من سياسات أمير المؤمنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى في كتابه المجيد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ * أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ * وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا * وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(1).
ذكر بعض المفسرين أنّ هذه الآية الشريفة تشير إلى أنّه بعد رحيل الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ارتدّ الناس إلى جاهليتهم إلا أربعة، وهم: أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والمقداد وسلمان وأبوذر، وكما أشارت بعض الروايات إلى أنّه روي عن الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) في وصيته إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) والناس حضور حوله: «أما والله يا علي ليرجعن أكثر هؤلاء كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلى أن يغيب عنك شخصي»(2).
وبالرجوع إلى الروايات نجد أنّ كثيرًا منها تتحدث عن وجود اختلاف كبير يحصل بين الأمّة الإسلامية بعد رحيل الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وهذا الخلاف مصيره إمّا النار وإما الجنة، فمن تبع الحق وأعرض عن الباطل دخل الجنة ومن تبع طريق الباطل ومخالفة النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ذهب إلى الهاوية، وكما في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتّبعت يوشع بن نون وصيّ موسى (عليه السلام)، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة بالجنة وهي التي اتبعت شمعون الصفا وصيّ عيسى (عليه السلام)، وتفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصيّ محمّد (صلَّى الله عليه وآله)….الخ»(3).
وقد جاء مضمون هذا الحديث في عشرات المصادر عند الفريقين من الشيعة والسنة.
ومن الروايات التي تدلّ على أن شدّة الخلاف بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ستؤدّي ببعض الصحابة إلى قعر جهنم ما روي في صحيح البخاري عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «يرد علَي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلوون عن الحوض، فأقول يا ربّ أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أعقابهم»(4).
وبغض النظر عن مضمون الحديث وما ينسب فيه إلى الرسول الأكرم إلا أنه يبين ارتداد جمع من الصحابة ودخولهم إلى النار، لا أن جميع الصحابة يدخلون الجنة وأن أفعالهم صحيحة لا غبار عليها، أو من أخطأ فله حسنة! ولقد كان أصعب اختبار مرّ به هؤلاء هو الخلافة، ففيها زَلّت الأقدام وفيها سقط الدين والإسلام لدى البعض.
فمن الواضح أنه من أواخر أيام النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أي قبل ارتحاله إلى الرفيق الأعلى بدأ البعض بالتخطيط لاختطاف الخلافة من صاحبها الذي أوصى إليه النبيّ بها في غدير خُمّ وجعل الناس يبايعونه علنًا في ذلك اليوم الحار المتعب ليبين لهم خطورة هذا الأمر، ومع وضوح الموقف وأحقيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) بخلافة النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) إلا أن نوايا البعض كانت واضحة وجلية في رغبتهم بالانقلاب على أوامر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) والحيلولة دون وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الخلافة، فالموقف الأول الذي كان مقدمة لبروز نواياهم هو مخالفتهم لأوامر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في الالتحاق بجيش غزو الروم الذي كان قائده الشاب أسامة بن زيد فبالرغم من التأكيد الحثيث الذي صدر من النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ليلتحق جميع المسلمين بركب هذا الجيش وأن من يتخلف عنه لهو ملعون عند الله وهو مخالف لأوامر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) الذي روي عنه أنه قال في هذا الأمر: «نفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»(5)، إلا أن جمعًا من الصحابة تخلف عن هذا الجيش، وهنا محطة يجب الوقوف عندها، وهي السبب الذي جعل هؤلاء يتخلفون عن الجيش مع التأكيد الصادر من قبل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) على تنفيذ الجيش.
من الواضح أن روح التمرد والطمع في السلطة كانا سببين رئيسين في تخلف هؤلاء عن تنفيذ أوامر الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، والدليل على ذلك أعذارهم الواهية التي تعذّروا بها والتي كانت تدل على النفاق وأن هناك أمرًا ما قد خفي في النفوس، فإن كان هؤلاء يدّعون طاعة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، فحينما ذهب زيد إلى عيادة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بعد أن شاع خبر مرضه في صفوف الجيش، حثّه النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) على المضي نحو الهدف والمسير الذي خطّه له وقال له: «اُغد على بركة الله»، فلماذا لم ينصاعوا إلى أوامر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ حتى أنّهم لم يكتفوا بالعصيان وحسب، بل تسبّبوا في عرقلة حركة الجيش إلى أن منعوه من الذهاب بحجّة أنّ النبيّ يحتضر! الموقف الثاني الذي كان شاهدًا على نوايا هؤلاء الصحابة بالتخطيط لغصب الخلافة من مستحقها -الذي أوصى له النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في غدير خمّ- هو الحيلولة دون كتابة الوصية التي تحمّل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) شدّة الألم ليصون الأمّة من التردّي والانحراف عن الجادة فقال: «اِيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابًا لن تضلوا من بعده» قال عمر: إنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، فقال (صلَّى الله عليه وآله): قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع.
