دور الزهراء (ع) في تكامل البشرية
المقدّمة عندما خلق الله سبحانه البشر وسخّر لهم هذا العالم ليتكاملوا ويسترشدوا فيه، لم يبخل عليهم بإرسال من يبلّغهم سبل الهداية ووسايل الخير، فبعث إليهم الأنبياء والرسل والأئمة الأوصياء (عليهم السلام)، وكان دورهم بارزاً وجليّاً، فتقـدّموا النّـاس وقـادوا زمـام أفئدتهم نحو السعادة الأبديّة، وإضافة إلى ذلك تألق دورٌ من سنخ دور النبوّة وإلّم يُسمّ باسمها، وينبض بروح الإمامة ولو لم يكن عينها، دورٌ إذا أردت أن تقيسه بميزان فلن يتخلّف ثقله عمّا ينهض به كبار أولياء الله وقادة البشر الإلهين العظام، إنّه دور الوليّة الطّاهرة والكاملة الزّاهرة فاطمة بنت محمّد صلوات الله عليهما وعلى آلهما، فبالرّغم من قصر عمرها الشّريف، والظّروف الصّعبة التي اكتنفت حياتها، وطبيعتها الأنثويّة إلا أنّ ذلك لم يمنعها من الوصول إلى أقصى مدارج العلياء، وأن تكون الأسوة والمثال الذي تستلهم منه البشريّة معالم عزّها ورغدها، فما هو كنه هذا الدور؟ وما هي طبيعته وسرّ وجوده؟ وما هو الأثر المترتّب عليه؟ يحاول هذا المقال أن يدخل غمار هذه التساؤلات ويستعرض بعض الخطوط والعناوين التي تعين في التوصّل إلى إجابة شافية عليها.
نطاق محدود ينبغي التأكيد بادئ ذي بدء أن الوقوف على الدور التفصيلي الدقيق الذي نهضت به الصدّيقة الطّاهرة (عليها السلام) ليس بالأمر اليسير المتوفّر بالنحو المطلق، بل تجابهه بعض المعوّقات التي تحول دون الإلمام الكافي ببعض جزئيّات وخفايا شخصيّتها المباركة (عليها السلام)، من قبيل:
أ- إنّ شخصيّة السيّدة الزّهراء (عليها السلام) -بل شخصيّة المعصوم بنحوٍ عام- لا يَعرِف كنهها بعد الخالق تعالى إلا المعصوم، فمهما بلغنا من الشأن لن يتسنّى لنا ولعقولنا القاصرة الإحاطة بمقامها وخصائصها (عليها السلام)، ولذا ورد في أحد أوجه تسميتها بفاطمة: «وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا»(1).
ب- عدم تناسب الواصل إلينا من سيرة الزّهراء (عليها السلام) مع حجم وعظمة قدرها وموقعها، وهو لا يعكس إلا النّزر القليل من حياتها المليئة بالعطاء، ولعمري إنّه أمرٌ باعثٌ على العَجَب والحيرة، فحريٌّ لمن نطقت في حقها الآيات(2) وتفنّنت في بيان علوّ شأنها الروايات(3) أن تسطّر حول مناقبها وتضاعيف حياتها عشرات الكتب وآلاف الروايات والنقولات التاريخية.
ج- وجود نوع من الحركة الممنهجة المضادّة(4)، هدفها تشويه أو تزوير كل ما يتعلّق بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وخاصّة بما يرتبط منها بأمير المؤمنين (عليه السلام) أو بفاطمة (عليها السلام)، وترأّسها معاوية، وكانت تعمل جاهدةً على طمس كراماتهم وآثاراهم (عليهم السلام) ومحوها من أذهان النّاس، وأحياناً تلجأ إلى سرقة تراثهم ولصقه بغيرهم من مخالفيهم، أو القيام بتشويهه بما يورث النّقص والْمَلامة عليهم وعلى سمعتهم(5)، وذلك عبر التوسّل بشراء ذمم بعض الرواة وإغرائهم بوضع الأحاديث المكذوبة أو المغلوطة، ومن خلال استغلال فرصة منع تدوين الحديث عند العامّة، والذي استمرّ زهاء قرنٍ من الزمن، وإلا ما معنى القول أنّ الزّهراء (عليها السلام) لم تسمع من الرسول (صلّى الله عليه وآله) -وهي التي كانت لصيقة به وكثيرة الجلوس والتسامر معه حتى أثار ذلك حفيظة بعض زوجاته- إلا ثمانية عشر حديثاً(6) والصحيح منها اثنان(7) لا غير!!! ولكن لا يعني هذا عدم إمكان التعرّف -ولو إجمالاً- على بعض الجوانب البارزة من حياة الصدّيقة (عليها السلام) ودورها الشريف، فهي كالشمس المتألقة في وسط النهار تشرق وتوصل شعاعها إلى الجميع وإن زاحمتها بعض السُّحب المعترضة.
فاقد الشيء لا يعطيه لا ريب في أنّ الذي يلعب دوراً في تطوير النّاس وتربيتهم وتكميلهم أن يكون متقدّماً عليهم في السلوك وحائزاً على الملكات العالية التي تؤهله للقيام بوظيفته ومهمّته، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذا فعند البحث عن دور الزّهراء (عليها السلام) في الأخذ بيد البشريّة إلى ذروة الكمال لا بد من ملاحظة أمرين: الأوّل:- إنّ فاطمة الزّهراء (عليها السلام) قد وصلت إلى قِمّة الكمال الإنساني: وهو أمرٌ متّفقٌ ومتسالمٌ عليه بين المسلمين، ويظهر لأدنى مراجعة إلى المصادر الإسلامية لدى الفريقين، ونطقت بمضمونه جملة من الروايات، منها ما ورد عن النّبي (صلّى الله عليه وآله): «يَا فَاطِمَةُ أَبْشِرِي فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَعَلَى نِسَاءِ الإِسْلامِ وَ هُوَ خَيْرُ دِينٍ»(8).
وقيل للإمام الصادق (عليه السلام) قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، أي سيّدة نساء عالمها؟ قال: «ذاكَ مَرْيَمُ، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ»(9).
ومن جهة بلوغها القِمّة وعزازة النّظير لم يكن لها كفوٌ خليقٌ بها من حيث الكمال -بعد الخاتم (صلّى الله عليه وآله)- إلا الأمير (عليه السلام)، فقد جاء في الفقيه: وقال (عليه السلام): «لَوْلا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ مَا كَانَ لَهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كُفْوٌ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ»(10).
الثاني:- إنَّها (عليها السلام) قدوة للنّساء والرّجال معاً: فلا يفهم من سيادتها لنساء العالم أنّها (عليها السلام) قدوة لهنّ فقط، بل الاستنارة بهديها يحتاجه الجميع، ويستفيد منه النّساء والرّجال على حدّ سواء، كما أنّ درب السعادة والكمال في الإسلام ليس مقصوراً على جنسٍ دون آخر، ولا يتفرّع إلى شعب وأجزاء، وإنّما هو عامٌ للنوع الإنساني، يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(11)، {يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(12).
ويمكن اكتشاف جامعيّة هداية الزّهراء (عليها السلام) لكافة النّاس أيضاً من خلال الروايات الخاصّة، من بينها ما عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن محمّد بن النّعمان عن سلاّم عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا…} قال: «إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ عَلِيّاً (عليه السلام) وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَجَرَتْ بَعْدَهُمْ فِي الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) ثُمَّ يَرْجِعُ الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِي النّاس فَقَالَ: {فَإِنْ آمَنُوا} يَعْنِي النّاس {بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ} يَعْنِي عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالأَئِمَّةَ (عليهم السلام) {فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ}»(13).
الزّهراء (عليها السلام) والاصطفاء الإلهي لا غرو أنّ خلْق الله تعالى لعباده رافقه تكليفٌ ودورٌ مناطٌ بكلّ فرد منهم، ويصبح الجميع على إثره مسؤولين عنده سبحانه، وهو تكليفٌ عامٌ وشاملٌ على طول التاريخ، إلا أنّ هناك مجموعة من البشر -نظراً لعلم الله تعالى بحالتهم المعنويّة وصبرهم وطاعتهم المنقطعة النّظير وأهليّتهم لأداء المسؤوليّات الثّقيلة والنوعيّة- أناطَ بهم دوراً خاصّاً زائداً على مسؤوليّاتهم العامّة، فاصطفاهم واختارهم من بين خلقه لتحمّل هذا الدور، ليغدوا من خلاله حُجَجَاً منه على عباده، وبما أنّ الزّهراء (عليها السلام) واحدة ممّن نال هذا الشّرف الرّفيع، يصبح من اللازم الوقوف على ماهيّة اصطفائها وهدفه، لارتباطه الوثيق بتكامل النّاس وهداية قلوبهم، فالاصطفاء الإلهي له أنحاء وأغراض متعدّدة، يمكن تصنيفها -بزاويةٍ ما- إلى أربعة أصناف: الصنف الأوّل:- اصطفاء النبوّة: وهو للذين بعثهم لتبليغ رسالاته وبيان أحكامه وتهذيب النّاس، يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}(14).
