أن يعدّ آيةً ودليلاً على صدق دعواه، وأمّا إذا كان مخالفاً مع قوله -كما ينقل عن مسيلمة الكذّاب حينما تمضمض في دلوٍ ليفرغ في بعض الآبار التي قلّ ماؤها بهدف امتلائها وزيادة خيرها فغارت ونضبت بالكامل وخوت النخل[11]- فهو دلالة على كذبه وافترائه، وحينئذٍ يخرج عن معنى الإعجاز المصطلح.
المطلب الثاني: المراد من الإعجاز القرآني بعد التطرّق للمعنى الاصطلاحي للإعجاز يصبح توضيح أيّ معجزة رهناً لإبراز الحدود الخمسة السابقة فيها، وهذا ما نحتاج بيانه هنا في المراد من الإعجاز القرآني، فالقرآن معجزة لأنّه: أوّلاً: اقترنت معه دعوى لمنصبٍ إلهيٍّ، وجاء ونزل للدلالة على حقّانيّة وصدق هذا المقام وهو نبوّة الرسول الأكرم محمد|، فالعنصر الأوّل من الحدود موجود.
ثانياً: خَرَقَ الطبيعة والمألوف عليه عند الناس بنحوٍ ظاهرٍ وجليٍّ في جوانب متعدّدة؛ حتى لا يقتصر هضم ذلك على فئة دون أخرى، أو قِطْر دون آخر، ففي البلاغة والجزالة والبيان فاق جميع حدود الممكن إتيانه من الأدباء والبلغاء الفحول وأصحاب الصنعة من العرب من دون أن يتأثّر بموروثاتهم وأساليبهم المتعارفة أو يضطر إلى استعمال الكذب كما هو ذائع عندهم (إنّ الشعر أعذبه أكذبه)، وجاء بحضارة وموسوعة معرفيّة متعادلة حيّرت الألباب في شتى الحقول -من تشريع وسياسة واجتماع وتربية وأخلاق وعلم واقتصاد وغيرها- من المحال أن تكون وليدة مجتمعٍ جاهليّ متخلّف، بل حتى غير متخلّف، كلّ هذا من دون أن يتغيّر نسقه أو أسلوبه بالرغم من تبدّل الحالات والأزمان التي رافقت نزوله ومن غير أن يحصل فيه تهافت أو اختلاف، وأتى بذكر المغيّبات المستقبليّة ولم يسجّل عليه أنّه تخلّف في موردٍ عن الصدق، ولم ينته مسلسل خرقه للعادة عند حدٍّ معيّنٍ بل لا زال العلماء يكتشفون فيه -بين فينة وأخرى- باباً جديداً من الإعجاز ولمّا يصلوا بعد إلى مداه وغايته، وقد أجاد العلامة الطباطبائي+ وصف هذه الحقيقة بقوله: “فلكل إنسان أن يتأمل ما يعرفه من الفضيلة في نفسه أو في غيره من أهله ثم يقيس ما أدركه منها إلى ما يشتمل عليه القرآن فيقضي بالحق والنصفة، فهل يتأتى القوة البشرية أن يختلق معارف إلهية مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن وتماثله في الحقيقة؟ وهل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنية على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء والفضيلة؟ وهل يمكنها أن تشرع أحكاماً تامة فقهية تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد وكلمة التقوى في كل حكم ونتيجته، وسريان الطهارة في أصله وفرعه؟ وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والإتقان الغريب من رجل أمي لم يتربّ إلاّ في حجر قوم حظهم من الإنسانية على مزاياها التي لا تحصى وكمالاتها التي لا تغيا أن يرتزقوا بالغارات والغزوات ونهب الأموال وأن يئدوا البنات ويقتلوا الأولاد خشية إملاق ويفتخروا بالآباء وينكحوا الأمهات ويتباهوا بالفجور ويذموا العلم ويتظاهروا بالجهل وهم على أنفتهم وحميتهم الكاذبة أذلاّء لكل مستذل وخطفة لكل خاطف فيوماً لليمن ويوماً للحبشة ويوماً للروم ويوماً للفرس؟ فهذا حال عرب الحجاز في الجاهلية.
وهل يجتري عاقل على أن يأتي بكتاب يدّعيه هدى للعالمين ثم يودْعه أخباراً في الغيب مما مضى ويستقبل وفيمن خلت من الأمم وفيمن سيقدم منهم لا بالواحد والاثنين في أبواب مختلفة من القصص والملاحم والمغيبات المستقبلة ثم لا يتخلف شيء منها عن صراط الصدق؟ وهل يتمكن إنسان وهو أحد أجزاء نشأة الطبيعة المادية والدار دار التحول والتكامل أن يداخل في كل شأن من شئون العالم الإنساني ويلقي إلى الدنيا معارف وعلوماً وقوانين وحكماً ومواعظ وأمثالاً وقصصاً في كل ما دقّ وجلّ ثم لا يختلف حاله في شيء منها في الكمال والنقص وهي متدرجة الوجود متفرقة الإلقاء وفيها ما ظهر ثم تكرر وفيها فروع متفرعة على أصولها؟ هذا مع ما نراه أنّ كل إنسان لا يبقى من حيث كمال العمل ونقصه على حال واحدة.
