العقبات في مسار الحكومة الكبرى
عبّر الله تعالى عن الطريق الذي يوصل إليه بمصطلحين هما الصراط المستقيم وسبيل الله.
الصراط المستقيم
فمن الآيات التي ذكرت الصراط قوله تعالى:
– ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾1.
– ﴿إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾2.
– ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾3.
– ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا﴾4.
– ﴿قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾5.
– ﴿وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾6.
– ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾7.
سبيل الله
ومن الآيات التي ذكرت سبيل الله قوله تعالى:
-﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾8.
-﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾9.
-﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾10.
-﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾11.
-﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾12.
-﴿وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِ﴾13.
-﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا﴾14.
وممّا لا شكّ فيه أنّ مسار الحكومة الإلهيّة هو صراط مستقيم، وسبيلٌ لله تعالى، وبالتالي فإنّ من يصدّ عن سبيل الله وصراطه يشكّل عقبة تصدّ عن مسار تلك الحكومة.
بناءً عليه، فإنّ ما عرضه القرآن الكريم بعنوانه صادًّا عن صراط الله وسبيله يكون بالتأكيد عقبة في مسار الحكومة الإلهيّة الكبرى.
من هنا نذكر ما عرضه القرآن الكريم من أشخاص وفئات بعنوان كونهم صادّين عن سبيل الله أو صراطه، وهم:
1-الشيطان
قال تعالى: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾15.
وقال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾16.
إنّ صدّ الشيطان عن سبيل الله يكون من خلال التأثير في صور الأشياء في أذهان الناس، فهو يحاول جاهدًا أن يريهم معاصي الله تعالى جميلة، وطاعاته خالية من الجمال، وهذا هو معنى تزيين الأعمال القبيحة التي من خلالها يصدّ عباد الله عن سبيله.
2-المنافقون
قال الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا الأَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾17.
أيمانهم جمع يمين، وهو الحلف والقسم، وجُنَّة أي الستر الذي يُتَّقى به كالترس. والمعنى أنّ هؤلاء المنافقين اتخذوا أيمانهم الكاذبة التي يحلفون بها وقاية لأنفسهم، وسترًا لمؤامراتهم، فصرفوا النفوس عن دين الله بما يستطيعون من الصرف، بتقليب الأمور وتثبيط العزائم، لمنع الناس من دخول دين الله تعالى18.
3-اليهود
﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾19.
في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاول اليهود صدّ الناس عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأساليب عديدة منها:
1- طرح الأسئلة التعجيزيّة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً﴾20.
2- تشكيك البسطاء من الناس بالإسلام. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾21.
3- تحريض أعداء الإسلام ضدّ المسلمين، ومساعدتهم بشتّى الوسائل كالتجسّس ونحوه.
4-إثارة الفتن وإعداد المؤامرات التي نتج عنها:
أ- غزوة بني قينقاع.
ب- غزوة بني النضير.
ج- غزوة بني قريظة.
د- معركة خيبر.
إضافة إلى دورهم في معركة الخندق.
5- نقضهم للعهود والمواثيق التي أبرموها مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾22.
6- محاولة اغتيال الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، مرّةً من قبل بني النضير23، ومرةً في خيبر عبر السمّ، فقد روى البيهقيّ عن ابن شهاب: “إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا افتتح خيبر، وقتل من قتل، واطمأنّ الناس، أهدت زينب ابنة الحارث، امرأة سلام بن مشكم، وهي ابنة أخي مرحب، لصفيّة امرأة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاة مصلية، وقد سألت: أيّ عضو الشاة أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السمّ، ثمّ سمَّمت سائر الشاة”24.
بعد زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلملم تقتصر محاولات اليهود في الصدّ عن سبيل الله، لا سيّما المتعلّق بالحكومة الإسلاميّة، على حياته صلّى الله عليه وآله، بل استمرّت المحاولات في ذلك بعد رحيله. ومن باب المثال نعرض، بشكل موجز، الدور البارز لكعب الأحبار اليهوديّ الذي كان يسكن في اليمن في الزمن الذي كان يسكنها معاوية بن أبي سفيان.
واللافت أنّ كعبًا أعلن إسلامه عام 17 للهجرة بعد فتح الشام وتنصيب معاوية بن أبي سفيان واليًا عليها25، كما أنّ اللافت في تأريخ كعب الأحبار هو مدى الساحة الواسعة التي فُتحت له في أكثر من بلد إسلاميّ، ففي المدينة المنوّرة سمح له “الخليفة الثاني” أن يلقي القصص في المسجد النبويّ المبارك، وفي الشام بالغ معاوية في الترويج له، فكان يقول: ألا إنّ كعب الأحبار أحد العلماء، إن كان عنده لعلم كالثمار26، وإن كنّا فيه لمفرطين27.