الصنف الثاني:- اصطفاء الوصاية أو الإمامة: وهو للذين يتابعون وظيفة الأنبياء (عليهم السلام) ويخلفونهم ويكملون مسيرتهم، يقول تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا…}(15).
الصنف الثالث:- اصطفاء المهام الخاصّة: وهو للذين يبعثهم الله تعالى لوظيفة معيّنة وظرف محدّد، كقيادة المجتمع أو العسكر وأمثال ذلك، يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(16).
الصنف الرابع:- اصطفاء الولاية والحجّة الكبرى: وهو لمن لهم حقّ الولاية على النّاس -غير الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)- ويُذَّخَرون لأمرٍ إلهيٍّ كبيرٍ وخطبٍ جسيمٍ ليكونوا آية أخرى يتم بها مشروع النّبوّة والإمامة، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}(17).
وتمتاز جميعها بأن أفرادها مؤيّدة ببراهين ساطعة وآيات باهرة، وذلك ليحصل بهم الوثوق والتصديق، وتتم حجّتهم على النّاس.
واصطفاء السيّدة الزّهراء (عليها السلام) هو من الصنف الرابع، لأنّها بالتأكيد ليست نبيّاً ولا إماماً، لكنّها حائزة على مقام الولاية، وهي واحدة من الحُجَج المفترضة الطاعة، وتتحلّى بصفاتهم، كالعصمة والعلم اللدني الخاص، والجاه الرفيع والمنزلة المقرّبة، وبعبارة أخرى: لها ما للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من مقامات سوى الاختلاف في الوظيفة والدور، والدليل على ذلك: ما أُسلف من وصولها إلى ذروة الكمال الإلهي وأنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، ونزيد عليه بما ورد بعِدّة مضامين عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): «يا فاطمة إنّ الله تعالى لَيغضب لِغضبك ويرضى لِرضاك»(18)، وطبيعيٌّ أنّ من كان هذا حالها أن تُحسب من المقرّبين والصدّيقين، وهو كافٍ أيضاً للدلالة على عصمتها؛ لأن رضا الله تعالى وغضبه يستحيل أن يقترن ويجتمع بنحوٍ مطلق مع رضا وغضب من يُخطئ أو يتّبع هواه وما شاكل ذلك، وبالتالي فهي تعبيرٌ آخرٌ عن العصمة.
على أنّ مُفاد ذلك يمكن استفادته من العديد من الروايات الأخرى أو الآيات، من قبيل آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(19)، بتقريب أنّ المراد من الرّجس هو مطلق التلوّث وأمراض القلب وارتكاب الذنوب الذي يقابل مطلق الطّهارة، وهي (عليها السلام) -بلا ريبٍ- واحدة من أهل الكساء الذين نزلت في حقهم الآية(20).
وأمّا من ناحية علمها فإلّم يفِ ما تقدّم للإشارة إليه -ولو من باب الأولويّة- فبالإمكان استيحاؤه من بعض الروايات، مثل ما ورد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «… وَقَالَ (صلّى الله عليه وآله): أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِي، فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُورِدَهُمَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَعْطَانِي ذَلِكَ، وَقَالَ: لا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى وَلَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلالَةٍ، فَلَوْ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) فَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ لادَّعَاهَا آلُ فُلانٍ وَ آلُ فُلانٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقاً لِنَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله) {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فَكَانَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَفَاطِمَةُ (عليهم السلام) فَأَدْخَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) تَحْتَ الْكِسَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ…»(21).
ونجد أنّ لسانها لا يفرّق بين الزّهراء (عليها السلام) وبين سائر الحجج (عليهم السلام) -كالرّسول (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)- في المقامات والمرجعيّة إلى الناس، فيبقى التنوّع في الأدوار هو المائز لا غير.
والخلاصة: إنّ اصطفاء الله تعالى للزهراء (عليها السلام) يُنبئ عن تكليفها بدورٍ كبيرٍ زائدٍ عن تكليف العباد المتعارف ليعود في الأخير إلى منفعتهم وتكاملهم.
بقى أن نسأل: ما هو هذا الدور؟ وما هو كنهه؟ والجواب: إنّ القرآن في قصّة مريم (عليها السلام) قد أشاح وكشف عن جانبٍ مهم في سرّ اصطفائها، والحال أنّها تشترك مع الزّهراء (عليها السلام) في طبيعة الاصطفاء، والروايات كثيراً ما تربط بين مسألة اصطفاء السيّدة مريم (عليها السلام) وبين اصطفاء السيّدة الزّهراء (عليها السلام) -والمظنون أنّ ورود قصّتها في القرآن وتسليط الآيات عليها هو من أجل لفت العناية وتوجيه الأنظار إلى الزّهراء (عليها السلام)- وبناءً على ذلك فإنه بمقدورنا تَعْدِية ما يستفاد من دور مريم (عليها السلام) والغرض من اصطفائها إلى الزّهراء (عليها السلام)، وتصبح معه القصّة والآيات المتعلّقة بها مشيرة ظاهراً إلى شخص مريم (عليها السلام) ولكنّها في الواقع هي بمثابة التوجيه إلى شخص الزّهراء (عليها السلام) أيضاً.
فعند قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}(22) ورد عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «… اصْطَفَاهَا مَرَّتَيْنِ، أَمَّا الأُولَى فَاصْطَفَاهَا أَيِ اخْتَارَهَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَاصْطَفَاهَا بِذَلِكَ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(23)، وعقّب الطبرسي (رحمه الله) حول هذا الأمر: “وقال أبو جعفر (عليه السلام): معنى الآية اصطفاك من ذريّة الأنبياء، وطهّرك من السِّفاح.
اصطفاك لولادة عيسى (عليه السلام) من غير فحل.
وخرج بهذا من أن يكون تكريراً، إذ يكون الاصطفاء على معنيين مختلفين”(24).
وبنفس السّياق ذُكر عن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) في كلام له مع الرشيد: «… إن الله نسب المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) بأمه مريم البِكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} فنسبه بأمه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليهم السلام) بآبائهم وأمهاتهم فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة بأمه وحدها وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام) {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ} بالمسيح من غير بشر وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»(25).
ونستنتج من خلال هذا العرض النقاط التالية:
أ- إنّ الله (عزّ وجلّ) اذّخر مريم ابنة عمران (عليها السلام) لمهمّة خطيرة وهي ولادة النّبي عيسى (عليه السلام) من دون أب، لتصبح آية من آياته الباهرة التي تبرز عظمته وجلالة قدرته، ولكي يكون ابنها (عليه السلام) رحمةً وفرجاً للناس، ومَخْلَصاً لِمحَنِهم، وواسطةً لحلول البركة والخير عليهم {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً}(26)، {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ}(27).
ب- هذا الأمر الخطير لكونه خارجاً عن المألوف، ولأنه سيُحدِث تحوّلاً كبيراً لدى عامّة النّاس، ومتوقّع جداً أن ينال معارضةً قويّة من بعض أصحاب النّفوذ والمصالح، ولدواعٍ تصب في هذا السياق، كان من اللازم أن ترافقه حجّة قويّة وواسطة من النوع الخاص، وهذا ما حصل فعلاً، فنفس السيّدة مريم (عليها السلام) كانت آية كبرى لوحدها أيضاً، وكانت معصومةً مقدّسةً، ومثالاً للطهر والإنسان الكامل بنحوٍ خالٍ من الغبار، وبذلك ربما يبرّر تكرار لفظة الاصطفاء في حقّها.