فالإنسان اللبيب القادر على تعقل هذه المعاني لا يشك في أن هذه المزايا الكلية وغيرها مما يشتمل عليه القرآن الشريف كلها فوق القوة البشرية ووراء الوسائل الطبيعية المادية وإن لم يقدر على ذلك فلم يضل في إنسانيته ولم ينس ما يحكم به وجدانه الفطري أن يراجع فيما لا يحسن اختباره ويجهل مأخذه إلى أهل الخبرة به”[12].
ثالثاً: تحدّى الجميع على أن يأتوا بمثله وإن اجتمعوا متظافرين، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[13]، وهو تحدّ عام وواسع ويطرق الأسماع على مدى الآفاق يوماً تلو يوم، وكمبالغة في التحدّي تنزّل إلى كفاية الإتيان بعشر سور من مثله ولو كانت مفتريات ومفبركات على غرار النهج والنسق القرآني: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[14]، بل تحدّاهم ولو بالإتيان بسورة واحدة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[15]، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[16].
رابعاً: عَجِز عن معارضته والإتيان بمثله كلّ من واجهه، ولم تظفر وتنجح أيّ محاولة في ذلك، فرغم تقدّم العلوم ووجود المؤسّسات التخصّصيّة وتطوّر الوسائل والإمكانات إلاّ أنّ العجز لا زال مخيِّماً ومطبقاً.
خامساً: جاء مصدّقاً ومتطابقاً مع دعوة الرسول الأعظم|، فتمّ بذلك العنصر الأخير من عناصر الإعجاز، وبات جليّاً انطباقه على القرآن الكريم. المطلب الثالث: معنى المحكم والمتشابه لغةً واصطلاحاً الـمُـحْكَمُ لغة من حَكَمَ، والأصل فيه هو المنع لإصلاح[17] إذ كل شيء منعته من الفساد فقد حَكَمْتَه وحَكَّمْتَه وأَحْكَمْتَه[18] فهو محكمٌ، ولذا يعبّر عنه بالمضبوط والمتقن أيضاً[19].
وأمّا مفهوم المتشابه في اللغة فهو من الشَّبَه، فالمتشابهات ما يُشبِه بعضها بعضاً[20].
والمعنى الاصطلاحي لهما تعدّدت فيه الأقوال كثيراً والخوض في تفاصيلها يعدّ خروجاً عن المقصود، ولذا سنقتصر على ذكر المعنى الذي يَقْرُب من تعريفهما اللغوي، والذي قد يكون هو الأشهر في المقام ويكون متناسباً مع قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[21]، وحاصل ذلك: إنّ مفهوم المحكم اصطلاحاً هو ما كان معناه متقناً وواضحاً بلا جدل أو خلاف فيه، لعدم احتماله لأكثر من وجهٍ متشابه، ومفهوم المتشابه اصطلاحاً هو في مقابله تماماً، فهو الذي لا يكون واضحاً للوهلة الأولى لتعقيده وإيهامه أو لاقتضائه لأكثر من معنى محتمل، ويعرف بعد ذلك عند ردّه وعرضه على المحكم[22].
فمثلاً قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [23] يعدّ من الآيات المحكمات لوضوح المقصد منه بلا نزاع، بينما قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[24]، {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[25]، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[26]، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[27]، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[28] له أكثر من احتمال ومما يقع فيه التجادل فلا يصار إلى أحد هذه الاحتمالات من دون الرجوع إلى ما يُحكم هذا النزاع من الآيات المحكمات -باعتبارها هي المرجع والأصل في ذلك وهي {أُمُّ الْكِتَابِ} أي الأصل لغيرها من الآيات- كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[29] وإلاّ لكان من الفتنة والدخول تحت عنوان من زاغت قلوبهم.
والمرجع في تحديد المحكم من المتشابه هو النظر العرفي الذي عليه مدار الأحكام، كما أنّه من الأمور النسبيّة التي يقع فيها التفاوت من حالٍ إلى حال، يقول المفسّر الكبير صاحب المواهب: “أنهما [المحكم والمتشابه] يرجعان إلى اختلاف الاستعدادات المتفاوتة في الإنسان، فيكونان من الأمور النسبيّة الإضافية، لاختلاف منشئهما وسببهما، وإنْ رجعا إلى حالات اللفظ وصفاته فهي أيضاً أمور نسبية اختلافية، تختلف باختلاف الجهات الخارجيّة، ولأجل ذلك نرى الاختلاف في عدّ مصاديق المتشابه، فربّ شخص يعدّ لفظاً أو آيةً من المتشابه وينكره الآخر، أو قد يكون الاختلاف من شخص واحد في موردين أو في زمانين”[30].