فخرج ابن عباس يقول: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه»(6)، من هذا الموقف يتضح أن لنا أن هناك شيئًا مختزلاً في القلوب، فالنبيّ يريد أن يوصي وهذا الرجل يمنعه ويقول (غلبه الوجع!)، وهذا الكلام خطير؛ لأن فيه نسبة (الخرف) -والعياذ بالله- إلى الرسول (صلَّى الله عليه وآله) يستدعي احتمال خروج النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) عن [الجادة] وأنه يفتي بغير علم ولا وحي، ثانيًا قوله: «عندنا كتاب الله حسبنا»، يعني أن كل ما قاله النبيّ حال حياته لا طائل منه فما وجد في القرآن وكفى! وعليه فوجود الرسول لم يكن له سبب.
وأمّا الموقف الثالث هو حين ارتحل الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى وهو في حجر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حتى ماجت المدينة بأهلها من هول هذا الخبر، فاجتمع الناس حول بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وكان معهم عمر بن الخطاب إلى أن قدم أبو بكر من (السنخ) وأسرعا مع بعض أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة بعد أن سمعا بوجود اجتماع طارئ قد حصل في السقيفة فيما يخص الخلافة بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وفي السقيفة اجتمع جمع من الصحابة والأنصار، وقال عمر مخاطبًا الأنصار في السقيفة: «لا ينبغي للعرب أن تولي هذا الأمر (أي الخلافة) إلا من كانت النبوة فيهم وألو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب حجة ظاهرة»(7)، وهذا الدليل الذي احتج به عمر لنيل الخلافة من بعد رسول الله من الأولى أن يطبّق على أمير المؤمين علي (عليه السلام) ولكنهم طبقوه على من يحبون، فكان في شريعتهم أن من يخالفهم في هذا جزاؤه القتل كما حصل مع سعد بن عبَادة حينما رفض البيعة، وطؤوه فقال: «قتلتموني، فقيل له: اقتلوه قتله الله، فنقل إلى داره وهو على تلك الحال ثم بعث إليه أبوبكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من عشيرتي وأهلي، ولا والله لو إن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي، فلما أتى بذلك أبو بكر قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال بشير بن سعد: إنه قد أبى ولجّ، وليس يبايعك حتى يقتل»(8).
أجل فقد استغل هؤلاء انشغال الإمام علي (عليه السلام) وبني هاشم في مراسم تجهيز النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وانسلّوا من مراسم التجهيز إلى السقيفة التي كان الاستغلال بالرأي فيها سيّد الموقف ناهيك عن استخفافهم بوصايا الرسول التي أمر فيها باتباع العترة الطاهرة، وكما قالت السيدة الزهراء حين هجما عليها الدار: «لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقّنا»(9).
ومن هذه الكلمات التي خرجت من ريحانة ونفس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يتضّح لنا مدى الإقصاء الذي تعرض له أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وهنا أحببت أن أتعرض إلى جملة من المواقف التي تبين سياسة الأمير التي اتخذها (عليه السلام) بعد حياة الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، فبعد كل هذه الحوادث والانقلابات ما هو الموقف الذي كان عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ هل بايع هؤلاء أم قاتلهم ورفض حكمهم أم ترك الأمّة تسرح وتمرح كيف ما تشاء؟ من الواضح من مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يكن طامعًا في الحكم والخلافة كما كان ذلك عند غيره من الصحابة، بل كان هدف أمير المؤمنين وهمه الأكبر أن يقوم بتكليفه الشرعي من المطالبة بحقه ومن إقامة شرع الله (عزَّ وجلَّ)، وعلى هذا هل كان مسير المواقف واحدًا؟ أم كان متغيرًا بحسب المستجدات؟ الموقف الأول: بعد إقصاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وحادثة السقيفة، وتأمير الأول خليفة بعد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) كان من الواضح أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مستعدًا ليضحّي بنفسه من أجل استرداد الحق المنهوب، ولكنه لم يفعل ولم يكن ذلك من دافع الخوف، فحاشا أمير المؤمنين أن يخاف من الموت وهو الذي ضحّى بنفسه الطاهرة فداءً لرسول الله في حياته، فكيف لا يضحّي بها بعد مماته وذلك لحفظ رسالة الرسول، فلو ضحّى بها من أجل الخلافة لما كان بعده من طريق إلى الحسنين في الخلافة وهما طفلان، فهنا يمكن أن نتصور للأمير ثلاث طرق عليه أن يختار إحداها، إما المقاومة المسلحة ودفع الناس والصحابة الأجلاء إليها، أو أن يبايع دون ممانعة كبقية المسلمين، أو أنه يأخذ موقفًا معتدلاً من المعارضة، فلو رجعنا إلى مواقف الأمير لاحظنا أنه في نفس الوقت الذي لم يسل سيفه من غمده على الخليفة الجديد إلا أنه عارضه وبشدة حتى هجموا عليه في داره وروعوا زوجته ريحانة رسول الله التي قال عنها (صلَّى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني»(10).
وأُتي به قهرًا إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، فقيل له بايع أبا بكر، فقال: «أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم… إلى أن قال: أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وتأخذونه منا أهل البيت غصبًا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد (صلَّى الله عليه وآله) منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الأمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار نحن أولى برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حيًا وميتًا فأنصِفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعرفون، إلى أن قيل لأمير المؤمنين: إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم، ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك…»(11).