ج- لو عدنا إلى السيّدة الزّهراء (عليها السلام) وبالنظر إلى مجموعة الروايات التي تشبّه ظرفها -من زاويةٍ ما- بظرف السيّدة مريم (عليها السلام) نجد أنّ الخطب الجليل الذي كلّفت به هو كونها الواسطة التي تنحدر منها الذريّة الطاهرة لآل البيت النّبويّ الشريف (عليهم الصلاة والسلام)، هذه العترة التي تمثّل علّة الوجود وسرّ رحى الكون(28) ومهبط الرحمة على العالمين(29) والموئل الذي يفزع إليه النّاس بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، والذي يصبح خاتمهم (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو المنقذ للبشريّة من ألوان الظّلم والعذاب، ويظهر به الإسلام على سائر الأديان، ولعمري أنّ المتتبّع للروايات حول مقامهم ومنزلتهم لَيشعر بالإيقان أنّ آية خلقهم وإيجادهم (عليهم السلام) لَهي أعظم وأكثر إعجازاً من خلق النّبي عيسى (عليه السلام)، فإذا احتاج خلقه من دون أب إلى آيةٍ مُدعِمة واستيثاقٍ خاص فاحتياج وجود العترة الهادية (عليهم السلام) وبزوغ نورهم إلى النّاس إلى الاستيثاق والتدعيم من بابٍ أولى.
د- ولتوقّع أن يُحدث أمر تنصيب العترة الهادية (عليهم السلام) للإمامة إلى رفض وإنكار بعض الجهات ذات النفوذ والمصالح، ومن ناحية الجاه الاستثنائي والمقام الفريد الإعجازي الذي تحتلّه شخصيّاتهم، وربما لأسباب غيبيّة أيضاً، كان من اللازم -تتميماً للغرض الإلهي- أن يكون المجمع الذي تنحدر منه هذه العترة (عليهم السلام) هو آية عظمى ومعجزة بحدّ ذاته، وهذا ما يفسّر امتلاك السيّدة الزّهراء (عليها السلام) لملَكة العصمة والطهارة والعلم الموهوب، وسائر درجات المقرّبين والصدّيقين، وبكلمة جامعة: هي (عليها السلام) الواسطة بين النّبوّة والإمامة، والحارسة على مصلحتهما، والعلامة الدّالة على حقّانيّتهما.
والمحصّلة النهائية من هذا العرض: أنّ من أوائل دور الزّهراء (عليها السلام) في تكامل البشريّة أنّها آية من الآيات المبرزة لعظمة الخالق (سبحانه وتعالى) والمشيرة إليه، وهي حجّة على النّاس وهادية لهم في دينهم ودنياهم كالأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وهي الوسط الطاهر الذي تولّد منه السبطان الحسنان (عليهما السلام)، ومن ثم تفرّعت منه غصون الأئمة (عليهم السلام) من بعدهما، وهي العلامة المُقوّية والمُدْعِمة لمقام الإمامة الكبير.
أدوار أخرى مشرقة بالرغم من كون المسؤوليّة السالفة -الملقاة على عاتق فاطمة (عليها السلام)- كافية لوحدها في تقديم الخير والرفعة والسعادة إلى الناس إلا أنّ للزهراء (عليها السلام) أيضاً بصمات أخرى مشرقة ومؤثرة في هذا الصّدد غير ما ذكر، أو يمكن عدّها -المسؤوليّة الآنفة- مذكورة بنحو الإجمال، وبالإمكان الإشارة إلى نماذج تنحدر عنها بنحو التفصيل، وعلى كلا التقديرين فقد سجّل لنا التاريخ وأرباب السِّيَر مجموعة من الأدوار التي نهضت بها الزّهراء (عليها السلام) وكان لها الأثر الإيجابي في تقدّم البشريّة -نعم ربما أشاح البعض بصره عنها وغفل أو تغافل عن الاستضاءة بهديها، ولكن القصور أو التقصير هذا لا يُوجِب تغييراً في طبيعتها الإيجابيّة، بل يكشف عن عدم قابليّة القابل للاستفادة من بركاتها-، نشير إلى شطرٍ منها: أولاً:- أنها (عليها السلام) تمثّل علامةً وشاهداً لمعرفة الحقّ من الباطل: من أصعب الحالات التي تمر على الإنسان المؤمن والباحث عن الحقيقة هي التي يكون فيها تكليفه محاطاً بنوعٍ من الغبَش والغموض وهالةٍ من الضبابيّةِ في الطريق، فلا يهتدي لتمييز الحقّ من الباطل، فلربما ينهج نهج الباطل على أنّه الصواب والمطلوب وينأى عن صراط الحقّ ظنّاً منه أنّ عاقبته الغواية والضّلال، فلا غرو أنّ الحصول على علامةٍ فارقةٍ -لا تُخطئ التمييز، وتدل بوضوح على سبيل الخير، وتفصله عن عداه بدون اشتباه وتردّد- يرفع بها حيرته لهي أعظم خدمةٍ يرتجيها.
وقد كانت الزّهراء (عليها السلام) واحدة من علامات الهدى التي تُنشد عند التباس الأمور، بل إنّ أحد معاني وأسرار اصطفاء الله تعالى لها هو هذا، فكلّما شك النّاس أو تحيّروا في فعلٍ أو موقفٍ أو اعتقادٍ وما شابه تكون هي سلام الله عليها الجهة التي ترفع عنهم ريبهم، وتُعرّفهم صوابهم من زيغهم، وهذا الأمر ليس غريباً بعد ثبوت عصمتها وأنّ رضا الله سبحانه ورضا رسوله (صلّى الله عليه وآله) من رضاها، وهو مُفاد حديث الثقلين الذي ورد بعدّة صيغ متقاربة، كالذي رواه أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم أمرين، أحدهما أطول من الآخر، كتاب الله عزّ وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله، وعترتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(30).
وكما جاء عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في خطبة يوم الجمعة -الخطبة الأولى-: «… وَالْزَمُوا كِتَابَهُ؛ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ الْمَوْعِظَةِ وَخَيْرُ الأُمُورِ فِي الْمَعَادِ عَاقِبَةً، وَلَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ الْحُجَّةَ فَلا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ إِلا عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلا يَحْيَى مَنْ حَيَّ إِلا عَنْ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ، فَالْزَمُوا وَصِيَّتَهُ وَمَا تَرَكَ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ كِتَابِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ اللَّذَيْنِ لا يَضِلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا وَلا يَهْتَدِي مَنْ تَرَكَهُمَا»(31).
ولا توقف في كونها سلام الله عليها من العترة، وقد ورد عن أنس بن مالك: صلّى بنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صلاة الفجر، فلمّا انفتل من صلاته أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: «مَعَاشِرَ النّاس مَنِ افْتَقَدَ الشَّمْسَ فَلْيَتَمَسَّكْ بِالْقَمَرِ وَمَنِ افْتَقَدَ الْقَمَرَ فَلْيَتَمَسَّكْ بِالزُّهَرَةِ وَمَنِ افْتَقَدَ الزُّهَرَةَ فَلْيَتَمَسَّكْ بِالْفَرْقَدَيْنِ»، قيل يا رسول الله ما الشمس والقمر والزهرة والفرقدان؟ فقال: «أَنَا الشَّمْسُ وَعَلِيٌّ (عليه السلام) الْقَمَرُ وَفَاطِمَةُ الزُّهَرَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ الْفَرْقَدَانِ وَكِتَابُ اللَّهِ لا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(32)، وبنقلٍ آخر عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) عن جابر الأنصاري: صلّى بنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً صلاة الفجر… فقال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَنَا فَجَعَلْنَا بِمَنْزِلَةِ نُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَأَنَا الشَّمْسُ فَإِذَا ذَهَبَ بِي فَتَمَسَّكُوا بِالْقَمَرِ… ثُمَّ مَكَثَ مَلِيّاً فَقَالَ هَؤُلاءِ وَفَاطِمَةُ وَهِيَ الزُّهَرَةُ عِتْرَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(33).
ثانياً:- أنّها (عليها السلام) مصدرٌ من مصادر التشريع الإسلامي: وذلك بحكم كونها أحد المعصومين (عليهم السلام) المفترضة طاعتهم، فيصبح قولها وفعلها وتقريرها حجّة علينا، ولكن المأسوف له أن المقدار الواصل إلينا من رواياتها التشريعيّة أو الناقلة لتشريعٍ من جهتها ليس بالحجم الملحوظ والملائم لموقعها، ويعدّ هذا من مؤشرات وعلائم بخسها حقّها ومظلوميّتها في هذه الدنيا. ومن باب التمثيل، نورد النماذج التالية: أ- ما ورد حول الستر في الصلاة عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «صَلَّتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) فِي دِرْعٍ وَخِمَارُهَا عَلَى رَأْسِهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِمَّا وَارَتْ بِهِ شَعْرَهَا وَأُذُنَيْهَا»(34).
