حب علي (ع)
توطئة إنَّ الحديث عن العظماء يُعتبر ضرورة إنسانية؛ لأنَّ لنا في حياتهم معيناً لا ينضب من الدروس والعبر والإيمان والأمل فهم بمثابة المنارات التي تهدينا في هذه الحياة المظلمة، فحياتهم محطّات للتأمل والتزود لمواجهة مشاكل ومصاعب الحياة ومن أجل ديمومة المسيرة، فهم الذين يبعثون الثقة في نفوسنا حين يلقّنونا دروساً قيّمة عن البطولات والسمو بالنفوس إلى أسمى مراتب المجد والعزة والشرف التي أرادها الله لنا.
فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) -الذي نحن بصدد الحديث عنه- هو أشرف عظماء البشرية وأنبلهم وأقدسهم وأفضلهم بعد ابن عمه محمد (صلّى الله عليه وآله).
“فهو أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين، وأوّل القوم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأعظمهم مزيّة، وأقومهم بأمر الله، وأعلمهم بالقضية، وراية الهدى، ومنار الإيمان، وباب الحكمة، والممسوس في ذات الله، خليفة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، الهاشمي، وليد الكعبة المشرّفة، ومُطهِّرها من كل صنم ووثن، الشهيد في البيت الإلهي (جامع الكوفة) في محرابه حال الصلاة سنة 40 للهجرة.
وكل جملة من هذه الجمل، وعبارة من هذه العبارات، كلمة قدسية نبوية أخرجها الحفاظ من أهل السنة”(1).
علي جسّد الإسلام وبعد هذه الأوصاف التي سُجّلت في حق هذه الشخصية التي جسّدت معنى الإسلام في الواقع العملي، بأسمى وأرقى معانيه، فهو القدوة والإمام والأسوة، فمن حق الأمة الإسلامية أن تفتخر بهذه الشخصية العظيمة التي أنطقت ألسنة الكثيرين فمدحوها وأثنوا عليها، وتغنّوا بها، فإننا نجد أعاظم الأدب وعباقرة الكلمة وقفوا أمامه متحيرين متعجبين فها هو الشريف الرضي (رحمه الله) قال عنه: “كان أمير المؤمنين مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق فقصروا، وتقدم وتأخروا لأنَّ كلامه الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي..”(2).
وفي موضع آخر ينقل لنا الجاحظ عن النظّام: “علي بن أبي طالب محنة للمتكلم إن وفى حقه غلى، وإن بخسه حقه أساء، والمنـزلة الوسطى دقيقة الوزن حادة اللسان، صعبة الترقي إلا على الحاذق الذكي”(3).
ويقول فيه جبران خليل جبران: “إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان”(4)، وقال ميخائيل نعيمة “بطولات الإمام ما اقتصرت على ميادين الحرب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته وطهارة وجدانه وسحر بيانه….”(5). ومن عجيب ما رواه الشيخ الصّدوق طاب ثراه بسنده عن عامر الشّعبيّ قال: تكلّم أمير المؤمنين (عليه السلام) بتسع كلمات، ارتجلهنّ ارتجالا، فقأن عيون البلاغة، وأيتمن جواهر الحكمة، وقطّعن جميع الأنام عن اللّحاق بواحدة منهنّ: ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب.
فأمّا اللاتي في المناجاة، فقال: «إلهي كفى لي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً، أنت كما أحبّ، فاجعلني كما تحبّ».
وأمّا اللاتي في الحكمة، فقال: «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه»، وأمّا اللاتي في الأدب، فقال: «امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمّن شئت تكن نظيره»(6).
وفي موقع آخر نجد الكاتب المسيحي جورج جرداق قد تأثر من خلال قراءته الإنسانية والحضارية والأخلاقية لعلي (عليه السلام) في موسوعته القيمة (علي صوت العدالة الإنسانية) فيقول: “وماذا عليكِ يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره”(7).