هذه المقولة ترجع بنا إلى اليوم الذي نصّب الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) فيه أسامة بن زيد قائدًا لزمام جيش المسلمين ضد الروم وهو شاب حدث السن وجعل تحت إمرته كبار الصحابة سنًا، وكأنّما كان الرسول (صلَّى الله عليه وآله) يريد أن يعطي الناس رسالة مفادها أنّه لا ضير في القائد إن كان صغير السن ما دامت خبراته تؤهله للقيادة، ولكنّ النزعة الجاهلية لدى القوم تحتّم عليهم التمادي في طرح المعادلات المغلوطة، وهكذا بقي أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكّرهم بأحقيته بالخلافة منهم حتى قال إليهم (عليه السلام) بعد أن ذكّرهم بحديث الثقلين: «لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أذكّركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما»(12)، وكان يعني بقوله: القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين ونفس أمير المؤمنين، وقد أوضح الأمير (عليه السلام) مظلوميته للناس حين قال: «فلما اكتمل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) مدته من الدنيا توفاه الله وهو مشكور سعيه مرضي عمله، إلى أن قال (عليه السلام): فلما مضى تنازع المسلمون الأمر بعده، فو الله ما كان يلقي في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر عني، فما راعني إلا إقبال الناس على أبي بكر، وإجفائهم عليه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد (صلَّى الله عليه وآله) في الناس ممن تولى الأمور عليّ، فلبثت بذلك ما شاء الله، حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام -وهذا يدل على الفساد والظلم الذي جعل الناس يتمردون على الإسلام- يدعون إلى محو دين محمد ومِلّة إبراهيم (صلَّى الله عليه وآله)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى في الإسلام ثلمًا وهدمًا، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولاية أمركم، التي إنّما هي أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر وبايعته، نهضت معه في تلك الأحداث حتى زهق الباطل»(13).
وهكذا بقي الأمير (عليه السلام) يوضح قواعد الدين وأحكامه الصحيحة كلما سنحت له الفرصة، بعد أن كانت تقدم الاعتبارات القبلية على النصوص الشرعية، أو تفسّرها بما ينسجم مع النزعة القبلية، فكان (عليه السلام) ميزان القضاء والإفتاء في شؤون الحياة الإسلامية في عهد أبي بكر وما تلاه من فترات حكم الخلفاء من غير أهل البيت، كما ووقف علي (عليه السلام) ليدافع عن المدينة ويصدّ هجوم المرتدين عن الإسلام ومعه الصفوة من الصحابة الذين ساندوه في محنته(14).
وقد جاء في الخطبة الشقشقية عن الأمير واصفًا هذه حكم الأول: «أمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قحافة وَإنّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْبًا وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحًا وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْبًا حَتَّى مَضَى الأوَّلُ لِسَبِيلِهِ».
الموقف الثاني: وهو حين نُصّب الثاني خليفة على المسلمين وقبض على زمام الحكم بقوة وشدة وكان إقصاء بني هاشم من أي رأي أو حكم، وكان الحكم هذه المرة نظامًا دكتاتوريًا مطلقًا، محتكرًا للسلطة، شديد القسوة في التعامل مع الناس، لا يعرف إلا البطش لفرض الهيمنة والهيبة، وأمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فاكتفى بنصح هذا النظام؛ وذلك لحفظ الرسالة المحمدية والأمّة الإسلامية من الضياع والهلاك من أفعال مثل هذا النظام، فقد أدّى (عليه السلام) ما عليه من تكاليف في التعليم والتفقيه والقضاء في كل موطن كانت تسنح له الفرصة بذلك، ونظرًا لتوسّع رقعة البلاد الإسلامية في هذه الفترة الزمنية حدثت العديد من المسائل الشرعية التي عجز عن الإجابة عنها الصحابة إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى شهد له العدوّ بذلك وقال فيه عمر: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(15)، وذكر أنه أراد أن يرجم امرأة مجنونة اتهمت بالزنا، فردّ الإمام علي (عليه السلام) قضاءه، وذكّره بحديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل»، حينذاك قال عمر: لولا عليّ لهلك عمر(16).
