يا ليتني عند مثواه أقبله
إني رأيتك و النهداء قاحلةٌ *** على الطلول تناجي دارس الدِّمنِ
عفا الزمان على أحلى مرابعها *** و قد بلى رسمها من حادث المحن
ملاعبٌ للصبا لا زلت تذكرها *** أيام تلهو بلا همِّ و لا شجن
أيامَ شملك مجموع بمن خفقت *** له الضلوع و مشغوف بمفتتن
حينا تناجي هواه أو تنادمه *** كأنك الطير صداح على فنن
و تارة في ذرى الأحلام منطلق *** تعانق الطيف بين النوم و الوسن
فسامك الدهر من هجرانه ندُبا *** تعيي اللبيب و توهي مهجة الفطن
و الرّبع أوحش من أطياف سلوته *** كأنّما تلكم الأيام لم تكن
يا صاح إلفك قد ولّت مذاهبه *** و قلبه غير مأسوف على وطن
لا تسأل الطلل البالي و وحشته *** إن هاجك الحزن عند المدمع الهتُن
و انس الغواني و إن طابت مرابعها *** مهما تضاحك أنس في الخيال جني
و ابرء من الحب إن تاهت معالمه *** عن الحسين بسر منك أو علن
في عشقه الدين و الدنيا قد اجتمعا *** و في سواه الهوى ضرب من الوثن
و ازجر فؤادك عن حب يراوده *** لا يرتضي السبط تشريعا من السُّنن
حوته كل ضلوع الحب عاشقة *** وجدا و ذكراه ملء القلب و البدن
ما العمر دون هيامي في محبته *** و ما الحياة بلا إشراقه الحسَن؟؟
رضعت من صِغَري أصداء ثورته *** و ما رضعت سوى الإيمان في اللبن
و كنت أحمله النبراس مشتعلا *** إن أظلم الليل في أثوابه الدُكُن
يا من لحاني بعنف في مودتهإ *** ن شئت تعذلني أو كنت تعذرني
تستافه الروح عطرا ساحرا عبقا *** في عالم بعبير المسك مقترن
و تلهج النفس و الأشواق تتبعها *** نحو الوداد بقلب للوفاء ثُنِي
و في الشغاف له مليار قافية *** فياضة البوح بالأشعار تلهمني
إني المتيم في فحواه معتقدي *** و في ضميري و في الأفكار و الظُنَن
و القلب يرتع في أرجاء صبوته *** بحبه ما نسى عهدا و لم يخن
إني نذرت حياتي في تأمله *** فهو الوجود الذي بالفضل يغمرني
و هو الطيوف التي في القلب مسكنها *** و ليس لي في سوى لقياه من سكن
أرسيت في بحره شعري و أشرعتي *** و لم تزل في قوافي شطه سفني
في ومضة من جبين الحق ملهمة *** بلوحة العز في الأمصار و المدُن
مهما يرددها التاريخ ناصعة *** كأنّ ردحا من الأدهار لم يحن
لا زال أمنية المحروم منتظرا *** و لم يزل موئل الراجين للمنن
لولاه لولاه ما غنّت حناجرنا *** و لا تطرّب سمع الحاذق اللقن
لولا الحسين و لولا نور جبهته *** ما ضاء دين على الآفاق و الدجن
لولا الحسين و لولا سر ثورته *** دين الإله بسيف المارقين فُني
غنى الوجود على أصداء مولده *** لحن النشيد بصوت مغرم لسِن
و أنشد الكون في آلائه طربا *** شعرا يتيه بلا نقص و لا خبن
اليوم قد ولد المختار فابتهجوا *** و هلّلوا في هطول الغيث و المُزُن
اليوم قد ولد الكرار حيدرةٌ *** و نور فاطم بين العالمين سَني
و لتشربوا من كؤوس السعد هانئة *** فاليوم أشرق نور الله بالحسن
اليوم ما مثله يوم يشابهه *** في خاطر الكون أو في مقلة الزمن
يوم البطولات بل يوم الفداء له *** وقع تردّد في الصولات و الثُكُن
يوم الإباء و نيل العز غايته *** إذ يأنف الذل موسوما على الجُبُن
أنّى التفت تر ومضا و بارقة *** في السهل و الوعر و الأصقاع و القنن
تعلّق المجد في أذياله طمعا *** تعلّقَ الشوكة الخضراء بالأشن
و سافر الفخر في أفياء دوحتهإ *** إلى الكمال بقلب فيه مفتتن
و الكون قد لبس الأثواب أفخرها *** و من وشاح خلود ساحر الردن
كل المجرات صلّت نحو قبلته *** و طاف حتى هبوب الريح و السَفَن
يا روضة كشميم المسك تربتها *** و يا ضريحا بقلب العاشقين بُنِي
و قبة كهلال العيد ضاحكة *** تقول يا سعد من يأتي و ينظرني
يا سعد من قبّل الأبواب في فرح *** و غبطة و سرور و الفؤاد هني
يا زائرا قبره و الروح في شغف *** تطوي الدروب بلا ريث و لا غضن
احمل سلامي من الأعماق أنظمه *** شعرا و في الشعر أشواق تتيمني
و احمل رسالة حب كل أسطرها *** :” إني عشقتك من مهدي إلى كفني “
تعز روحي بساع البذل غالية *** و في لقاك أراها أرخص الثمن
لله حسبي على من بات يبعدني *** و عن زيارتك الغرّاء يمنعني
يا ليتني بضريح المسك منتشق *** أبثه من صروف الدهر و الشجن
يا ليتني عند مثواه أقبله *** شوقا و من عطفه الميمون يغمرني
يا ليتني قلتها و الروح شاهدة *** مدى الحياة فليت ” الليت” توصلني !!