فالإمام علي (عليه السلام) عنده هو كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي: “وإني لأطيل التعجب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدل على أن طبعه مناسب لطباع الأسود والنمور وأمثالهما من السباع الضارية، ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح الذين لم يأكلوا لحما ولم يريقوا دما؛ فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس الشيباني، وعتيبة بن الحارث اليربوعي، وعامر بن الطفيل العامري، وتارة يكون في صورة سقراط الحبر اليوناني، ويوحنا المعمدان الإسرائيلي، والمسيح ابن مريم الإلهي.
وأقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرة، ما قرأتها قط إلا وأحدثت عندي روعة وخوفا وعظة، وأثرت في قلبي وجيبا وفي أعضائي رعدة، ولا تأملتها إلا وذكرت الموتى من أهلي وأقاربي وأرباب ودي، وخيلت في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وصف (عليه السلام) حالَه، وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى، وكم وقفت على ما قالوه وتكرر وقوفي عليه، فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي، فإما أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله، أو كانت نية القائل صالحة ويقينه كان ثابتا، وإخلاصه كان محضا خالصا، فكان تأثير قوله في النفوس أعظم، وسريان موعظته في القلوب أبلغ”(8).
هذه بعض الكلمات والأقوال قد اختيرت بصورة عشوائية من أجل أن نبين فيها كيف وقفت جميع العقول حيارى أمام شخصية أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لما حازت عليه من الفضائل والمناقب.
علي (عليه السلام) فكر يتجدد فأي صفحة تقرأ من حياة علي (عليه السلام)، تجدها تجلي لك نموذجا لا نظير له في مواقفه وأفعاله.. في أحاديثه وأفكاره… ومن الملفت للنظر أن مناقب الإمام علي (عليه السلام) لم تنحصر في فترة زمنية دون أخرى، وإنما كل يوم من أيامه، بل كل ساعة من ساعاته هي منقبة.
وقد شوهدت مناقبه منذ لحظة ولادته، حيث فتحت له الكعبة المشرفة جدرانها، ليكون وليدها الأوحد، وحتى آخر لحظة من حياته.
إلى يومنا هذا نجد أن مناقبه وأقواله قد تركت آثارها على القاصي والداني.
وأخيراً ما قاله الرئيس السابق لهيئة الأمم المتحدة كوفي أنان، يوصي أحد لجانه في الأمم المتحدة بأن يدرسوا أقوال الإمام علي (عليه السلام) ويتأملوها جيداً، فإنه معجب بحديث الإمام (عليه السلام) الذي يقول فيه «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق»(9).
وقد طلب من هذه اللجنة بأن توظف فلسفة الإمام علي (عليه السلام) في مواثيق الأمم المتحدة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فكر علي (عليه السلام) فكر متجدد وأنه صالح لكل زمان ومكان، وفي الحقيقة والواقع إنَّ الذي يقرأ سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بوعي ثاقب ونظرة متفحصة يرى أن شخصيته (عليه السلام) شخصية عالمية، وليست شخصية إقليمية أو قومية أو طائفية، فهو وليّ رسول الإنسانية (صلّى الله عليه وآله)، ومنبع الإنسانية التي تجتمع القلوب والعقول حوله.
ولكن للأسف أن العالَمَ كلّه إلى الآن لم يتوصل إلى معرفة أسرار وعظمة هذه الشخصية.
فكم نحن بحاجة إلى وضع آلية نستطيع من خلالها أن نُعرِّف هذه الشخصية العظيمة للعالم، وإن كنا نُقرُّ بأنه ليس من اليسير الغوص في أعماق شخصية هذا الفذ ولا سبر غوره، ولا نستطيع أن نحيط بجوانب شخصيته، كيف وقد قال عنه رسول اللَّه محمد (صلّى الله عليه وآله): «يا عليّ، ما عرف اللَّه إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا اللَّه وأنت، وما عرفك إلا اللَّه وأنا»(10).