المطلب الرابع: الحكمة والهدف من وجود المتشابه في القرآن قد يتساءل البعض عن الغاية والسرّ وراء انقسام القرآن الكريم إلى آيات محكمة وآيات متشابهة ولمَ لم تكن جميع آياته محكمة حتى لا يقع التنازع والاشتباه واللغط، فلابدّ من مغزى وحكمة من ذلك، وتناول علماء القرآن والمفسرّون هذه المسألة منذ القدم وذكروا فيها أهدافاً عديدة أوسعوها نقضاً وإبراماً، وقبل ذكر بعضها مما نظن بصوابيّته أكثر من غيره لابد أن نلتفت إلى حقيقة وهي إنّ ورود التشابه في الآيات ليس ناتجاً من وجوده في علم الله، فلا مجال له في ساحته وعلمه جلّ وعلا، بل لا ننسب التشابه إلى ما أورثه سبحانه إلى عبده المصطفى| أو أوصيائه الغرر صلوات الله عليهم أجمعين، وإنّما وجوده في القرآن الكريم ناتجٌ لقصور في الألفاظ أو قصور في أفهامنا أو لغاية وهدف تربوي إلهي داخلٌ ضمن دائرة هدف القرآن العام وهو الهداية والتكامل، ولا يوجد مانع من اجتماعها معاً، وبالتالي يمكن لنا أن نسجّل على وجود المتشابه في الكتاب العزيز الأسرار والحِكم التالية: أ- قصور الألفاظ في نفسها عن حمل مضامين ومعاني القرآن العالية بالصورة التي تستطيع عقولنا وأساليب محاوراتنا من هضمه واستيعابه، فصار تقسيم الآيات إلى شطرين لتقريب هذه المعاني إلينا عبر قوالب أسلس وتعابير تأنسها الأذهان أكثر، ولأنّ ذلك سيقود إلى تشابه بعض هذه المعاني فأُرجع إلى تفسيرها بشكلٍ صحيح إلى المحكمات.
ب- كثير من الحقائق القرآنية هي أمور غيبيّة وترتبط بالعالم الآخر الذي لا تحيطه مداركنا ولم تألفه طباعنا التي هي متمّرسة على خصائص العالم الأرضيّ الحسّي.
ج- حتى يعرف الناس مدى لياقتهم وحدود قابليّاتهم فلا يتهاونوا ويستهينوا بالقرآن ويدّعوا الإحاطة به من كلّ الجوانب، ومن ناحيةٍ أخرى يتوجّهوا إلى حاجتهم لوجود قادة إلهيّين ومعصومين يفزعوا إليهم ويستنيروا بهداهم وأنّ في التخلّف عنهم وقوع في الزيغ والضلالة، ولذا فالقرآن والعترة كلّ منهما يشير إلى الآخر ويقود إلى الاعتصام والتمسّك به، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر’: >… وَقَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ| الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ [القرآن] فَالْزَمُوا وَصِيَّتَهُ وَمَا تَرَكَ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ كِتَابِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ اللَّذَيْنِ لَا يَضِلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا وَلَا يَهْتَدِي مَنْ تَرَكَهُم…<[31].
د- من أجل صيانة القرآن من عبث بعض المرضى قلوبهم، وهم الذين لا يحتملون وجود بعض المضامين الواضحة والصريحة التي تخالف مصالحهم فيه، تماماً على غرار من سأل عن علّة عدم ذكر القرآن لبعض الأسماء أو الحوادث بنحوٍ صريح، فلو وجدت لحاربوا القرآن جهاراً ولاتّهموه بالتحريف وشكّكوا فيه.
هـ- إظهار لِلَون من ألوان الإعجاز القرآني الذي لا يقف عند نوع ونمط فارد.