الموقف الثالث: وهو في أواخر حياة الثاني في محنة بدعة الشورى، فقد أُمر بحبس الإمام علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله على أن يتشاوروا فيختاروا رجلاً منهم للخلافة، وفي هذه الحادثة شهد عمر أيضًا بأحقيّة أمير المؤمنين بالخلافة حين قال: «وإنّك أحرى القوم إن وليتها -أي الخلافة- أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم»، طبعًا إنّ هذه اللعبة -الشورى- كان فيها نوع من الذكاء لخداع عامة المسلمين، وفي نفس الوقت كانت فاضحة لكذب مفتعليها والتناقض الكبير الذي يعيشونه، وأبرز مثال على ذلك هو حينما استدعى عمر هؤلاء الصحابة بدعوى منه أن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قد مات وهو راضٍ عنهم وأنهم من أهل الجنة!، ثم يخاطبهم ويقول: والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع أنك رجل حرب، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنّك فرعون هذه الأمّة، وما يمنعني منك يا زبير إلا أنّك مؤمن الرضا كافر الغضب، وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته…إلخ(17)، فأين الجنة إذا كان هؤلاء يحملون هذه الصفات؟ ولو فرضنا عدم وجود هذه الصفات فعمر أمر بقتل هؤلاء الستة إن لم يتوصلوا إلى اتفاق بينهم، وهل عدم التوصل إلى توافق مبرر لقتل من قال فيهم النبيّ أنهم من أهل الجنة وأنه (صلَّى الله عليه وآله) مات وهو راض عنهم…، ثم إنّ عمر لم يجعل في بدعة الشورى أي مصداق للشورى، فقد كانت خطة محكمة لم يشارك في وضعها مسلم من المسلمين، ولم يكن من أطرافها الأنصار، وكان أفرادها منتخبين دون استئذانهم حتى، بل ومع التهديد بالقتل في حال الرفض، فأين التشاور والشورى فيها؟ ولو رجعنا إلى المنتخبين في هذا المجلس وأضفنا الشرط الذي ذكره عمر لوجدنا أنه ينحصر أمر الخلافة في عثمان، أو لا أقل عدم وصول الأمير، وهو المخطط إليه، كيف؟ طلحة، من الواضح أنه سيكون في قبال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؛ لأن الإمام خالف أبا بكر في الخلافة مخالفة شديدة وهما -طلحة وأبوبكر- من نفس القبيلة.
عبد الرحمن وسعد، وهما أبناء عم من قبيلة بني زهرة، ولهما نسب مع عثمان حيث إن عبد الرحمن صهر عثمان (النتيجة وقوفهما إلى عثمان في حال تنافسه مع الأمير).
شرط عمر وهو قوله: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن.
إذًا، عبد الرحمن بن عوف وعثمان مع بعضهما ومعهما سعد -الذي لا يردّ لابن عمه طلبًا- فالخلافة ستكون لأحدهما، فحتّى لو وقف الآخران مع أمير المؤمنين، لا ينفعانه لوجود شرط عمر المتقدم ذكره.
أمّا أمير المؤمنين فقد علم بهذه الخطة وأنه قد أقصي مرة أخرى عن الخلافة الموصى له بها، وأنّ القوم قد تآمروا عليه، فحينما خرج الأمير من عند عمر تلقّاه عمّه العباس، فبادره قائلاً: «ياعم، لقد عُدِلَت عنّا» -أي الخلافة-، ثم شرح الأمير إلى عمّه ما خطط له القوم(18)، ومن الصلاح الذي كان في دخول الأمير إلى الشورى أنه بيّن جانبًا آخر من التناقض في نهج عمر، حيث إنهم قالوا للإمام (عليه السلام) حين وفاة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «لا تجتمع الخلافة والإمامة في بيت واحد والآن أهّلوه لها! حيث قال الأمير في هذا: ولكنّي أدخل معهم في الشورى؛ لأن عمر قد أهَّلني الآن للخلافة، وكان قبل ذلك يقول: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: إنّ النبوة والإمامة لا يجتمعان في بيت، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته»(19)، وقد وصف الإمام حكم الثاني في خطبته الشقشقية حيث قال: «حَتَّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطاب بَعْدَهُ” ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الأَعْشَى “شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِ، فَيَا عَجَبًا بَيْنمَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَالاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاس لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْن حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ».
الموقف الرابع: حكم عثمان وموقف الأمير منه، حيث كان الفساد والظلم العلنيان هما المسيطر الوحيد على سياسة النظام الجديد، فقد كان التفريق بين طبقات المجتمع جلي، فالفقير لم يكن له إلا الفتات والغني من نصيبه التخمة، غير أن الخليفة الجديد كان لديه تحيّز كبير لقبيلته فنصّبهم في مراكز عالية من الدولة دون أن ينظر إلى خبرتهم أو علمهم، بل إنه استعمل أمثال الوليد بن عقبة الذي أخبر عنه النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنه من أهل النار، وقد نزلت فيه آيتان الأولى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، والثانية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وقد روى ابن عباس حديثًا في نزول الآية الأولى مفاده أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنا أحدّ منك سنانًا، وأبسط منك لسانًا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنـزل {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا…الآية}، قال: يعني بالمؤمن عليًّا، وبالفاسق الوليد بن عقبة»(20)، وأمّا الآية الأخرى فقصتها مشهورة وقد رواها البخاري وجاءت في تفسير بن الكثير، و بعد كل هذا الكلام يأتي الخليفة وينصب هذا الرجل ليس لشيء سوى أنه يكون أخاه لأمّه، وقد استشرى الثراء في صوف بني أمية في هذه الفترة حتى أثرى الخلفية بني أمية ثراءً فاحشًا، وكل هذه الأموال منهوبة من بيت المال، الأمر الذي جعل خازن بيت المال يستقيل من عمله علنًا، أمّا موقف الأمير (عليه السلام) فقد اختلف هذه المرة، فالآن أصبح الفساد في الدولة بشكل سافر وعلني، مما جعل الأمير (عليه السلام) يسفر أيضاً عن معارضته لهذا النظام المتظاهر بالفسق ويعلن رفضه واستنكاره مما يحصل بالقول والفعل، فقال (عليه السلام): «إلى أن قام ثالث القوم ناجفًا حضنيه بين نثيله ومعتلف، وقام معه بنو أمية يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فقتله، وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته»(21)، وحين أمر عثمان بنفي أبي ذر (رضيَّ الله عنه) إلى الربذة ومنع الناس من توديعه، خرج الأمير (عليه السلام) مخالفًا أوامر عثمان ومعه الحسنان وعقيل وعبد الله بن جعفر لتوديع أبي ذر فاعترضهم مروان ابن الحكم فثار الإمام على مروان، وضرب أذني دابّته وصاح به: «تنحّ نحاك الله إلى النار»(22)، ولشدة وطأة هذا الحكم على الناس قام البعض بقتل عثمان أيَّما قتلة، وأما دفنه فقد كان دفنًا لا يحسد عليه فلم يُصلَّ عليه إلى قبل دفنه بلحظات، حيث عارض رجال من الأنصار الصلاة على عثمان، وحملت جنازته بسرعة لدرجة أنه سمع وقع رأس عثمان على اللوح حتى دفن في(حش كوكب) وهي منطقة تلي البقيع فدفن هناك ولم يلحد بلبن(23).