إلا أن هذا لا يمنع أن نغترف من معين هذه الشخصية بقدر ما نستطيع، وبمقدار ما نستطيع أن نقدمه للبشرية المتعطشة لأفكار علي (عليه السلام)، فإن في حياته وأقواله ومآثره الكثير الكثير من الحلول لمشاكل هذا العالم الذي يعيش الانهيار على جميع الأصعدة والمستويات.
المدخل إلى علي (عليه السلام) وإن كنّا نحار في كيفية الدخول لهذه الشخصية، وأي مسلك نسلك، إلا أننا نسلك مسلكاً هو سلكه في علاقته مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فنتعلم منه هذا المسلك وهو مسلك (الحب)، فقد أحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حبا جعله يقدم نفسه لكي تسلم نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فنحن نقتفي أثره، ونحاول أن نبحث عن هذا السر المقدس، هل يمكننا ان نكتشف جوانب منه؟ وما هو سر الأمر الإلهي المكرر والمؤكد بأن نحبه وأبناءه ونواليهم؟ وما هو سر هذه الصلة الوثيقة، والعلاقة الوطيدة، بين حب الإمام (عليه السلام) وبين أعظم نعم الله، وهي الجنة، أو بمعنى آخر، لماذا جعلت الجنة لمحبيه (عليه السلام) ومواليه؟ حقيقة الإيمان إن حقيقة الإيمان وطبيعة العلاقة مع الله (عزّ وجلّ) تتكون من عدة عناصر متناسقة ومتآلفة بحيث تشكل الأسلوب الصحيح للعلاقة مع الله (عزّ وجلّ)، وهذه العناصر قد ذكرت في مجموعة من النصوص من آيات وروايات وأدعية مثل: الرجاء، والخوف، والتضرع، والاستغفار، والحب، ووو.
إلا أن الحب -الذي نحن بصدد الحديث عنه- من أفضل هذه العناصر وأقواها للوصول لله (عزّ وجلّ).
فقد روي في جملة من النصوص الإسلامية بأن حقيقة الإيمان هو الحب، فقد ورد عن إمامنا الباقر (عليه السلام) قَالَ: «الإِيمَانُ حُبٌّ وبُغْضٌ»(11)، وعنه أيضاً (عليه السلام) قَال: «الدِّينُ هُوَ الْحُبُّ، والْحُبُّ هُوَ الدِّينُ»(12).
وعن الفضيل بن يسار قَال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَن الْحُبِّ والْبُغْض أَمِنَ الإِيمَانِ هُوَ؟ فَقَالَ: «وهَلِ الإِيمَانُ إِلا الْحُبُّ والْبُغْض»(13).
إن من أبرز مظاهر الارتباط بالله (عزّ وجلّ) والعبودية له هي طاعة أوليائه وتوليّهم، وأن من أرفع درجات الولاية المحبة الصادقة لهم، وهذا ما يظهر من آية المودّة، فإننا نجد أن جميع الأنبياء الذين سبقوا نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) أعلنوا لأقوامهم الذين عرضوا عليهم الأجر على عملهم الكبير وهدايتهم العظيمة أنهم لا يريدون أجراً.
فإن أجرهم على الله (عزّ وجلّ)، إلا أن نبينا (صلّى الله عليه وآله) تميّز عمّن سبقه بطلب الأجر على الرسالة والدعوة الكبرى التي ضحى في سبيلها بكل غال ورخيص فقال لقومه:{قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(14) أي ما يمكن أن تقدموه لقاء هدايتكم وإنقاذكم من النار هو التقرب إلى أهل بيتي ومحبتهم.
وهذه المحبة والمودة سوف تعود بالنفع والفائدة عليكم ولا يتصور أحدكم أن هذا النفع سيعود عليّ بل هو لكم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}(15).