وقد وصل الأمر بمعاوية إلى أنّه رفض شهادة عبد الله ابن عبّاس فيما يخصّ قراءة آيات من القرآن الكريم، وأرسل يسأل كعبًا عنها”28.
وقد انتشرت في زمن كعب الأحبار ما بات يعرف بالروايات الإسرائيليّة انتشارًا واسعًا29.
والباحث في تاريخ المسلمين يُلاحظ دور اليهود البارز في صدّ الناس عن سبيل الله عبر الوسائل المختلفة. وهذا ما نلاحظه واضحًا في بروتوكولات حكماء بني صهيون التي فيها ما يعبِّر عن ذلك بوضوح، من قبيل ما هذا نصُّه:
–“لكي تبقى الجماهير في ضلال، لا تدري ما وراءها وما أمامها، ولا ما يُراد بها، فإنّنا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج، والمسلّيات، والألعاب الفكهة، وضروب أشكال الرياضة، واللهو، وما به الغذاء لملذّاتها وشهواتها…والإكثار من القصور المزوّقة، والمباني المزركشة، ثمّ نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنّية رياضيّة، ومن كلّ جنس، فتتوجّه أذهانها إلى هذه الأمور وتنصرف عمّا هيّأناه، فنمضي به إلى حيث نريد”30.
–“لا بدّ من تحطيم الأسرة غير اليهوديّة”31.
–“علينا أن نسهّل زيادة نقائص الشعب وفساد عاداته ورغباته، فيقع الشقاق بين الأحزاب، وتتفرّق كافّة قوى الخوارج المجتمعة ضدّنا، وتثبّط كلّ العزائم، وتتوفّر لنا أسباب الغلبة على ملايين الرجال ممّن بثّينا فيهم روح الشقاق”32.
عقبات أخرى
إنّ العقبات في قبال مسار الحكومة الإلهيّة الكبرى لا تقتصر على المنافقين واليهود من الناس، بل تشمل كلّ من يكون نتاج عمله تشويه الإسلام، وإبعاد الناس عنه، وإضعاف إيمان المؤمنين به، وما شابه
هذا، ومن أمثلة هؤلاء التكفيريّون الدمويّون الذين شوّهوا ويشوّهون صورة الإسلام بتقطيع الرؤوس، وشيِّها على النار، وأكل الأكباد، ونبش القبور، إلى غير ذلك من الممارسات الفظيعة التي قلّما عهدها
العالم، ولا يخفى مدى فعاليّة هذه الأمور في تشويه الإسلام، وإبعاد الناس عنه.
- كتاب قافلة البشرية، سماحة الشيخ أكرم بركات.
المصادر والمراجع
1- سورة الفاتحة، الآية 6.
2- سورة آل عمران، الآية 51.
3- سورة آل عمران، الآية 101.
4- سورة الأنعام، الآية 126.
5- سورة البقرة، الآية 142.
6- سورة يس، الآية 61.
7- سورة الشورى، الآية 52.
8- سورة البقرة، الآية 190.
9- سورة البقرة، الآية 261.
10- سورة آل عمران، الآية 157.
11- سورة النساء، الآية 100.
12- سورة الأنفال، الآية 72.
13- سورة آل عمران، الآية 195.
14- سورة آل عمران، الآية 169.
15- سورة الأعراف، الآية 16.
16- سورة النمل، الآية 24.
17- سورة المنافقين، الآيتان 1-2.
18- أنظر: الطباطبائيّ، محمّد حسين، تفسير الميزان، ج19، ص 193و279. مغنية، محمّد جواد، التفسير الكاشف، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1987م، ج7، ص 274.
19- سورة النساء، الآية 160.
20- سورة النساء، الآية 153.
21- سورة آل عمران، الآية 100.
22- سورة الأنفال، الآية 56.
23- مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم، ط4، بيروت، دار الهادي، 1415هـ،ج8، ص 40-50.
24- أنظر: المرجع نفسه، ص 147، 154.
25- قيل غير ذلك إلاّ أنّ كون إسلامه في عهد عمر بن الخطّاب هو الأشهر (أنظر: العينيّ، عمدة القارئ، ج25، ص 74).
26- في بعض النصوص “كالبحار” (أنظر: العينيّ، عمدة القارئ، (لا،ط)، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، (لا،ت)، ج25، ص 74).
27- ابن سعد، الطبقات الكبرى، (لا،ط)، بيروت، دار صادر، (لا،ت)، ج2، ص 358.
28- أنظر: الطائيّ، نجاح، نظريات الخليفتين، (لا،ط)، (لا،م)، (لا،ن)، (لا،ت)، ج2، ص 324.
29- أنظر: المرجع السابق، ص 319.
30- نويهض، عجاج، بروتوكولات، حكماء صهيون، (لا،ط)، دمشق، طلاس، 1989م، المجلّد الأوّل، ص 241.
31- اليهوديّة العالميّة، ص 106.
32- المرجع السابق نفسه.