ب- ما جاء حول صلوات المسألة والحاجة عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «كَانَ لأُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام) صَلاةٌ تُصَلِّيهَا عَلَّمَهَا جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، رَكْعَتَانِ تَقْرَأُ فِي الأُولَى الْحَمْدَ مَرَّةً وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْحَمْدَ مَرَّةً وَمِائَةَ مَرَّةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ، فَإِذَا سَلَّمْتَ سَبَّحْتَ تَسْبِيحَ الطَّاهِرَةِ (عليها السلام)… »(35).
ج- ما ذكر حول المضغ والتذوّق للطعام حال الصيام عن مَسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِنَّ فَاطِمَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَا كَانَتْ تَمْضَغُ لِلْحَسَنِ ثُمَّ لِلْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ»(36).
ثالثاً:- أنّها (عليها السلام) معلّمة ومرشدة للأجيال: ورد عن الأمير (عليه السلام): «زكاة العلم بذله لمستحقه وإجهاد النفس في العمل به»(37)، وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى الْجُهَّالِ عَهْداً بِطَلَبِ الْعِلْمِ حَتَّى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ عَهْداً بِبَذْلِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ لأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ»(38).
والزّهراء (عليها السلام) وهي العالِمة التي تنحدر منها المعارف كانت سبّاقة في هذا الميدان، وكانت مهمّة التعليم وإرشاد النّاس من أولويّات أعمالها، وقد كابدت فيها العناء الشديد، وبالرغم من قصر عمرها الشريف إلا أنّها تركت موروثاً نفعت به جميع المسلمين إلى يومنا هذا، ولم يكن أسلوب تبليغها يقتصر على منوالٍ واحد، بل اتخذ عدّة أنماطٍ، نشير إلى ثلاثةٍ منها: النمط الأوّل: كانت لديها حلقة وصل مباشر مع النّساء، وتقوم بتعليمهن وظائفهن الدينية وسائر المعارف الأخرى، حتى أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) إذا أراد أحياناً أن يُبلّغ حكماً خاصّاً يتعلّق بهنّ يأمر ابنته الطاهرة (عليها السلام) ببثّه وتوضيحه لهنّ، فعن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصوم قال: «لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ الصَّلاةَ وَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ»، ثمّ أقبل عليّ وقال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَكَانَتْ تَأْمُرُ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنَاتِ»(39).
وكانت مرجعاً ترجع إليها النّساء في الإجابة عن أسئلتهن وفضّ خصوماتهنّ، فعن أبي محمّد العسكري (عليه السلام): «قَالَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) وَقَدِ اخْتَصَمَ إِلَيْهَا امْرَأَتَانِ فَتَنَازَعَتَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ إِحْدَاهُمَا مُعَانِدَةٌ وَالأُخْرَى مُؤْمِنَةٌ فَفَتَحَتْ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ حُجَّتَهَا فَاسْتَظْهَرَتْ عَلَى الْمُعَانِدَةِ فَفَرِحَتْ فَرَحاً شَدِيداً فَقَالَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) إِنَّ فَرَحَ الْمَلائِكَةِ بِاسْتِظْهَارِكِ عَلَيْهَا أَشَدُّ مِنْ فَرَحِكِ وَإِنَّ حُزْنَ الشَّيْطَانِ وَمَرَدَتِهِ بِحُزْنِهَا أَشَدُّ مِنْ حُزْنِهَا…»(40).
ولا تَضْجَر وتَملّ من كثرة المراجعات أو كثرة الأسئلة، بل تجيب بكل مودّةٍ وعطفٍ، وتعتني بحال السائل وحاجته، وقد أُثِر حول هذا المعنى: ما عن الإمام العسكري (عليه السلام): «حَضَرَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ الزّهراء (عليها السلام)، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي وَالِدَةً ضَعِيفَةً، وَقَدْ لَبِسَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ صَلاتِهَا شَيْءٌ وَقَدْ بَعَثَتْنِي إِلَيْكِ أَسْأَلُكِ، فَأَجَابَتْهَا فَاطِمَةُ (عليها السلام) عَنْ ذَلِكَ فَثَنَّتْ فَأَجَابَتْ ثُمَّ ثَلَّثَتْ إِلَى أَنْ عَشَّرَتْ فَأَجَابَتْ ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ فَقَالَتْ: لا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِيَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ وَكِرَاهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ يَثْقُلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لا، فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْءِ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً، فَأَحْرَى أَنْ لا يَثْقُلَ عَلَيَّ، سَمِعْتُ أَبِي (صلّى الله عليه وآله) يَقُولُ: إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ وَجِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ…»(41).
النمط الثاني: كان لديها مؤلّفٌ ضخمٌ يسمّى بـ (مصحف فاطمة) يحتوي على علم ما يكون، ويعدّ من مخازن علم الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وهو وإن كان محفوظاً عندهم (عليهم السلام) ولا يخرج لعامّة النّاس لأسباب خاصّة، ولكنهم (عليهم السلام) يحتجّون به ويستشهدون بما فيه فينتفع به العباد بطريقٍ غير مباشر.
والروايات حول بيان وتوصيف هذا المصحف كثيرة، من جملتها: ما ذكره أبو بصير عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): «… وَإِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَمَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام)»، قَالَ قُلْتُ: وَمَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام)؟ قَالَ: «مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَاللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ»، قَالَ قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ، قَالَ: «إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ…»(42).
وجاء عن فضيل بن سُكَّرَة: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: «يَا فُضَيْلُ أَتَدْرِي فِي أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُ أَنْظُرُ قُبَيْلُ»، قَالَ، قُلْتُ: لا، قال: «كُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ الأَرْضَ إِلا وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الْحَسَنِ فِيهِ شَيْئاً»(43).
وحول تأليف الكتاب ورد عن حمّاد بن عثمان، سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «تَظْهَرُ الزَّنَادِقَةُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَذَلِكَ أَنِّي نَظَرْتُ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)»، قَالَ قُلْتُ: وَمَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله) دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) مِنْ وَفَاتِهِ مِنَ الْحُزْنِ مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً يُسَلِّي غَمَّهَا وَيُحَدِّثُهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ: إِذَا أَحْسَسْتِ بِذَلِكِ وَسَمِعْتِ الصَّوْتَ قُولِي لِي فَأَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ حَتَّى أَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفاً»، قَالَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَلالَ وَالْحَرَامِ وَلَكِنْ فِيهِ عِلْمُ مَا يَكُونُ»(44).
وبرواية أخرى عن أبي عبيدة عن الإمام الصادق (عليه السلام): «… إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً، وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام)»(45).
النمط الثالث: كانت لديها البلاغة وقوّة البيان والملكة في الخطابة والتأثير، فتصف المعاني العميقة بأجزل العبائر وأحكمها، وكم من خطبةٍ لها حوت على سلسلةٍ متكاملةٍ منتظمةٍ من رؤوس الأفكار والمطالب حول قضيّةٍ من القضايا أو علمٍ من العلوم، بحيث تشكّل بمجموعها دوحة من المعارف تغترف منها الأجيال.
وأوضح مثالٍ على ذلك خطبتها الشهيرة التي وجّهتها إلى المهاجرين والأنصار لَمَّا مُنعت من فدك، فبالإضافة إلى تضمّنها للاحتجاج والمطالبة بحقّها وبالإمامة اشتملت على جولة بديعة -وبمنتهى اللطافة والدقّة العلميّة- لعقائد الإسلام، ورُتِّبت بشكلٍ منطقيٍ ومتتابعٍ، فبُدِئَت -بعد التسبيح والتحميد- بفصول ومعاني التوحيد، ثم منه استُدْرِجت الكلمات إلى المعاد وأجلى سماته وأهدافه، وثُلِّثَت بذكر النّبوّة ورسالة الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، وبعدها أُثيرت مسألة الإمامة والحجّة اللائقة بالخلافة.
فالزّهراء (عليها السلام) وهي في ظرف الخطبة الصّعب والخطير، لم يَفُتْها توصيل الأمانة والرسالة إلى الأمّة بكلّ قوّة وفتوّة، وبقت كلماتها دستوراً عقائديّاً ومنهجاً أصيلاً يتردّد مداه وصداه إلى يومنا هذا وأكثر، ورب خطبة واحدة تعدل دروساً وتختزل كتباً ومجلّدات لِمَا لها من البلاغة والتأثير والوقع في النفوس.