الموقف الخامس: وهو حين أتى الناس بعد مقتل عثمان ليبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فيحنها تدافع المسلمون ليبايعوا الأمير خليفة لهم بعد عثمان، قابلهم الأمير (عليه السلام) بالرفض والتردد في قبول بيعتهم، وقد يفسر هذا الوجوم والتردد في قبول الخلافة بأن الأمير كان يريد أن يبين للناس خلاف ما قال عمر فيه في قضية الشورى (وما يمنعني منك يا علي إلا حرصك عليها -أي الخلافة-) فالإمام (عليه السلام) بهذا الرفض قد بين للناس أن الخلافة ليست الهدف الذي كان ينشده بل كان يبحث عن مصلحة المسلمين، وحفظ شريعة سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله)، والوحدة التي تحفظ كيان الأمّة، فقال لهم أمير المؤمنين: «لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم فمن اخترتم رضيت به فاختاروا»، وهذا لكي لا يقول قائل بأن الإمام (عليه السلام) قد فرض نفسه على المسلمين كما فعل من سبقه، بل جعل الخيار بيد الأمّة، وأعطاهم يومًا ليتفاكروا في أمرهم مع أنه الموصى له بها من قبل الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، ولكنّ الأمّة هذه المرّة قد عرفت أن الخلافة لا تليق إلا بأبي الحسن (عليه السلام)، فتزايد عدد الناس على أمير المؤمنين حتى قال (عليه السلام) في وصف الاحتشاد: «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينثالون عليّ من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشقّ عاطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم»(24)، وفي الوقت نفسه الذي اجتمع الناس حول أمير المؤمنين كانت هناك أيدٍ خبيثة تحاول اغتصاب الحق من جديد، والتلبس بلباس الإسلام؛ من أجل الصعود على رقاب المسلمين؛ لذلك قبِل الإمام (عليه السلام) أن يكون خليفة وذلك لحفظ بيضة الإسلام من العبث بها، فقال (عليه السلام): «والله ما قدمت عليها -وهو يعني الخلافة- إلا خوفًا من أن ينزو على الأمّة تيس علج من بني أمية فيلعب فيّ بكتاب الله عزّ وجلّ»(25).
وكان قول الإمام في محله فإن اجتماع الأمّة على مبايعة أمير المؤمنين لم يثن البعض من أمثال: سعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وقدامة بن مضعون، وأسامة بن زيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم، من التخلّف وخرق إجماع الأمّة، بل إنهم فتحوا باباً جديدًا للفتنة وشقّ صفّ المسلمين.
الموقف السادس: هو موقف الأمير من بني أمية، ومحاولتهم الجديدة لسلب الخلافة منه، حيث كان لبني أمية في عهد عثمان المنزلة والوجاهة والمناصب الراقية في الدولة؛ لقربهم منه، وهذا الأمر الذي لا يرتضيه الأمير جملة وتفصيلاً فحكومة الإمام أذلّت رموز الظلم والعدوان ورفعت الحق، فكما أنّ كبار قريش لم يقبلوا بعدل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فكبار بني أمية لم يقبلوا أيضًا بعدل أمير المؤمنين الذي يحدّ من مصالحهم ونفوذهم اللامشروع في البلاد، فأعلنت فئة الناكثين تمرّدها على الأمير، فبدأت زوبعة جديدة من الأحداث التي هزّت كيان الدولة الإسلامية، ومن هذه المواقف هو تمرد عائشة على إمام زمانها وحكم الأمير علي (عليه السلام)، فأعلنت الحرب على الأمير في خطاب ألقته في مكة المكرمة، فقد خرجت على الأمير بحجة المطالبة بدم عثمان والثأر منه، وهي التي كانت تحرّض الناس على قتله وتقول: «اقتلوا نوفلاً فقد فجر -أو كفر على بعض النقولات»، وقد قال فيها عبيد الليثي:
منك البداء ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنه قد فجر
فهبنا أطعناك في قتله وقاتله عندنا من أمر
وهو يقصد بالإمام: عثمان بن عفان(26).