المبحث الثاني: تعدّي الإعجاز للزمان والمكان وعلاقة المحكم والمتشابه بذلك المسألة الأولى: دليل عدم وقوف الإعجاز القرآني على حدود الزمان والمكان نقصد من عبارة تعدّي الإعجاز القرآني للزمان والمكان هو أنْ إعجازه ليس مقتصراً على الفئة التي عاصرته أيّام نزوله، أو التي كانت تقطن البيئة الجغرافية المحيطة ببيت الوحي والرسالة، وإنما إعجازه مستوعب وشامل إلى جميع أفراد الثقلين من الجن والإنس -سواء من السابقين على عصر الدعوة أو من الذين رافقوها أو من جاء بعدهم- بكلّ أطيافهم وأعراقهم وحواضرهم وأجيالهم، فيصبح فوق الزمان وفوق المكان لعدم تأثيرهما في حدوده، وهذه ليست دعوى فاقدة للدليل والبرهان القويم، بل هي حقيقة صادحة ثابتة عقلاً ونقلاً، ويكفي في بيانها التقارير التالية: التقرير الأول: إنّ سائر المعاجز كانت آنيّة لعدم اقتضائها للبقاء بعد حصولها وإيجادها ويشهدها أفراد معيّنون يتأطّر التحدّي بحدودهم وصنعتهم، بينما القرآن الكريم إعجازه مختلف ومغاير للسائد، فواقعه الذي تلقّفه الناس وانبهروا بعظمته وأذعنوا بقَدْرِه وجلاله لا زال هو بعينه باقياً بنفس الروح والجوهر والقوّة التي وجد عليها، ولم يقتصر خرقه للعادة على لونٍ وطيفٍ واحدٍ من الإعجاز حتى تهضمه جماعة دون أخرى، وما زال صوت التحدّي فيه يملأ الخافقين، ومصاغٌ بنحوٍ مطلقٍ لا يستثنى منه أحد من الممكنات، والخلاصة أن اقتضاءه للخلود موجود والمانع من ذلك مفقود.
التقرير الثاني: إنّنا بالعقل نستخلص إعجاز القرآن الدائم، لأنّ غرض إعجازه الأساس هو التصديق بالنبي الخاتم| والذي هو تصديق لشريعته ورسالته التي أريدَ لها أنْ تكون خاتمة الأديان إلى قيام الساعة، وبالتالي فخلود هذا الدين يستدعي وجود الإعجاز الدائم وإلاّ لزم نقض الغرض والتالي باطل فالمقدّم مثله.
وبطلان التالي واضحٌ؛ فنقض الغرض ممنوعٌ على المدبّر الحكيم، وأمّا وجه الملازمة فتُعرف من ملاحظة نفس الحكمة من وجود المعاجز من جهة ومن كون السبب الذي يستدعيها -وهو الاستيثاق على نبوة النبي| ودينه الخالد- مستمرّاً ودائماً من جهة أخرى، فلو كان الإعجاز القرآني وليد الآن والمكان اللذَين حلّ فيهما لذهب ومات أثره بانقضائهما.
التقرير الثالث: إنّ الآيات والنصوص الشريفة نطقت بهذه الحقيقة وعبّرت عنها في عدّة مواضع، فمن الآيات قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[32] فبإطلاقها يثبت المطلوب، يقول أحد الأعلام الكبار: “فإنّ التحدّي في هذه الآية عامٌ شامل لكلٍّ مِن الإنس والجنّ، أعمّ من الموجودين في عصر النبي|، بل الظاهر الشمول للسابقين عليه أيضاً، وعموم التحدّي دليل على خلود الإعجاز كما هو ظاهر”[33].
وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[34] بتقريب أنّ لفظ العالمين بإطلاقه يشمل المتقدمين واللاحقين، إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الروايات ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُل قَوْمٍ هادٍ}[35] فقال: >رَسُولُ اللَّهِ| الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ؟< قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ بَعْدَ هَادٍ حَتَّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ.
فَقَالَ: >رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ مَاتَ الْكِتَابُ وَلَكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرَى فِيمَنْ مَضَى<[36].
وبنفس المضمون أيضاً ينقل العيّاشي عن خيثمة قال: قال أبو جعفر’: >يا خيثمة القرآن نزل أثلاثاً، ثلث فينا وفي أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا، وثلث سنّة ومثل، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكلّ قوم آية يتلونها [و] هم منها من خير أو شر<[37].
وأمثال هذه الروايات كثيرٌ.
المسألة الثانية: علاقة المحكم والمتشابه بالإعجاز القرآني قبل بيان دور المحكم والمتشابه في الدلالة على ديمومة الإعجاز القرآني لابدّ من أن نوضّح أوّلاً علاقته مع أصل المعجزة والإعجاز فالربط بين الموضوعين لحدّ الآن ليس بذاك الجلاء ويتطلّب مزيداً من الإضاءة والشرح، فالفكرة تدور حول كون المحكم والمتشابه من مصاديق ومظاهر خرق العادة الذي يتحدّى بها القرآن الكريم الملأ، وإبراز هذا المعنى يتم عبر ملاحظة عدّة حيثيّات: منها: إنّ تقسيم آيات القرآن إلى محكم ومتشابه وإحالة تفسير المتشابه إلى المحكم كي يشخّص المراد والمطلوب منه سمح بضم واستيعاب أعمق المعاني والمضامين القرآنية -التي لا تتحمّلها قدرة الألفاظ بنسجها العادي- في قوالب متسقة من الكلمات والجمل بنحو لا تضيع وتخبو فيه المطالب العالية ويتسنّى في الوقت ذاته عرضها عبر الألفاظ لتصل إلى أذهاننا.