والخطبةُ طويلةٌ، ولكن للوقوف على عظمتها ودورها المصيري المهم لا بأس بذكر مقاطع من شطرها الأوّل، وسيكون من سندها(46) المروي عن زيد بن علي (رحمه الله) عن عمّته زينب بنت الحسين (عليهما السلام): أنّه لَمَّا بَلَغَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) إِجْمَاعُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْعِهَا فَدَكَ لاثَتْ خِمَارَهَا عَلى رَأسِهَا وَخَرَجَتْ فِي حَشَدَةِ نِسَائِهَا وَلُمَةٍ مِنْ قَوْمِهَا، تَجُرُّ أَدْرَاعَهَا، مَا تَخْرِمُ مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) شَيْئاً، حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَأَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ لَهَا الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، فَلَمَّا سَكَنَتْ فَوْرَتُهُمْ قَالَتْ: «أَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ» ثُمَّ أَسْبَلَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ سِجْفاً ثُمَّ قَالَتْ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى مَا أَلْهَمَ، وَالثَّنَاءُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأَهَا، وَسُبُوغِ آلاءٍ أَسْدَاهَا، وَإِحْسَانِ مِنَنٍ وَالاهَا، جَمَّ عَنِ الإِحْصَاءِ عَدَدُهَا، وَنَأَى عَنِ الْمُجَازَاةِ أَمَدُهَا، وَتَفَاوَتَ عَنِ الإِدْرَاكِ آمَالُهَا، وَاسْتَثَنَّى الشُّكْرَ بِفَضَائِلِهَا، وَاسْتَحْمَدَ إِلَى الْخَلائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَثَنَّى بِالنَّدْبِ إِلَى أَمْثَالِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةٌ جُعِلَ الإِخْلاصُ تَأْوِيلَهَا، وَضُمِّنَ الْقُلُوبُ مَوْصُولَهَا، وَأَنَارَ فِي الْفِكْرَةِ مَعْقُولُهَا، الْمُمْتَنِعُ مِنَ الأَبْصَارِ رُؤْيَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهَامِ الإِحَاطَةُ بِهِ، ابْتَدَعَ الأَشْيَاءَ لا مِنْ شَيْءٍ قَبْلَهُ، وَاحْتَذَاهَا بِلا مِثَالٍ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ زَادَتْهُ، إِلا إِظْهَاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وَإِعْزَازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، زِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نَقِمَتِهِ، وَحِيَاشاً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبِي محمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْتَبِلَهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اسْتَنْجَبَهُ،…. ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله) قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاخْتِيَارٍ، رَغْبَةً بِأَبِي (صلّى الله عليه وآله) عَنْ هَذِهِ الدَّارِ،…. ثُمَّ أَنْتُمْ عِبَادَ اللَّهِ تُرِيدُ أَهْلَ الْمَجْلِسِ نُصْبُ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَحَمَلَةُ دِينِهِ وَوَحْيِهِ، وَأُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَبُلَغَاؤُهُ إِلَى الأُمَمِ، زَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ لِلَّهِ فِيكُمْ عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَنَحْنُ بَقِيَّةٌ اسْتَخْلَفَنَا عَلَيْكُمْ، وَمَعَنَا كِتَابُ اللَّهِ، بَيِّنَةٌ بَصَائِرُهُ، وَآيٌ فِينَا مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، وَبُرْهَانٌ مُنْجَلِيَةٌ ظَوَاهِرُهُ،…. فَفَرَضَ اللَّهُ الإِيمَانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً لِلإِخْلاصِ، وَالزَّكَاةَ تَزْيِيداً فِي الرِّزْقِ، وَالْحَجَّ تَسْلِيَةً لِلدِّينِ، وَالْعَدْلَ تَنَسُّكاً لِلْقُلُوبِ، وَطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمَامَتَنَا لَمّاً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَحُبَّنَا عِزّاً لِلإِسْلامِ…»(47).
ويشهد إلى ذلك أيضاً خطبتها التي وجهتها إلى نساء المهاجرين والأنصار عند مرضها(48)، وكانت رسالةً واضحةً منها (عليها السلام) لإلقاء الحجّة عليهنّ وعلى الملأ أجمع، وبها تكون قد علّمت النّاس تكليفهم وصحّحت لهم عقيدتهم.
رابعاً:- أنّها (عليها السلام) قدوة في السلوك المعنويّ: تعدّ فاطمة الزّهراء سلام الله عليها واحدة من العبّاد وأهل الزهد والتقوى والإخلاص، وكانت مضرب مثلٍ في الصّدق والطّهارة المعنويّة، ويعرف ذلك الداني والقاصي، حتى ذكروا أنّ عائشة كانت تقول: “ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها”(49)، وتردّد عن الحسن البصري: “ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تَورَّم قدماها”(50).
ولذا كانت (عليها السلام) أسوةً حسنةً يُقتدى بها، وترتاح النفوس التائقة للتشبّه بسيرتها، ويتأثر بسلوكها النّاس بدون عناءٍ وتكلّفٍ ولو لم تكن في البين موعظةٌ ودعوةٌ ترشدهم إلى ذلك، والسرّ الكامن وراء هذا التأثير الساحر والآخذ بمجامع القلوب أنّه خرج من القلب فلا يقرّ إلا في القلب، وأنّه انطلق بصدقٍ فلا يُستقبَل إلا بمثله، وأنّه نابعٌ من نفسٍ لم تأمر النّاس بالتعبّد والتخلّق بالطاعات قبل أن تبدأ من داخلها، ومعلومٌ أنّ النصيحةَ بالمعروف لا تجد طريقها إلى الصدور إذا انبعثت من قلبٍ لاهٍ غير مؤمنٍ به أو مطبّقٍ لمصاديقه.
وشواهد السلوك المعنوي لفاطمة رضوان الله عليها متعدّدة ومتسلّلة في كلّ مجالات حياتها، بل لنا أنّ نقول: بأنّ جميع أفعالها ونيّاتها وتصرّفاتها هي تقرّبٌ وعرفانٌ وسموٌّ معنويٌّ نحو الله سبحانه وابتغاء مرضاته، فالعاشق للرب الجميل يفعل كلّ شيءٍ من أجله، ويستلذّ بالعمل الذي يزيده زُلفاً ووصالاً بمعشوقه، ومن هذا الباب تميّزت الزّهراء (عليها السلام) عمّن سواها ونالت سيادة الأوّلين والآخرين -مع أبيها وبعلها وصفوة بنيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- وكانت المنتجبة والمصطفاة من النّساء على الإطلاق، ولكن بما أنّ هذا البحث القصير ليس معقوداً للاستقصاء الشامل والحصر فنشير إلى عدّة عناوين وأمثلة في المقام: 1- الانقطاع والتوجّه بحضور في الصلاة: لأنّها (عليها السلام) تفقه أنّ أعظم التذلّل هو حال الركوع والسجود، فإذا انتصبت في محرابها تلألأت بهاءً ونوراً من خشية الله، وكان يُرى أثرُ ذلك عياناً فيتأثّر بها من كان حولها.
وسمّيت (عليها السلام) بالزّهراء لهذا الأمر، حيث ورد عن جعفر بن محمّد بن عمارة عن أبيه: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمةَ لمَ سُمِّيَتْ زَهْرَاءَ (الزّهراء) فَقَالَ: «لأَنَّهَا كَانَتْ إِذَا قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا زَهَرَ نُورُهَا لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يَزْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لأَهْلِ الأَرْضِ»(51).