وقامت عائشة بتوجيه خطاب إلى زوجات النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) تطلب منهم الخروج على الإمام علي (عليه السلام)، فحينما خرجت مع طلحة والزبير بعد نكثهم لبيعة الإمام علي (عليه السلام) كتبت أم سلمة لها تنصحها بالعدول عن هذا الأمر، ولكنّ عائشة لم تتّعظ.
وأمّا موقف الأمير من هذه الفتنة هو الحزم فقد كتب إلى عائشة يطلب منها الكفّ عن هذه الفتنة، ولكنّها أصرّت على المواصلة فخرجت ومعها طلحة والزبير وهي على جمل عليه هودج قد ضربت عليه صفائح الحديد، فبرزوا حتى خرجوا من الدور ومن أفنية البصرة، فلما تواقفوا للقتال أمر الإمام علي (عليه السلام) مناديًا ينادي من أصحابه لا يرمين أحد سهمًا ولا حجرًا، ولا يطعن برمح حتى أعذر أعذر إلى القوم، فأتخذَ عليهم الحجة، إلى أن خرج الإمام على بغلة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الشهباء بين الصفين وهو حاصر، فطلب الزبير، فخرج الزبير إلى الإمام (عليه السلام)، حتى إذا كانا بين الصفين اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه، ثم قال الإمام (عليه السلام): «يا عبد الله ما جاء بك ها هنا؟ قال: جئت أطلب دم عثمان.
فقال الأمير: تطلب دم عثمان، قتل الله من قتل عثمان، أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنك مررت بي وأنت مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو متكئ على يدك، فسلّم عليّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وضحك إليّ، ثم التفت إليكَ وقال لكَ: يا زبير! إنّك تقاتل عليًا وأنت له ظالم؟؟ فقال الزبير للأمير: اللهم نعم، فقال الإمام: فعلام تقاتلني؟ فقال الزبير: نسيتها والله ولو ذكرتها ما خرجت إليك»(27).
وهذا الحديث الذي لم ينكره الزبير كان شاهدًا قويًّا على أحقيّة الأمير وظلم الطرف الآخر له، وهكذا بقي الأمير يلقي الحجّة تلو الأخرى على القوم إلى أن قُتل جمع من أصحاب الأمير على يد أصحاب عائشة فقال الأمير حينها: قد والله أرانا أعذرنا، وبدأت الحرب بين الطرفين، وانتهت بالنصر للأمير، وأصبحت الكوفة عاصمة الخلافة الجديدة، وقد كان موقف الأمير في هذه المعركة موقف قوة، ومع ذلك فقد كانت منهجيته منهجية شهمة، فقد روي أن من أوامر الإمام في ذلك اليوم ألا يقاتل مدبرًا ولا يجهز على جريح ولا يكشف سترًا ولا يؤخذ مالاً(28).
الموقف السابع: من المواقف التي كانت لأمير المؤمنين بعد وفاة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) هو مع القاسطين فما برح الإمام أن انتهى من حرب الجمل وفتنتها حتى قام عمر بن العاص بمبايعة معاوية بن أبي سفيان، ووافقه على محاربة الأمير علي (عليه السلام)، فمعاوية لم يبايع الأمير (عليه السلام)، فبعد أن أجمع المهاجرين والأنصار على بيعة الأمير، عندها لم يبقَ أمام معاوية خيار غير أن يبايع أو يتمرد على إمام زمانه، فلمّا علم الإمام من معاوية التمرد قرر أن يسير بنفسه لردع هذا المتمرد الماكر وصاحبه ابن العاص، فتهيأ وأعدّ الناس للسير إلى صفين، وفي هذه المعركة سطّر الأمير مزيداً من مواقف الشهامة، فحين منع ابن العاص الماء عن جيش الأمير أمر الأمير قومه بأن يقاتلوا حتى يصلوا ويستحوذوا على الماء، فلما أصبح الفرات في يد جيش أمير المؤمنين لم يمنع الماء عن الأعداء كما فعلوا، بل قال لأصحابه: «خذوا من الماء حاجتكم، وارجعوا إلى عسكركم، وخلّوا عنهم، فإنّ الله عزّ وجلّ قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم»(29).
وبعدها بقي الإمام يحتجّ على القوم بالكتاب وبالأدلة القاطعة التي لا زيغ فيها مدةً زادت على الشهر، رغبةً منه في الوصول إلى صلح، ولكن هذه المحاولات لم تجدِ، إلى أن سئم الفريقان من الانتظار هكذا، فدارت حرب طاحنة بين الفرقين، أوصى الإمام (عليه السلام) أصحابه فيها أن لا يبدؤوا بقتال كما أوصاهم بذلك في حرب الجمل، فقال لهم: «لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم، فأنتم بحمد الله عزّ وجلّ على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلو بقتيل، فإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترًا، ولا تدخلوا دارًا إلا بإذن، ولا تأخذوا شيئًا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيِّجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم…»(30).