ومنها: إنّ هذا التقسيم له من المرونة الاستيعابيّة ما يتناسب مع مستوى وإدراك وقابليّة كلّ فرد، فطالما أنّ تشخيص المتشابه أمرٌ نسبيٌّ[38] -كما ذكرنا سابقاً- فيعني أنّه عرضة للتفاوت وتعدّد الأنظار بحسب الظروف والاستعدادات الفردية والنوعيّة، أي قد تكون آية هي لبعض الناس محكمة وللبعض الآخر متشابهة، ولكنّ كلّ هذا لا يؤثر في اطّراد وصحّة قاعدة رجوع المتشابه إلى المحكم ويقود إلى النتيجة نفسها عند الجميع في آخر المطاف، وهذا الأمر قمّة في العظمة.
ومنها: وجود التناغم والانسجام التامّ بين غرض المحكم والمتشابه وبين هدف القرآن العام وهو الهداية، وسالفاً بيّنا أنّ أحد أبرز أسرار وجود التقسيم المذكور هو دخالته في البرنامج التربوي الإلهي التكاملي، ويكفي أنْ يعرف المرء حدود نفسه ويتنبّه إلى الحاجة إلى الإمام والحجّة المرشد.
ومنها: توظيف المطالب الحسّاسة والخطيرة بأبهى حلّة وبيان بصورة يصل إليها طالب الهداية الحقيقي بيسر وسهولة، ولا يستغلّها صاحب الغرض والزيغ في الطعن بالقرآن واتهامه بتحريفه.
وكلّ واحدة من هذه الحيثيّات تسلّط الضوء على جنبة من جنبات مشاركة المحكم والمتشابه في خرق العادة الطبيعيّة والإعجاز.
المسألة الثالثة: دور المحكم والمتشابه في ديمومة الإعجاز القرآني قد يقال إنّ القرآن الكريم طالما هو معجزة باقية وخالدة بجميع عناصره الإعجازيّة التي وجدت معه -ومن ضمنها انقسام آياته إلى المحكم والمتشابه- فنفس ذلك كافٍ في توضيح دور كلّ عنصر منها بديمومة الإعجاز ولا حاجة إلى سرد المزيد من البيان، وبعبارة أخرى: إنّ دور المحكم والمتشابه أو أي عنصر من عناصر الإعجاز القرآني لا يتغيّر ولا يتبدّل بمرور الزمن، ووظيفته التي يقدّمها في عصر الرسالة مثلاً هي عينها التي يقوم بها في العصر الراهن فلِمَ نعقد له مسألة مستقلّة ترتبط بالدوام ما لم يكن هناك مغزى ومزيّة جديدة تستوجب ذلك؟! والجواب: إنّ قدرة هذه العناصر القرآنيّة على إبقاء صورة الإعجاز حيّة وقويّة من دون أنْ تتأثّر بتغيّرات الزمان وتحوّلاته الكبيرة بتقادم الأيّام هو الجديد، وتوضيح ذلك بما يخصّ المقام: إنّنا نشهد كلّ عصر ظهور نمط جديد من التفكير وثقافة العيش والحياة بين البشر، ونرى بأمّ أعيننا حدوث التغيّرات والتطوّرات الهائلة في العلم والسياسة والاجتماع والاقتصاد والطب والزراعة والتمدّن وسائر المجالات والمناحي المختلفة، وبالتأكيد سيؤثر مجموع هذا على مستوى إدراكات وحاجات واهتمامات الأفراد وطبيعة استفساراتهم من جيل إلى جيل -فدرجة تفاعل العرب الأقحاح وأُنسهم باللغة العربية الفصيحة والشعر والبلاغة والأدب لا يقارن بدرجة غيرهم كأبناء زماننا مثلاً ممّن ابتعدوا عن هذه الأجواء وضعفت سليقتهم في هذا الباب وامتهنوا غيره، بينما لو نظرنا إلى ثقافتهم في مجال الصناعة والبناء والعمران واستعمال العلوم الحديثة وقارنّاها بثقافة زماننا لتبدّلت المعادلة وانقلبت النسبة- ولكنْ بالرغم من هذا الاختلاف الشاسع في الأفهام والقابليّات ظلّ القرآن الكريم عبر المحكم والمتشابه يجيب عن جميع استفساراتهم -بأطيافها وألوانها- من دون عجز أو تلكّؤ، فكلّ آية وموضع من القرآن عدّ متشابهاً عند قومٍ بسبب مستواهم وفهمهم في أيّ زمان ومكان له من الآيات المحكمات ما يزيح عنه التشابه ويجلي حقيقته، وحينئذٍ يكون لسان التحدّي القرآني ورسالته إلى الناس: إنّكم مهما تطوّرتم وتغيّر نمط تفكيركم ومكان عيشكم وتقادم بكم الزمان فلن تحدّوا من إعجازي وقدرتي على العطاء.