كما روي عن أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يا ابن رسول الله لمَ سُمِّيت الزّهراء زهراءَ؟ فقال: «لأَنَّهَا تَزْهَرُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي النَّهَارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِالنُّورِ، كَانَ يَزْهَرُ نُورُ وَجْهِهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ وَالنّاس فِي فِرَاشِهِمْ فَيَدْخُلُ بِيَاضُ ذَلِكَ النُّورِ إِلَى حُجُرَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ فَتَبْيَضُّ حِيطَانُهُمْ فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله) فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا رَأَوْا فَيُرْسِلُهُمْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ (عليه السلام) فَيَأْتُونَ مَنْزِلَهَا فَيَرَوْنَهَا قَاعِدَةً فِي مِحْرَابِهَا تُصَلِّي وَالنُّورُ يَسْطَعُ مِنْ مِحْرَابِهَا مِنْ وَجْهِهَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي رَأَوْهُ كَانَ مِنْ نُورِ فَاطِمَةَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَتَرَتَّبَتْ لِلصَّلاةِ زَهَرَ نُورُ وَجْهِهَا (عليها السلام) بِالصُّفْرَةِ فَتَدْخُلُ الصُّفْرَةُ فِي حُجُرَاتِ النّاس… فَإِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ احْمَرَّ وَجْهُ فَاطِمَةَ فَأَشْرَقَ وَجْهُهَا بِالْحُمْرَةِ فَرَحاً وَشُكْراً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ تَدْخُلُ حُمْرَةُ وَجْهِهَا حُجُرَاتِ الْقَوْمِ وَتَحْمَرُّ حِيطَانُهُمْ فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ…»(52).
2- إحياء الليل بالصلاة والدعاء والعبادة: فلم يقتصر عشقها للصلاة والابتهال أثناء أداء الفرائض، بل كان لها موعدٌ آخرٌ أيضاً مع النوافل الليليّة الممزوجة بالإلحاح والمسألة والذكر والدعاء، حيث ورد عن عُبادة الكلبيّ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن الحسين بن عليٍّ عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: «رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ وَسَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَتُسَمِّيهِمْ وَتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ وَلا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْءٍ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ، لِمَ لا تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، الْجَارُ ثُمَّ الدَّارُ»(53).
والملفت في هذه الرواية العظيمة أنّ فاطمة (عليها السلام) كانت وهي تتنفّل بعباداتها بمرأىً ومسمعٍ من ابنها الإمام الحسن (عليه السلام) -أو بمعيّة باقي الأبناء- وهو أسلوبٌ تربويٌّ راقٍ في تعليم الأبناء وزرع روح العبادة في قلوبهم، خاصّةً أنّها دعت كثيراً وسمّت المؤمنين بأسمائهم وحاجاتهم وقدّمتهم على نفسها ممّا استرعى ملاحظة واهتمام ابنها واستفهامه، وهذا يعدّ انجازاً لها (عليها السلام) على مستوى ذاتها وأبنائها وذويها وجيرتها، بل وسائر المؤمنين والمؤمنات، ويدل على سعة بُعدها الاجتماعي وارتباطها بالنّاس والتعرّف على أحوالهم وحاجاتهم عن قرب، وبالدرجة التي تمكّنها من الدعاء لهم كلٌّ بحسبه وطبيعة مسألته.
3- الإخلاص والتفاني والإيثار: الإخلاص شيمة أفاضل النّاس، وعبادة المقرّبين، وأشرف نهايةٍ -كما أثر عن الأمير (عليه السلام)(54)-، ويوزن المرء على قدر نيّته وسريرته في العمل، والإيثار لا يكون كذلك إلّم يجامع الخلوص والصّفاء عن الكدر، والتفاني والتضحية في سبيل الله تعالى -لا يراد به غيره- هي إيثارٌ خالص.
وفي رواية الكافي عن سفيان بن عُيَيْنَة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزّ وجلّ): {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قَالَ: «لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلاً وَلَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلاً وَإِنَّمَا الإِصَابَةُ خَشْيَةُ اللَّهِ وَالنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ وَالْحَسَنَةُ»، ثُمَّ قَالَ: «الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ، أَلا وَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ…»(55).
والزّهراء (عليها السلام) بهذا الشأن مدرسةٌ لوحدها، ولذا استطاعت بعمرها القصير أن تنجز عملاً لا تسعه السنون والعصور، ولو لم يكن لها (عليها السلام) من نيّةٍ خالصةٍ وإيثارٍ تضحويٍّ شامخٍ غير تصدّقها على المسكين واليتيم والأسير -وهي صائمة ثلاثة أيام مع بعلها وأبنائها (عليهم السلام)- لكفى ذلك في وصولها إلى معالي الكمالات والفضائل، كيف وقد انصهر الخلوص والنّقاء بسائر أعمالها واندكّ وفنى بكلّ كيانها حتى بدى شيئاً واحداً.
يقول تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً}(56)، ويشير الطبرسي (رحمه الله) حول هذا الإطعام: “(ويطعمون الطعام على حبّه) أي على حبّ الطعام، والمعنى: يطعمون الطعام أشدّ ما تكون حاجتهم إليه.
وصفهم الله سبحانه بالأثرة على أنفسهم. … (إنّما نطعمكم لوجه الله) أي لطلب رضا الله خالصاً لله، مخلصاً من الرياء، وطلب الجزاء، وهو قوله: (لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) وهو مصدر مثل القعود والجلوس.
وقيل: إنّهم لم يتكلّموا بذلك، ولكن علم الله سبحانه ما في قلوبهم فأثنى به عليهم، ليرغّب في ذلك الراغب…”(57).
4- الصبر والرضا بقضاء الله (عزّ وجلّ): وهما أيضاً من الصفات النّبيلة الموجبة لزيادة الرّصيد المعنويّ للإنسان المؤمن، فبالصبر على ما يأتي من قبل المشيئة والقضاء والتقدير الإلهيّين يسجّل العبد تفويض أمره لربّه من دون اعتراض، وبالرضا يرتقي أيضاً إلى منزلةٍ أعلى، فيصبح صبره عن هدوء بالٍ وشعورٍ بالراحة والسّكينة والسعادة، لأنّه بعين الله ولله وعلى الصادر من جهة الله وتدبيره.
وتتعدّد الشواهد على ذلك من حياة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، فمن صغرها رأت ما جرى على أبيها من أذيّة القوم، وما تبعه ولازمه من المعارك والغزوات، ثم تجرّعت الغصّة والداهية العظمى بعد رحيله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت حادثة كشف الدار وانتزاع الوصاية وغير ذلك من المواقف الأليمة والصعبة التي تهدّ الركن وتُزلزل الجَنان، ولكن بإزاء هذا كلّه لم يسجّل لنا التاريخ أنّها (عليها السلام) فقدت صوابها وإيمانها تحت شيء ممّا تقدّم، بل على العكس، كانت تقابل محنها بالرضا بالقضاء والتسليم لإرادة الله سبحانه -طبعاً هذا لا يعني تنازلها عن حقّها أو استسلامها لمنطق الجائرين والمتربّصين بالدين ورجالاته- وتحتسبه ضرباً من ضروب العبادة وألوان الطاعة.
روي عن عيسى بن داوود النجّار عن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الْبَابَ، وَقَالَ: يَا أَهْلِي وَأَهْلَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامُ، وَهَذَا جَبْرَئِيلُ مَعَكُمْ فِي الْبَيْتِ يَقُولُ: إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ عَدُوَّكُمْ لَكُمْ فِتْنَةً فَمَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: نَصْبِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَمْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى نَقْدَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَسْتَكْمِلَ جَزِيلَ ثَوَابِهِ فَقَدْ سَمِعْنَاهُ يَعِدُ الصَّابِرِينَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) حَتَّى سُمِعَ نَحِيبُهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}(58) أَنَّهُمْ سَيَصْبِرُونَ، أَيْ سَيَصْبِرُونَ كَمَا قَالُوا (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ)»(59).
وروي عن أبي الورد بن ثمامة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال لرجل من بني سعد: «أَلا أُحَدِّثُكَ عَنِّي وَعَنْ فَاطِمَةَ الزّهراء أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدِي فَاسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَطَحَنَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاهَا وَكَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا وَأَوْقَدَتْ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا فَأَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ ضُرٌّ شَدِيدٌ فَقُلْتُ لَهَا: لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِهِ خَادِماً يَكْفِيكِ حَرَّ مَا أَنْتِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ فَأَتَتِ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله) فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ حُدَّاثاً فَاسْتَحْيَتْ فَانْصَرَفَتْ فَعَلِمَ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ لِحَاجَةٍ فَغَدَا عَلَيْنَا وَنَحْنُ فِي لِحَافِنَا فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَسَكَتْنَا وَاسْتَحْيَيْنَا لِمَكَانِنَا… فَقُلْنَا: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْخُلْ، فَدَخَلَ وَجَلَسَ عِنْدَ رُءُوسِنَا ثُمَّ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ مَا كَانَتْ حَاجَتُكِ أَمْسِ عِنْدَ محمّد فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ نُجِبْهُ أَنْ يَقُومَ فَأَخْرَجْتُ رَأْسِي فَقُلْتُ أَنَا وَاللَّهِ أُخْبِرُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا اسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَ… فَقُلْتُ لَهَا لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِهِ خَادِماً يَكْفِيكِ حَرَّ مَا أَنْتِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ قَالَ: أَفَلا أُعَلِّمُكُمَا مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الْخَادِمِ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَنَامَكُمَا فَكَبِّرَا أَرْبَعاً وَثَلاثِينَ تَكْبِيرَةً وَسَبِّحَا ثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً وَاحْمَدَا ثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً فَأَخْرَجَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) رَأْسَهَا وَقَالَتْ: رَضِيتُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ رَضِيتُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ»(60).
