في ذكرى الغدير
روِّض الشِّعْرَ من لُبَابِ الخَوافِقْ *** واسْتَعِذْ بالإلَهِ مِنْ كُلِّ رَامِقْ
يَا خَليليْ وَ في العناءِ التقاءٌ *** حولَ صَمْتٍ يَحومُ في نَفْسِ عَاشِقْ
سَادِراً و الظُّنونُ ماءُ الحَنَايا *** كَيفَ تُحيي الظُّنونُ قلبَ المُفارِقْ؟
عَجَبي فالعتابُ من فيك يَحْلو *** و هْوَ صَْفوُ الحَياةِ كالنَّهْرِ رَائقْ
هَمْهَماتٌ تَجولُ و النَّفْسُ تحْكي *** مِنْ لِسَانٍ مُتَيّمِ الحُبِّ صَادِقْ
في مَرايا تَأمُّلٍ و انتباهٍ *** أَمَنَ الدَّهْرُ شَرَّهَا و الطَّوارِقْ
طالَ هَمْسٌ و لَيْسَ للوَصْلِ أَمْسٌ *** فَكَأَنَّ الْزَّمانَ في الهمْسِ غَارِقْ
و كلامٌ يجرُّ أحْلى كلامٍ *** وابتسامٌ يظلُّ في القلبِ عَالِقْ
وَشْوَشَاتُ الحَنينِ تَرنيمُ طَيْرٍ *** فوقَ أَيْكٍ مُعَطَّرِ الزَّهْرِ عَابِقْ
و رَذَاذُ النَّدى على الزَّهْرِ ثَغْرٌ *** للبِتِلاَّتِ في حَنينٍ يُعَانِقْ
نظرةٌ فابتسامةٌ فانفعالٌ *** فرواءٌ بأعذبِ الماءِ دافقْ
و ورودٌ تفوحُ أزكى عَبيرٍ *** و ثمارٌ تطلُّ من كفِّ عاذقْ
و عيونُ المَها كلامٌ و شعرٌ *** ما روى سحرَها مدى العمرِ ناطِقْ
قلت يا خلُّ فاستمعْ نبضَ قلبي *** و حديثُ القلوبِ يا صاحِ شائقْ
قيلَ أنَّ الغديرَ عيدٌّ بهيجٌّ *** يملأُ الأرضَ غربَها و المَشَارقْ
فرحةٌ مَا رَعَتْ جنونَ اشتياقي *** و حنينا لروضةِ العطرِ سَابقْ
كنتَ من فيضِ نبعِه مُستزيداً *** شارباً منْ هَواهُ أو كنتَ ذائقْ
شَطُّهُ البَحْرُ في عَطاءٍ و بِرٍّ *** و مدى الدَّهرِ لنْ ترى البِرَّ نافق
يا غديرَ الحبيبِ رِفْقا فقلبي *** آثرَ الوَصْلَ دونَ كلِّ المَناطقْ
نحوَ خمِّ العُلا نبيُّ البَرايا *** سَار بالنَّاسِ في رحيبِ الفَيَاهِقْ
مُشْرِقَ الوَجْهِ في صفاءِ انشراحٍ *** و يقينٍ مُيَسَّرِ الخَطْوِ واثق
جاءَ بالأمرِ من إلهٍ عليمٍ *** ليتمَّ النعيمَ بينَ الخَلائقْ
رَفَعَ الكَفَّ عَاليا في شُموخٍ *** مثلَ سيفٍ مُجَرَّدِ الغِمْدِ دَالِقْ
ثمَّ خَصَّ الوَصِيَّ أَمْراً خَطيراً *** أوغلَ الحقدَ في خيالِ المنافق
قالَ مَن كانَ يَرتضيني نبيّاً *** و لنهجي مصاحباً و المُرافق
فعليٌّ إليه أضْحى وليّا *** و هو بالأمرِ مُستحقٌ ولائقْ
و جديرٌ بكلّ مجدٍ أثيلٍ *** سارَ كالنَّجم في ذرا العِزِّ سامِقْ
باتَ ذُخْراً لِمَنْ يَرَاهُ ادِّخاراً *** و سِنَاداً لحادثاتِ المَهَارِقْ
حارَ فيه الزّمانُ طوراً فغالى *** بعضُهم و انطوى بمثواهُ ذالق
و قلاهُ اللئيمُ يا بئس قلبٍ *** كان بالحقدِ مظلمَ النَّفسِ حانقْ
و تردّى بالعارِ و النّارِ طاغٍ *** لودادِ الوَصِيِّ شَاءَ العَوائِقْ
حارَ فيه الزّمانُ و البَعْضُ أَمْسَى *** مثل حالي متيّمَ الوجدِ عَاشِقْ
فهْوَ سِرٌّ يَطَالُ أَقْصَى كَياني *** و ضُلُوعي و خَافِقي و الرَّوامقْ
وَ هْوَ كَالدَّمِّ سائرٌ في عُروقي *** بَلْ هُوَ الرُّوحُ نبضُها في الخوافقْ
يا عليٌّ و ألفُ عينٍ بقلبي *** غيرَ أنَّ الهَوى بذكراكَ شائق
لستُ أرجو سِواكَ مَا طالَ عُمْري *** بين طفلٍ و راشدٍ أو مُراهق
أنت في طينتي و في بَدء نشْئي *** عالمَ الذرِّ قبلَ خَلْقِ الخَلائقْ
أنتَ لولاكَ ما برى اللهُ شمساً *** تهتدي من هُداك بين المَشارقْ
و سُهولاً مأهولةً أو جبالاً *** و نعيماً مُزدانةً أو حَرائقْ
أنتَ لولا عَطاكَ بينَ البَرايا *** ما شدا صادحٌ و لاطافَ بارقْ
أنتَ لولا هواكَ بين الحَنايا *** ما بدا للضَّلالِ و الحقِّ فارقْ
يا وليّي و نِعمتي و اكتمالي *** و مَلاذي و مَلجئي في الطَّوارقْ
و مُعيني مِن الكروبِ اللَّواتي *** صرتُ مَابينهنَّ رِهْنَ الصَّواعِقْ
جئتُ و الرُّوحُ في رَجاءٍ و قَصْدٍ *** و هي تشكو إليك يا خيرَ راتقْ
جئتُ في جُعْبتي سوادُ الخَطَايا *** و ذُنُوبي و مُردياتُ البَوائق
و ضياعٌ يلفُّ أوتارَ قلبي *** مثل عبدٍ مشرَّد الخطوِ آبقْ
و هُمومي تزيدُ آلامَ روحي *** في كهوفٍ تمورُ بينَ النَّواعِقْ
و الأمانيْ رَمَسْتُها في لحودٍ *** ما اعتراهُنّ في دجى الليلِ فالقْ
ليسَ لي ما أُعيذُ من شرِّ نفسي *** و الهوى و الورودِ بين المزالقْ
غيرَ حُبٍّ لحيدرٍ أرتجيهِ *** ساعةَ الموتِ و ارتعادِ الفوائقْ
و أراهُ الضِّياءَ في ليلِ قبري *** و رفيقي و مؤنسي في الغواسِقْ
و يداهُ السبيلُ لي في صراطي *** و نجاتي من التهام الحرائقْ
شربةً من يديه فالنَّفسُ ظَمْأى *** ما روى كأسَها مدى العمر داهق
و بروض الجنان منّيت نفسي *** و رياض مبثوثة و النمارق
ليس لي غيرُ حبِّه من شفيعٍ *** و أنا في النعيمِ و الخلدِ واثقْ