ولذا نجد إنّنا كلّما غصنا في أعماق القرآن الكريم واغتنمنا من كنوزه ونفائسه الثمينة كلّما اكتشفنا تفتّق وظهور جواهر ونفائس غيرها أكثر وأكثر، وكأنّها لا تنفد، وهذا مصداق بارز لما يرويه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه^ قال: >قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:| … فَإِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ وَهُوَ كِتَابٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ وَتَحْصِيلٌ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ وَلَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ فَظَاهِرُهُ حُكْمٌ وَبَاطِنُهُ عِلْمٌ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ لَهُ نُجُومٌ وَعَلَى نُجُومِهِ نُجُومٌ لَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ وَلَا تُبْلَى غَرَائِبُهُ فِيهِ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَمَنَارُ الْحِكْمَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى الْمَعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الصِّفَةَ…<[39].
المبحث الثالث: تطبيقات وإشكالات وحلول الأمر الأوّل: بعض التطبيقات في المقام إكمالاً للبحث وتتميماً للفائدة نورد بعض الأمثلة العمليّة حول المحكم والمتشابه نأمل من خلالها زيادة التبصرة في هذا اللون من القدرة القرآنية الخارقة في التبيين والهداية، وسنختار موضوعاً واحداً فقط يتضمّن مجموعة من الآيات، والغاية هي زيادة التركيز مع روم الاختصار.
جاء في سورة القيامة قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[40]، ومعنى {نَاضِرَةٌ} أنّها حسنة وبهجة ومسرورة[41]، وأمّا {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فهي من الآيات المتشابهات التي تحتمل أكثر من وجه وقد احتدم في تفسيرها النقاش والكلام الطويل، وذهب جمهور عريض من السنّة والأشاعرة إلى أنّ المقصود من النظر في الآية هو النظر بالعين الباصرة، لأنّ “النظر إذا ذُكر مع الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه”[42]، ويقول ابن كثير في تفسيره: “{إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي تراه عياناً كما رواه البخاري… وقد ثبتت رؤية المؤمنين للّه في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين أنّ ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: >هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟< قالوا: لا، قال: >فإنكم ترون ربكم كذلك<.
وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول اللّه| إلى القمر ليلة البدر فقال: >إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر! فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا<“[43].
وضمّنوا مختارهم بمجموعة من الآيات فسروا فيها النظر بالرؤية المادية البصرية لله تعالى مثل: قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[44] بتقريب: إنّ النبي موسى لعصمته لا يسأل ربه ما يستحيل عليه[45]، وإنّه طالما كان الله قادراً على جعل الجبل مستقرّاً فما طلبه موسى جائز التحقّق.
وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[46] بتقدير أنّ الحَجب عن رؤية الله هو لخصوص الكفّار دون المؤمنين[47].
ويلاحظ على تفسيرهم هذا: أ- إنّهم تعاملوا مع الآيات على وجهها الظاهري ولم يتصرّفوا معها على أنّها من المتشابهات.
ب- لم يُرجِعوا الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة -كي تقوم بتعيين الوجه المضبوط والمتقن من سائر محتملاتها ووجوهها- بل ضمّوا إليها آيات متشابهة أخرى.
والنتيجة المصيريّة لهذا السلوك هو الوقوع في الزيغ والزلل لا محالة، فالآيات المتشابهة من الخطأ الذريع أنْ تؤخذ بظاهرها، كما أنّه خطأ واشتباه سافرٌ آخر أنْ يستعان في فهمها وتبيينها بمثلها من المتشابهات، فتصبح مصداقاً لقوله تعالى: {… فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ…}[48]. والصحيح في توجيه المسألة هو البحث عن الآيات المحكمات لتكون بمثابة الدليل والمرشد الذي يضعنا على جادة الصواب وينتشلنا من الوقوع في المزالق والضلال.
ولو حلّلنا القول الذي خلصت إليه الأشاعرة وجمهور أهل السنّة لرأينا أنّ قولهم بجواز وتحقّق الرؤية البصريّة المادية لله تعالى -وإن كان في القيامة والآخرة- يستلزم التجسيم والتحديد له سبحانه، ضرورة أنّ كلّ شيء قابل للرؤية يعني توفّره للأبعاد الثلاثة وافتقاره للمكان والزمان وقابليّته للتحرّك والتحوّل والتركيب والتقسيم، فيكون مادة وجسماً، وممكناً لا واجباً، وفقيراً محتاجاً لا غنيّاً صمداً، فكيف نقبل أن تتّسم الذات الإلهيّة المقدّسة بأوصاف الأجسام والجسمانيّات؟!! وهذا اللازم الفاسد هو آية وقرينة على بطلان رأيهم من جهة ومن ناحية ثانية يدل على أنّ هذه الآية من المتشابهات.