وأي منفعة هذه يقول:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} (16) فهذه المحبة والمودة ستكون هي السبيل إلى الله والطريق للوصول إليه فهي تختصر الطريق للوصول إلى الله (عزّ وجلّ) فهي الموصلة إلى الغاية النهائية.
وبتعبير آخر أن المودة في قربى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الذي يمثل استمراراً لمنهج النبي (صلّى الله عليه وآله) وقيادته، فالارتباط بذوي قرباه هو الذي يعطي الضمانة للوصول لله (عزّ وجلّ).
الحب الحقيقي إن الحب الحقيقي هو الذي لا ينفصل عن العمل، بل من أحب تكون علامة حبه العمل والحركة واتباع المحبوب، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(17) فالآية المباركة تبين بأنّ الحبّ ليس هو علاقة قلبية فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان.
إنّ من يدّعي حبّ اللّه، فعليه أوّلا اتباع رسوله وجعله الأسوة والقدوة.
فالآية المباركة تشير إلى مسألة مهمة وهي أن من يعتقدون بأنّ الإيمان والحبّ والمحبّة قلبية فحسب، هم غرباء على منطق الإسلام تماما.
وما يؤكد هذا المعنى ما ورد عن إمامنا الصَّادِقَ (عليه السلام): «مَا أَحَبَّ اللَّهَ مَنْ عَصَاهُ»، ثُمَّ قرأ هذه الأبيات:
تَعْصِي الإِلَهَ وأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا مُحَالٌ فِي الْفِعَالِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيع(18)
ومن جهة أُخرى نجد أن للحب درجات مختلفة، إلا أن الدرجة المطلوبة هي التي تؤدي إلى تغيير باطن الإنسان من الضلال إلى الهدى، من الانحراف إلى الاستقامة ومن الكفر إلى الإيمان، هذا ما تُبيّنه العبارة الواردة في الصحيفة: «وَنِعْمَةُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ وأَهْلُ بَيْتِهِ، حُبُّهُمْ إِيمَانٌ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ، وبُغْضُهُمْ كُفْرٌ ونِفَاقٌ يُدْخِلُ النَّارَ»(19).
فالحب في واقعه هو الذي يسهل سبيل الطاعة.
بل الطاعة ليست سوى إحدى لوازم الحب، وبمقدار الحب تكون الطاعة، وذلك لأن القلب كما يقول أمير الكلام (عليه السلام): «.. القلب أمير مسلط على الجوارح والرعية تتبع أميرها..»(20) فكل الأعمال التي تصدر من الأعضاء والجوارح، إنما تكون بإمرة القلب.
وهذا الدور مرتبط بالشيء المحبوب الذي تعلق به القلب، ولهذا قيل إذا صلح القلب صلح الإنسان بصلاح أعماله.
من هنا نستطيع أن نعرف معنى الكلمة المأثورة عن إمامنا الصادق (عليه السلام): «وَهَلِ الدِّينُ إِلا الْحُب»(21) ومن خلال هذا الحديث الشريف نعرف قيمة الحب ودوره المركزي، حيث أضحى أحد أهم مميزات الإسلام.
محبة أولياء الله وفي حديث عن مولى المتّقين علي (عليه السلام) قال: «.. مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَمُحِبٌّ لَنَا أَمْ مُبْغِضٌ فَلْيَمْتَحِنْ قَلْبَهُ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ وَلِيّاً لَنَا فَلَيْسَ بِمُبْغِضٍ لَنَا وإِنْ كَانَ يُبْغِضُ وَلِيّاً لَنَا فَلَيْسَ بِمُحِبٍّ لَنَا»(22) وفي هذا الحديث الشريف علامة قوية الدلالة، على أن أهل البيت (عليهم السلام) وإن غابوا عنا إلا أن أولياءهم موجودون بيننا فأنهم حجة علينا، ومحبتنا لهم هي محبة متصلة بأهل البيت (عليهم السلام).