نعم، فكذا كان نَفَس الأمير (عليه السلام) شديدًا في الحرب، ولكنّ شدته لم تناف شهامته ودينه وإسلامه، فقد حيّر عقول المبغضين بشهامته وحكمته ودرايته، فأيّ قائد فعل في حروبه كما فعل الأمير (عليه السلام).
وفي هذه الجولة من الحرب قتل الصحابي عمار بن ياسر، الذي قال فيه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يا عمار تقتلك الفئة الباغية»، ولما قال شبث إلى معاوية قبل نشوب الحرب: أيسرك يا معاوية أنّك أمكنت من عمار تقتله!، فقال له معاوية: وما يمنعني من ذلك!(31)، فكأنّما يقول معاوية لا وصايا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولا غيرها تثنيني عن رغباتي وطلباتي، ولو كان النبيّ أيضًا لقتله هذا السفاح الأموي.
واستمر القتال أيامًا، أظهر خلالها أصحاب الأمير بأسهم وشجاعتهم، ولكن حينما شعر معاوية بقرب الهزيمة لجأ إلى المكر والخداع باسم الدين، فاستخدم خدعة كانت الأولى من نوعها والأشد في أثرها، فأمر أصحابه بحمل المصاحف على الرماح وصاح في جيش الإمام: يا أهل العراق، هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته، من لِثغور أهل الشام بعد أهل الشام، ومن لِثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ صاحَب هذه الخدعة وجود المشككين والخونة وأصحاب الإيمان الضعيف بين صفوف جيش الإمام كالأشعث بن قيس، الذين قاموا بدورهم في عمل الغوغاء في الجيش حتى كثر اللغط وقالوا: نجيب كتاب الله وننيب إليه، عندها حاول الأمير توضيح الأمر للناس وما رفع المصاحف إلا خديعة ومكيدة وكلمة حق يراد بها باطل، ولكن القوم قد تقبّلوا الخدعة بقلوب شرحة وانقلبوا على أميرهم حتى قال البعض له: يا علي-دون أن يذكر لقب الأمير أو ماشابه، وهذا يدل سماجة أخلاق هؤلاء- أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان -من هذه العبارة يتضح أن هؤلاء لم تكن لديهم عقيدة راسخة، فلم تكن لديهم النفسية والقدرة على الانصياع التام لأوامر القيادة الإلهية- ولا يخفى أن جملة هؤلاء أصبحوا بعد هذا من الخوارج، ومع هذا كان البعض من أمثال مالك الأشتر لا يزالون على العهد مع أمير المؤمنين ففي الأثناء كان الأشتر يقاتل قتال الشجعان حتى كاد أن يقتل معاوية، وواصل في القتال فلم ينثن عن هدفه لأنه يعلم أن معاوية خدّاع، ولكنهم حينما رأوا ثبات الأشتر على الحق هددوه بقتل الإمام علي (عليه السلام) إذا لم يوقف الحرب، فعاد الأشتر وهو يؤنبهم ويقول: «خُدعتم والله فانخدعتم ودُعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.. إلى أن قال: وما أنتم بارئين بعدها عزّا أبدًا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبّوه»(32).
ومما زاد الطين بلة أن جيش الإمام لم ينخدع فحسب بل أصرَّ على أن يكون الحَكَم الذي سيواجه مكر بن العاص هو أبو موسى الأشعري الذي كان مهتز العقيدة ضعيف الإرادة، لا طاقة له في الصمود أمام الحيل والمكائد السياسة، فلم يُعرف عنه أنه رجل سياسة، وعند نهاية التحكيم عرفوا أنهم اختاروا الشخص الخاطئ وأنهم خُدعوا، فقد اتفق بن العاص مع أبي موسى على أن يعلن أبو موسى خلع الإمام ويعلن بن العاص خلع معاوية ويجعلوا عبد الله بن عمر خليفة للمسلمين فخطب الأشعري في الناس وعزل الأمير ومعاوية وخطب بن العاص في الناس وأكّد عزل الأمير وثبّت حكم معاوية كخليفة للمسلمين وحينما اعترض الأشعري على بن العاص وقال له: مالَك! لا وفقك الله غدرت وفجرت! إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فردّ عليه عمر: إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، وبعدها قال الأشعري: حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمـننت إليه وظننت أنه يؤثر شيئاً على نصيحة الأمّة، وبعدها توجّه عمر إلى معاوية وبايعه، وبعد هذه الحادثة كان معاوية إذا قام للصلاة قنت ولعن عليًا وابن عباس والأشتر وحسنًا وحسينًا(33).
وأمّا موقف الإمام (عليه السلام) من هذا التحكيم الباطل القائم على الغش والخداع هو الرفض التام وقد بين سلام الله عليه المظلومية التي تعرض إليها حين قال: «ألا إنّ هذين الرجلين -وكان يعني الأشعري وابن العاص- اللّذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحيا ما أمات القرآن، واتّبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجة ولا بينة ولا سنّة ماضية، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين»(34).