والقرآن الكريم يحوي العديد من الآيات المحكمات التي تصلح لأنْ تكون أصلاً وفصلاً يلغي التفسير الظاهر المذكور ويعين على تحديد غيره المناسب، من قبيل:
١- {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[49].
فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} مطلقة في نفي التمثيل والتشبيه له سبحانه وهي في غاية الإتقان والإحكام. ٢
– {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[50]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[51]، {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[52].
بتقريب أنّ المراد من وجه الله هو ذاته المتعالية، ولو كانت قابلة للعيان والتشخّص لنالها الهلاك والآية تفيد أنّ الكلّ هالك إلاّ هو سبحانه، ولو كان محدوداً لوسعه المكان والزمان والحال أنّنا أينما نتّجه وبأيّ وقت لن نخرج عن إحاطة الله، وأين هذا من التجسيم والتحجيم؟! ٣- {… يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[53]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[54].
يقول أحد الأعلام: “الآية صريحة في سعة وجوده سبحانه، وأنّه معنا في كلّ مكان نكون فيه.
وما هذا شأنه لا يكون جسماً ولا حالاًّ في محلّ أو موجوداً في جهة.
إذ لا شك في أنّ الجسمين لا يجتمعان في مكان واحد وجهة واحدة، فالحكم بأنّه سبحانه معنا في أيّ مكان كنا فيه، لا يصحّ إلاّ إذا كان موجوداً غير مادّيٍّ ولا جسمانيٍّ”[55].
وغير ذلك من الآيات الغرر المحكمات، فإذا عرفنا مضمونها -وهو نفي التجسيم والتشبيه للذات المقدّسة- يجعلنا نرفع اليد عن التفسيرات التي تستلزم ذلك ونفتّش عن تفسير قويم مع مراعاة أن يكون أحد محتملات الآية والأقرب من غيره بحسب القرائن والسياق.
وبتطبيق ذلك على الآية التي صدّرنا بها الكلام {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[56] يمكننا أن نفسّر النظر إلى الله بمعنى التوجّه إليه والانصراف عن غيره، فهُم من فرط اشتياقهم له قلوبهم مشغوفة بمولاهم ومنشغلة عن سواه[57]، وهذا المعنى يستلهم من نفس السياق في الآية الكريمة.
وبهذا نكون قد جلنا في بعض النماذج التطبيقية حول العلقة والصلة القرآنية بين المحكم والمتشابه وبها الكفاية.
الأمر الثاني: إشكالات وحلول قد توجد بعض الإشكالات في المقام -والأصحّ أنّها جملة من الاستفهامات في المقام تتلاشى مع التدبّر والتوجيه- نورد أبرزها مع إجابة مختصرة لكلّ منها: الإشكال الأوّل: وهو موجّه إلى أصل تقسيم الآيات إلى محكم ومتشابه، وحاصله: إنّ قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[58] يدل على كون القرآن بأكمله محكماً، وقوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ …}[59] فيه دلالة على كون تمام القرآن متشابهاً، فكيف يجتمع هذا مع القول بالتقسيم؟ والجواب: إنّ أصل التقسيم واقع لا خدشة فيه وتدلّ عليه الآية الشريفة بكل وضوح {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[60]، وأمّا الآية التي تصف كل القرآن بالإحكام فهي تريد معنى الإتقان وغاية الضبط وهو وصفٌ عامّ يشمل كل الآيات سواء المحكمة أو المتشابهة، كما أنّ الآيات المتشابهة بعرضها على المحكمة تعدّ محكمة في النهاية[61].
وأمّا التي تصفه بالمتشابه فهي في صدد بيان أنّ جميع آيات القرآن تتشابه في صفة الإتقان والمتانة والضبط، وهذا لا ينافي التقسيم إطلاقاً.
الإشكال الثاني: إنّ القول بالتقسيم المذكور ينافي كون القرآن ميسّراً وقابلاً للفهم {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[62].
والجواب: وجود المحكم والمتشابه يعين على الفهم الصحيح ويدخل ضمن غرض الهداية كما ذكرنا في الحكمة منه، وهو لا يلغي الوضوح والبيان للناس، غاية الأمر أنّ القرآن أيضاً ليس محلاً للتلاعب ومسرحاً لزيغ مرضى القلوب، ففي الوقت الذي يعدّ ميسّراً من جهة يكون محصّناً من جهة ثانية.
الإشكال الثالث: وجود التنافي بين غرض التقسيم وبين الآيات الكثيرة الباعثة على التدبّر والتفكّر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[63].