5- الاهتمام بالعفّة والحجاب: جاء في رواية موسى بن إسماعيل عن أبيه عن الإمام موسى الكاظم عن أبيه عن جدّه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (صلّى الله عليه وآله): لم حجبته وهو لا يراك؟ فقالت: يا رسول الله إن لم يراني فأنا أراه وهو يشمّ الريح، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) أشهد أنك بضعة مني»(61).
والقرآن عندما تحدّث عن مريم (عليها السلام) بقوله: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}(62) ورد في حقّ فاطمة (عليها السلام) مثله: عن الحسن بن عبد الله الرازي التميمي قال: حدثني سيّدي علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «قال النّبي (صلّى الله عليه وآله): إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار»(63).
وورد أيضاً عن داوود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها هذا مثل ضربه الله لفاطمة (عليها السلام)»، وقال: «إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار»(64).
خامساً:- أنّها (عليها السلام) أعطت صورةً مشرقةً للمرأة الناجحة: بوصول الزّهراء (عليها السلام) إلى المراتب العالية جدّاً من الكمال تكون قد أوضحت رسالتين: الرسالة الأولى: وهي موجّهة إلى الملأ أجمع، ومفادها أنّ الوثوب إلى الدرجات المتقدّمة من التكامل والقرب الإلهيّين ليس حِكراً على الرّجال فحسب -كما تقدّم بيان ذلك عند الإشارة إلى كونها (عليها السلام) قدوةً للرجال والنّساء معاً-، بل بمقدور المرأة إذا جاهدت نفسها وحافظت على استقامتها وداومت على فروضها وطاعاتها أن تتقدّم أيضاً، وربما تنال السبق والتفوّق على بعض الرّجال أحياناً.
الرسالة الثانية: وهي موجّهة إلى النّساء بالدرجة الأولى، وحاصلها أنّ من أرادت السعادة والفوز والظفر والنّجاح في حياتها فبإمكانها الاستنان بسنّة فاطمة (عليها السلام) ودخول بوابة العلياء من نفس الباب الذي ولجت منه، لأنّ سنّتها مضمون معها الوصول، وبوّابتها مجرّبة، بخلاف اللاتي يردن سلوك الطرق والمشارع الأخرى حيث إنّه من غير المعلوم وُصولهنّ، بل المتعيّن هو ضلالهنّ وتعثّرهنّ وعدم إصابتهنّ للدرب الصحيح إطلاقاً، وذلك لأن انتهاج نهج الزّهراء (عليها السلام) وهديها ليس أمراً اختياريّاً يترتّب عليه جواز اتباع غيره، وإنما هو فرض وواجب الاتباع كوجوب اتباع الدين والشرع الإسلامي الأقدس، فعندما نقول: سنّة الزّهراء (عليها السلام)، لا نرمي بها معنىً يغاير سنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أو سنّة القرآن، كيف وحديث الثقلين يطرق آذاننا ليلَ نهار، وأنّ فاطمة (عليها السلام) يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، وغير ذلك من الأحاديث المتظافرة.
ثمّ إنّ فاطمة (عليها السلام) لم يقتصر نجاحها في نطاقٍ دون نطاقٍ، أو مرحلةٍ دون مرحلةٍ، بل اقترن النجاح والكمال معها في كلّ مفصلٍ من مفاصل حياتها، ولم يختلف سموّ روحها وعلوّ هامتها بتنقّلها من حالٍ لآخر، وأعطت (عليها السلام) في الجميع صورةً مشرقةً ونموذجاً فذّاً للمرأة المثاليّة الكاملة.
فهي كبنت -قبل زواجها- كانت آيةً وأسوة للفتاة الفاضلة الحميدة والبرّة، وقد نابت أمها خديجة (عليها السلام) في الاهتمام بأبيها (صلّى الله عليه وآله) حتى كُنّت بأمّ أبيها.
وهي كزوجة شاركت مع بعلها (عليه السلام) في بناء بيتٍ عائليٍّ لم يبق شرفٌ وبركةٌ إلا وحلّت وعمّت بأرجائه، وقدّمت فيه معالم الزواج السعيد، وآداب العشرة، وتقسيم المهام والأدوار بين الزوجين بمنتهى الوئام والتعاون والانسجام، وكذلك الحال في أسلوب التربية الناجع والصحيح مع الأولاد.
وهي كامرأةٍ فاعلةٍ في المجتمع حدّدت وظائف المرأة المسلمة وموقعيّتها بكل اقتدار، وساهمت في إثراء الساحة النسائيّة بالحضور في ميادينها المختلفة التي تنسجم مع النّساء وتتناسب مع نظرة الإسلام لهن.
والخلاصة: إنّ الزّهراء (عليها السلام) مشروعٌ متكامل لما تحتاجه المرأة في كلّ أدوار الحياة ومنعطفاتها، بل لو قلنا: أنّها (عليها السلام) مشروعٌ متكاملٌ لكلّ البشريّة لما جافينا الحقيقة وجانبنا الواقع.
سادساً:- أنّها (عليها السلام) باب للتوسّل واستجابة الدعاء: للتوسّل بالأولياء والأبرار (عليهم السلام) مغانم عديدة، منها قضاء الحاجة وطلب استجابة الدعوات والمسائل، ومنها التقرّب إلى الله سبحانه باعتباره ضربٌ من أضراب العبادة، ومنها أيضاً التقرّب إلى نفس شخصيّة الولي المستشفع به والذي هو متفرّعٌ عن التقرّب السابق.
ومن الطبيعي أنّ السالك للكمال يشعر في طول مسيره أنّه بحاجة إلى ما يمدّه بالعون والتسديد والتأييد من الله سبحانه كي يوفّقه للتغلّب على المطبّات والمزالق ووساوس الشيطان -وغيرها من الأمور- التي تعيقه عن التقدّم وتعترض سعيه في الطريق، باعتبار أنّه لِوحده عاجزٌ عن مجابهة كلّ هذه المعوّقات، فيأتي دور الزّهراء (عليها السلام) هنا بصفتها واحدة من أبواب التوجّه والتوسّل إلى الله سبحانه لاستنزال الرحمة والبركة على السالكين، فتكون (عليها السلام) سبباً لإعانتهم في تخطّي صعابهم واستجابة دعواتهم وتقدّمهم نحو السعادة والكمال.
والذي يفهم من الروايات أنّ فاطمة (عليها السلام) لها وجاهة عظيمة وكبيرة جداً عند الله (سبحانه وتعالى) بحيث يصبح التوسّل بها مورد اهتمام الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) منذ عهد آدم (عليه السلام)، وتكون سلام الله عليها واسطتهم عند الله (عزّ وجلّ) في قضاء حوائجهم مع أنّهم وسائط بحدّ ذاتهم للتوسّل وقضاء حوائج النّاس.
ففي الرواية عن داوود الرَّقِّي قال: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَكْثَرَ مَا يُلِحُّ بِهِ فِي الدُّعَاءِ عَلَى اللَّهِ بِحَقِّ الْخَمْسَةِ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(صلوات الله عليهم)(65).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سألت النّبي (صلّى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه قال: «سأله بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب عليه»(66).
وأورد الكليني (رحمه الله) في الكافي ما يقرب من ذلك(67).
سابعاً:- أنّها (عليها السلام) لها تأثيرٌ تكوينيٌ على القلوب المستعدّة: بمعنى أنّ هناك نوعاً من الهداية الخاصّة تشبه هداية القرآن(68) -غير هداية الفطرة وغير الهداية التشريعية أو التي تنال بالاقتداء بالآخرين- لا تعطى إلا لنماذج خاصّة من البشر، بينما تفوت وتحجب عن البقيّة، وذلك لوجود الاستعداد لدى الأولى، وغيابه عن الأخرى، وهذا الاستعداد كلّما زاد وكبر كلّما كبر معه مقدار الاستفادة من هذه الهداية.
