جراح رملة
توَسّدَ غبراءَ الحروبِ فتاها *** لينزعَ من عيني فتيلَ سناها
و يستلَّ من روحي تمائمَ سعدِها *** و يمحضَها نزفاً يطيلُ جواها
فألبسُ من ديمومةِ الحزنِ معطفا *** ينازعُ أمّ الحادثات رداها
و بعضُ تباريح الأمومةِ علقمٌ *** متى الليلُ أرخى للهموم شجاها
يسائلني قلبي و أعلم أنه *** ظميئ و روحي لا يغور ظماها
يفتتني والشوقُ يعصف مهجتي *** ويعصرُ مني أضلعي و حشاها
أحنٌ لقنديلي و شمعة ظلمتي *** و بدرَ سمائي لو يطولُ دجاها
إلى قاسمٍ أهفو و هل مثلُ قاسمٍ *** وجمرتُه في القلبِ زاد لظاها ؟
تقاطرَ حزنا ليس يسكن رجعُه *** فتمزجُ عيني ماءها بدماها
أقاسمُ نبضي لو دريتَ مفارقٌ *** وقلبي تداعى في هواك و تاها
فيا ليتني أحظى بلقياك ساعةً *** فتخبو همومٌ للشغافِ جذاها
و ترفو غداة الوصل ثوب حشاشة *** لها البين ما بين الجراح كساها
و هل نظرةٌ تحيي المواتَ بأضلعي *** فتزهِرُ مني خافقا و شفاها
فأنت ملاذي و ابتسام سريرتي *** أيا جنةٌ للروح طابَ جناها
خلت من رؤى عينيكَ دنياي بعدما *** تمثلتَ فيها أرضَها و سماها
و لا زلتُ أرنو للسماء و غايتي *** خيالك ، أرعى بدرها و سهاها
و صوتك شعر لا يزالُ يذيبني *** و يرفعني شمسا يتيه سناها
كما وردةٍ فاحت بأعماقِ مهجتي *** إذا قلتَ : “يا أماهُ” فاحَ شذاها
وقد كانَ يُغريني البقاءُ لأجلِها *** وفارقتُ روحي مُذ جرعتُ أساها
و سارت أموري فرحةً برجائها *** فلم ألتمسْ سعدا بغيرِ رجاها
و أزهرت الدنيا بضحكةِ ثغرِها *** و لفّعني ليلٌ غداةَ نواها
و كالطيف أشواقي تيمّم نحوها *** وركبُ حنيني راحلٌ لهواها
فودّعتُ من آمالِ قلبي سرورَها *** و زهوةَ عمري ليلةً وضحاها
و لم يبق لي في العمر إلا صبابةٌ *** على الشوق والذكرى يراق مداها
فدهرٌ سقاني غصةَ البين منشدا *** أهازيجَ لحنٍ للفراقِ حداها
وطفّ سقاني المرَّ كأسا معجّلا *** على فتيةٍ لله عشقُ هواها
نعاها زمانٌ بالطوارق زاحفٌ *** يشيع صروفَ الغدرِ حين نعاها
نعى من طيوف المجد باكورةَ الهدى *** ودوحةَ عزٍّ لا يُطال عُلاها
نعى قاسما يحكي شجاعةَ حيدرٍ *** و صبرا تناهى من عزيمة طه
و نسغاً من الإيمان أغصانه التقى *** و أوراق طهرٍ بالندى تتماهى
وغيثا سقى بالطفِّ شرعةَ أحمد *** و قفرَ رياض المكرمات رواها
أقاسمُ لو تدري جموحَ مشاعري *** وكيف تضلّ المقلتان كراها ؟
و في الجفن آثارٌ تنمُّ عن الأسى *** إذا أدمعت ماءَ العيون عصاها
و في القلب ، هذا الجرح قد صبّ جامَه *** فآهٍ له مما يصبّ و واها
و آهٍ لروحي بين ذلّ و وحدة *** تناجي على بعد الديار مُناها
و شاخ زماني والجراح تنوشني *** ذئابا جياعا لا تحدّ فلاها
و لو أنصفت بين الهموم كنايتي *** لصرتُ إليها أمّها و أباها