والجواب: بنفس البيان السابق، فلا توجد منافاة، بل إنّ التدبّر في الآيات يقود إلى التسليم بغرض التقسيم، وكلٌ يتمّم الآخر وينسجم معه.
الخاتمة بعد العرض المتقدّم حول دوام الإعجاز القرآني بنموذج المحكم والمتشابه نستنتج النقاط التالية: أ- إنّ الإعجاز والتحدّي القرآني لا يتأطر بزمان أو مكان، فهو عام شامل لكلّ الإنس والجن وخالداً بخلود الدين.
ب- الإعجاز القرآني له عناصر ومصاديق متعدّدة، واحدة منها هو وجود المحكم والمتشابه.
ج- المحكم والمتشابه كما له علاقة بأصل الإعجاز له ارتباط ودلالة على ديمومته أيضاً.
د- جميع الإشكالات الواردة حول الموضوع هي قابلة للدفع بقليل من التأمّل، وجلّها ناتج من عدم الالتفات إلى أغراض وأهداف المحكم والمتشابه.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية البحث، والحمد لله أولا وآخراً وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الهوامش والمصادر
- [1] مجمع البحرين، الطريحي، ج4، ص24.
- [2] كتاب العين، الفراهيدي، ج1، ص215.
- [3] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج4، ص232.
- [4] الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، الشيخ السبحاني، بقلم الشيخ حسن العاملي، ج3، ص69.
- [5] لاحظ مثلاً: آلاء الرحمن في تفسير القرآن، الشيخ البلاغي، ج1، ص3؛ البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص35.
- [6] آلاء الرحمن في تفسير القرآن، الشيخ البلاغي، ج1، ص3؛ الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، الشيخ السبحاني، بقلم الشيخ حسن العاملي، ج3، ص69.
- [7] التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج2، ص: 283, 322؛ البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص35.
- [8] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، ج1، ص117.
- [9] م ن؛ أيضاً: الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج1، ص73.
- [10] مدخل التفسير، الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، ص13.
- [11] تاريخ الطبري(تاريخ الأمم والملوك)، محمد بن جرير الطبري، ج3، ص285.
- [12] الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج1، ص60- 61.
- [13] سورة الإسراء: 88.
- [14] سور هود: 13.
- [15] سورة البقرة: 23.
- [16] سورة يونس: 38.
- [17] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص248.
- [18] كتاب العين، خليل بن أحمد الفراهيدي، ج3، ص67.
- [19] مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج6، ص43.
- [20] كتاب العين، خليل بن أحمد الفراهيدي، ج3، ص404.
- [21] سورة آل عمران: 7.
- [22] لاحظ: مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج6، ص43؛ الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج3، ص20؛ مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، ج5، ص66؛ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج2، ص396.
- [23] سورة الأنعام: 102.
- [24] سورة الأعراف: 54.
- [25] سورة الفتح: 10.
- [26] سورة البقرة: 115.
- [27] سورة الفجر: 22.
- [28] سورة الأنبياء: 27.
- [29] سورة الشورى: 11.
- [30] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، ج5، ص67.
- [31] الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، ج3، ص422- 424.
- [32] سورة الإسراء: 88.
- [33] مدخل التفسير، الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، ص39.
- [34] سورة الفرقان: 1.
- [35] سورة الرعد: 7.
- [36] الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص191- 192.
- [37] تفسير العياشي، الشيخ محمد بن مسعود العياشي، ج1، ص10.
- [38] راجع: مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، ج5، ص67.
- [39] الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص598- 599.
- [40] سورة القيامة: 22- 23.
- [41] مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، ج10، ص601.
- [42] الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن الأشعري، ج1، ص36.
- [43] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، ج8، ص287.
- [44] سورة الأعراف: 143.
- [45] الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن الأشعري، ج1، ص41.
- [46] سورة المطفّفين: 15.
- [47] الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن الأشعري، ج1، ص46.
- [48] سورة آل عمران: 7.
- [49] سورة الشورى: 11.
- [50] سورة القصص: 88.
- [51] سورة الرحمن: 27.
- [52] سورة البقرة: 115.
- [53] سورة الحديد: 4.
- [54] سورة المجادلة: 7.
- [55] الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، الشيخ جعفر السبحاني، بقلم الشيخ حسن محمد مكي العاملي، ج2، ص112.
- [56] سورة القيامة: 22- 23.
- [57] انظر: الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج20، ص112؛ التمهيد في علوم القرآن، الشيخ محمد هادي معرفة، ج3، ص83.
- [58] سورة هود: 1.
- [59] سورة الزمر: 23.
- [60] سورة آل عمران: 7.
- [61] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، ج5، ص70.
- [62] سورة آل عمران: 138.
- [63] سورة محمد: 24.