ويستفاد من بعض الروايات أنّ أهل البيت (عليهم السلام) -ومنهم فاطمة (عليها السلام)- لهم تأثيرٌ خاصٌّ موهوبٌ من قبل الله تعالى في هداية بعض النفوس المضيئة والمستنيرة لتزيدها نوراً واستبصاراً، أما إذا لم تكن هي واقعاً لها جنبة استنارة منذ الأساس فلا يمكنها الاستفادة من هذه الهداية الخاصة.
روي عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ العَرْشِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فَقَذَفَه فَأَصَابَنِي ثُلُثُ النُّورِ وَأَصَابَ فَاطِمَةَ ثُلُثُ النُّورِ وَأَصَابَ عَلِيّاً وَأَهْلَ بَيْتِهِ ثُلُثُ النُّورِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى إِلَى وَلايَةِ آلِ محمّد وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ ضَلَّ عَنْ وَلايَةِ آلِ محمّد»(69).
الخاتمة بعد العرض المتقدّم اتضح بنحوٍ جليٍّ ما هو الدور الرئيس الذي تنهض بأعبائه فاطمة الزّهراء (عليها السلام) لمساعدة البشريّة وإيصالها إلى قمّة السعادة والكمال الإلهي والمتمثّل في إرشاد النّاس إلى قدرة الخالق وعظمته، وتقوية استيثاقهم على النبوّة والإمامة، وتقديم النموذج العملي الفذ للإنسان الكامل، الذي يصلح بأن تقتدي به النّساء والرّجال على حدٍّ سواء.
كما تبيّن ما هو سرّه وأثره، وأنّه أحد تدابير الله تعالى الحكيم التي لا غنى عنها إطلاقاً في إدارة خلقه وإيصالهم إلى هدفهم الذي خلقوا من أجله، ولولاه لاختل جانبٌ من هذا الهدف الكبير، بالإضافة إلى كونه باباً من الأبواب الواسعة المشرّعة لتقريب النّاس من الخير والطاعة وصرفهم عن التهاوي والسقوط.
نسأل الله تعالى بحقّ هذه الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) أن يرزقنا اتباعها والاستنارة بهديها وأن يوفّقنا لولائها وولاء آلها الميامين (عليهم السلام) وأن نرزق شفاعتها وشفاعتهم يوم الورود، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش والمصادر
- (1) تفسير فرات الكوفي، ص581؛ أيضاً: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج43، ص65، ح58.
- (2) كآية التطهير النّازلة على أهل البيت (عليهم السلام) التي منهم فاطمة (عليها السلام): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب: 33، وآية المباهلة الدالة على فضائل الخمسة (عليهم السلام) التي من ضمنهم فاطمة (عليها السلام): {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران: 61، وغيرها.
- (3) كالرواية الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله): «الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل من نساء أهل الأرض»، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، ج2، ح252، ص62.
- (4) راجع على سبيل المثال: علم التاريخ ومناهج المؤرخين، صائب عبد الحميد، ص88.
- (5) انظر مثلاً دعوى ضرب الغناء في زفاف فاطمة (عليها السلام) وتفاعل الصحابة معه ورقصهم أثناءه من دون أن ينكر عليهم الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أو دعوى توبيخها من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله) عندما اشتكت على بعلها بحجة تشديده عليها: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج2، ص436؛ وج8، ص268.
- (6) أسماء الصحابة وما لكل واحدٍ منهم من العدد، ابن حزم الأندلسي، (تحقيق: السعدني) ص42.
- (7) انظر: مسند فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، السيوطي، مقدمة الكتاب؛ وأيضاً: موسوعة كلمات سيّدتنا فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، مجموعة من المحققين، ص10.
- (8) بحارالأنوار، المجلسيّ، ج43، ص36.
- (9) م ن، ص37.
- (10) من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ح4383، ص393. وقريب منه أيضاً: روضة الواعظين، فتال النيشابوري، ج1، ص148.
- (11) سورة العنكبوت: 69.
- (12) سورة الحجرات: 13.
- (13) الكافي، الكليني، ج1، ص415- 416.
- (14) سورة آل عمران: 33.
- (15) سورة فاطر: 32.
- (16) سورة البقرة: 247.
- (17) سورة آل عمران: 42.
- (18) روضة الواعظين، فتال النيشابوري، ج1، ص149.
- (19) سورة الأحزاب: 33.
- (20) راجع مثلاً: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج35، ص206 فما بعد.
- (21) الكافي، الكليني، ج1، ص286.
- (22) سورة آل عمران: 42.
- (23) تفسير القمي، علي بن إبراهيم، ج1، ص102؛ كذلك: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج14، ص200.
- (24) مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص290- 291.
- (25) تحف العقول، ابن شعبة الحرّاني، ص405.
- (26) سورة مريم: 21.
- (27) سورة مريم: 31.
- (28) راجع حول هذا المعنى: روضة الواعظين، الفتال النيشابوري، ج1، ص84.
- (29) انظر: الكافي، الكليني، ج1، ص221.
- (30) معاني الأخبار، الصدوق، ص90.
- (31) الكافي، الكليني، ج3، ص422- 423.
- (32) معاني الأخبار، الصدوق، ص115. أيضاً: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج24، ص74- 75.
- (33) أمالي الطوسي، ص516- 517. كذلك: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج24، ص75- 76.
- (34) من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص257.
- (35) جمال الأسبوع، السيد ابن طاووس، ص267. أيضاً: مصباح المتهجد، الطوسي، ص301.
- (36) الكافي، الكليني، ج4، ص114.
- (37) غرر الحكم، الآمدي، ر132، ص44.
- (38) الكافي، الكليني، ج1، ص41.
- (39) الكافي، الكليني، ج3، ص104- 105.
- (40) الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص18؛ أيضاً: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج2، ص8.
- (41) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، ص340-341؛ وبحار الأنوار، المجلسيّ، ج2، ص3.
- (42) الكافي، الكليني، ج1، ص238- 239.
- (43) م ن، ج1، ص242.
- (44) م ن، ج1، ص240.
- (45) م ن، ج1، ص241.
- (46) ولها نقلٌ آخر يختلف بعض الشيء عن هذا ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1، ص97؛ ونُقل كذلك في: بحار الأنوار، ج29، ص220.
- (47) بلاغات النّساء، ابن طيفور، ص26؛ وبحار الأنوار، ج29، ص239.
- (48) راجع: معاني الأخبار، الصدوق، ص354؛ وبحار الأنوار، ج43، ص158.
- (49) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، ابن شهر آشوب، ج3، ص341.
- (50) م ن.
- (51) معاني الأخبار، الصدوق، ص64؛ وعلل الشرائع، الصدوق، ج1، ص181.
- (52) علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص180.
- (53) م ن، ج1، ص181.
- (54) غرر الحكم، الآمدي، ص197.
- (55) الكافي، الكليني، ج2، ص16.
- (56) سورة الإنسان: 8- 9.
- (57) مجمع البيان، ج10، ص216.
- (58) سورة الفرقان: 20.
- (59) تأويل الآيات الظاهرة، الحسيني الاسترابادي، ص368؛ وبحار الأنوار، المجلسيّ، ج24، ص219- 220.
- (60) علل الشرائع، الصدوق، ج2، ص366؛ ومن لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص 320- 321.
- (61) الجعفريّات، ابن الأشعث الكوفي، ص95؛ والنوادر، الراوندي، ص13- 14؛ وبحار الأنوار، المجلسيّ، ج43، ص91.
- (62) سورة الأنبياء: 91.
- (63) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الصدوق، ج2، ص63.
- (64) تأويل الآيات الظاهرة، الحسيني الاسترابادي، ص677.
- (65) الكافي، الكليني، ج2، ص580.
- (66) الأمالي للصدوق، ص75- 76.
- (67) الكافي، الكليني، ج8، ص304- 305.
- (68) يقول الله تعالى في مطلع سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} فوصف القرآن بأنّه كتاب هداية للمتقين، مع أنّهم لم يصبحوا على تقوى من دون هداية سابقة، فربما فيه إشارة إلى نوع من الهداية الخاصة للقرآن ينالها المتقون فقط لا غير.
- (69) الخصال، الصدوق، ج1، ص187- 188.