الشعور بالواجب أمر لازم للإنسان
قال الإمام زين العابدين عليه السلام: والحمد لله الذي لو حبس عن عبادة معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة واسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: “إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا”ً.1
من أهم الفوارق بين الإنسان والحيوان، أن الإنسان يشعر بالواجب نحو خالقه، ونفسه، وأسرته، ومجتمعه، وأنه محاسب عليه، ومعاقب لو فرط بشيء منه، وإن نهض به، وأداه على وجهه عاد عليه بالخير دنيا، وآخرة.2
وفي الحديث القدسي: “ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه”3، ومن جملة ما افترضه سبحانه على عباده الشكر له، ومن آياته: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) النحل:114.
وأفضل أنواع الشكر ترك المحرمات، وفي طليعتها كف الأذى عن الناس، وأدناها أن يعرف الإنسان أن ما به من نعمة فمن فضل الله، وطوله، لا من حول المنعم عليه، وقوته، قال الإمام الصادق عليه السلام: “شكر النعمة اجتناب المحارم4، من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدى شكرها”.5
ولا يستخف بشكر النعمة، والمنعم إلا الذين يتصرفون تصرف البهائم لخروجهم من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية، فالإنسان يتصرف عن عقل، وعلم، وتجربة، وتفكير، وتصميم، والحيوان يتصرف بغريزة تقوده آلياً، وتلقائياً إلى ما يضطر إليه في حياته، وبقائه، ولا يعرف بالتحديد أين يذهب؟ ولا ماذا يفعل، أو متى يعود إلى حظيرته؟ تماماً كالسيارة يقودها السائق مع الفرق أن سائق الحيوان من داخله، وسائق السيارة من خارجها، والدليل القاطع على ذلك أن الحيوان لم يتطور، ويتغير في حياته مدى آلاف القرون.
وفي كتاب الطب الروحاني لأبي بكر الرازي: “الحيوان يروث عند الحاجة في أي مكان، وزمان، أما الإنسان فيقهر طبعه لمعان عقلية”.6
ووصف تعالى أهل الجهالة بأنهم: كالأنعام بل هم أضل سبيلا، لأن الأنعام تؤدي ما عليها، وتنقاد لصاحبها أمراً، وزجراً، أما أهل الجهالة، والضلالة فلا يؤدون ما عليهم، ولا ينقادون لخالقهم، وفوق ذلك فإن الأنعام تنفع، ولا تضر، وهم وباء، وأدواء على المجتمع، والإنسانية.
فالحمد لله على ما عرفنا من نفسه، وألهمنا من شكره، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته، ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده، وجنبنا من الإلحاد، والشك في أمره. 7
المصادر والمراجع
1- من فقرات الدعاء الأول من الصحيفة السجادية،
2- في ظلال الصحيفة السجادية / العلامة محمد جواد مغنية ص68،
3- مسند أحمد: 6 / 256،
4- بحار الأنوار: 68 / 32 ح 10،
5- نهج السعادة: 7 / 266،
6- الطب الروحاني: ص 245،
7- كما ورد في الدعاء الأول من الصحيفة السجادية،