وفي هذا السياق نجد جواب الإمام الباقر (عليه السلام) لسائل سأله إذا كان فيه خير أم لا؟ فقال (عليه السلام): «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ ويُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَفِيكَ خَيْرٌ واللَّهُ يُحِبُّكَ وإِذَا كَانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ ويُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَلَيْسَ فِيكَ خَيْرٌ واللَّهُ يُبْغِضُكَ والْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (23).
فأصل الخير هو حب الله (عزّ وجلّ).
وظهور هذا الخير في حب أوليائه وعباده الصالحين.
محبة علي (عليه السلام) ونختم الكلام بماَ رَوَاه الصَّدُوقُ (رحمه الله) فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الشِّيعَةِ، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ أَحَبَّنِي ومَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومَنْ رَضِيَ عَنْهُ كَافَأَهُ الْجَنَّةَ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً لا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَشْرَبَ مِنَ الْكَوْثَرِ، ويَأْكُلَ مِنْ طُوبَى ويَرَى مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ.
أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُهَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً أَعْطَاهُ اللَّهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وحَاسَبَهُ حِسَابَ الأَنْبِيَاءِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وجَعَلَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ عِرْقٍ فِي بَدَنِهِ حَوْرَاءَ وشُفِّعَ فِي ثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ولَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ فِي بَدَنِهِ حَوْرَاءُ ومَدِينَةٌ فِي الْجَنَّةِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَ الْمَوْتِ كَمَا يَبْعَثُ إِلَى الأَنْبِيَاءِ ودَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ هَوْلَ مُنْكَرٍ ونَكِيرٍ وبَيَّضَ وَجْهَهُ وكَانَ مَعَ حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ووَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً وُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ وأُلْبِسَ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً جَازَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وجَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ وأَمَاناً مِنَ الْعَذَابِ ولَمْ يُنْشَرْ لَهُ دِيوَانٌ ولَمْ يُنْصَبْ لَهُ مِيزَانٌ وقِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ، أَلا ومَنْ أَحَبَّ آلَ مُحَمَّدٍ أَمِنَ مِنَ الْحِسَابِ والْمِيزَانِ والصِّرَاطِ، أَلا ومَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فَأَنَا كَفِيلُهُ بِالْجَنَّةِ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، أَلا ومَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»(24).
نسأل الله (عزّ وجلّ) أن يثبتنا على محبة علي (عليه السلام) وأن يرزقنا شفاعة علي (عليه السلام) إنه على كل شيء قدير.
المصادر والهوامش
- (1) الغدير 2: 33.
- (2) مقدمة نهج البلاغة للشريف الرضي (رحمه الله).
- (3) نهجالصباغة، ج 10، ص349.
- (4) الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: 5 /218.
- (5) المصدر السابق.
- (6) الأمثال والحكمالمستخرجة مننهج البلاغة، ص342.
- (7) علي صوت العدالة الإنسانية 1 / 49.
- (8) شرح نهج البلاغة (ابنأبيالحديد)، ج 11، ص153.
- (9) تصنيف نهج البلاغة، ص594.
- (10) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج5، ص: 49.
- (11) بحارالأنوار ج: 75 ص: 175.
- (12) وسائلالشيعة ج: 16 ص: 171.
- (13) وسائلالشيعة ج: 16 ص: 170.
- (14) الشورى (23).
- (15) سبأ (47).
- (16) الفرقان (57).
- (17) سورة آل عمران (31).
- (18) وسائلالشيعة ج: 15 ص: 308.
- (19) الصحيفة السجادية ص: 20.
- (20) شرحنهجالبلاغة ج: 20 ص: 69.
- (21) وسائلالشيعة ج: 16 ص: 172.
- (22) بحارالأنوار ج: 27 ص: 54.
- (23) وسائلالشيعة ج: 16 ص: 184.
- (24) بحارالأنوار ج: 7 ص: 222