الموقف الثامن والأخير: موقف الأمير (عليه السلام) مع المارقين، فبعد قضية التحكيم التي اعتمدت على الخداع قرر الإمام (عليه السلام) مواصلة الحرب ضد معاوية ولكن هذه المرة يوجد طرف جديد في المعادلة وهم الخوارج، هنا سعى الإمام علي (عليه السلام) أن يجعل الخوارج يقاتلون معاوية معه فهم يعتقدون بكفر معاوية، فأرسل إليهم كتابًا طالبًا منهم أن يقدموا معه لحرب الطاغية، ولكنهم أجابوا الكتاب بالرفض والعناد والجهل المطبق مع سياسية التكفير والتخوين، ولكن الإمام واصل نصيحتهم وذكّرهم بأنهم هم الذين قبلوا بالتحكيم وأكرهوه عليه مع رفضه له وإيضاحه أسباب رفضه، وها هو بعد التحكيم يطالب بالقيام على معاوية فلا معنى لخروجهم عليه إلا الجهل والمغالطات.
خروج هذه الفئة جعلت الإمام يغير الخطة القتالية فلا يمكن له التوجه إلى قتال معاوية تاركًا خلفه جماعة مثل هؤلاء يفسدون في الأرض، ففي أثناء توجهه إلى محاربة معاوية، وصله خبر أن الخوارج قتلوا عبد الله ابن خباب فبينما كان يسوق امرأته على حمار له أوقفوه -الخوارج- وسألوه من أنت، قال: أنا رجل مؤمن، قالوا: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: أقول: إنه أمير المؤمنين، وأول المسلمين إيمانًا بالله ورسوله.
قالوا: فما اسمك؟ قال: أنا عبد الله بن خباب الأرتّ، صاحب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقالوا له: حدثنا عن أبيك بحديث سمعه من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، لعل الله ينفعنا به، قال: نعم، حدثني عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنه قال: «ستكون فتنة بعدي، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدن، يمسي مؤمنا، ويصبح كافرًا» -حال الخوارج- فقالوا: لهذا الحديث سألناك، والله لنقتلنه قِتلة ما قتلناها أحداً، فأخذوه وكتّفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متّم -أي قاربت الولادة- فأضجعوه فوق خنزير على شفير نهر -نهر الفرات- فضربه شخص على أم رأسه فسال دمه في الماء، ثم أقبلوا على امرأته، فقالت: إنما أنا امرأة، أما تتقون الله.
فبقروا بطنها وقتلوا أيضا ثلاث نسوة(35)، وبعد أن وصل إلى الأمير خبر هذه الحادثة تيقن أنه لا يمكن أن تترك هذه الفئة دون رادع ودون عقاب، وأن لبقائها خطر على المسلمين، فقرر أن يتوجه بالجيش إلى محاربة هذه الحثالة الخارجة على إمام زمانها، فنزل الأمير ومن معه المدائن، وأرسل إلى الخوارج كتاباً يلقي فيه الحجة عليهم قبل قتلهم ويعاملهم بشرع الله لا العصبية والهمجية، فقال لهم: «ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم، ثم أنا أفارقكم، وأكف عنكم، حتى ألقى أهل الشام».
فبعثوا إليه: إنا كلنا قتلناهم وكلنا نستبيح لدمائكم ودمائهم، ننظر كيف يتعامل هؤلاء بدموية وسذاجةِ فكرٍ أمام إحسان الأمير بهم ورأفته بهم، ومع ذلك خطب فيهم الأمير خطبة يعظهم فيها ويطلب منهم الرجوع عن ما هم عليه ولكنهم أجابوه بالرفض والتكفير له، وحينها عبّأ الإمام أصحابه للقتال، وقبل الحرب أرسل إليهم الأمير راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري، فناداهم أبو أيوب: من جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمن، ومن دخل المصر فهو آمن، ومن انصرف إلى العراق وترك هذه الجماعة فهو آمن، فإنه لا حاجة لنا في سفك دمائكم، وقال الأمير لأصحابه: «كفوا عنهم حتى يبدأوكم»، فأقبلت الخوارج حتى إذا دنوا من الناس نادوا: لا حكم إلا لله، وكانت من شعاراتهم أيضًا الرَّواح الرَّواح إلى الجنة، فشدوا على أصحاب الأمير شدة رجل واحد ثم بدأت رماح الأمير تنهمر عليهم فقال الثعلبي في وصف المنظر: “لقد رأيت الخوارج حين استقبلتهم الرماح والنبل كأنهم معز اتقت المطر بقرونها، ثم عطفت الخيل عليهم من الميمنة والميسرة، ونهض الإمام في القلب بالسيوف والرماح فلا والله مالبثوا فواقا حتى صرعهم الله، كأنما قيل لهم موتوا فماتوا.
وفي هذه المعركة لم يفلت إلا تسعة نفر”(36)، هرب منهم رجلان إلى خراسان ورجلان إلى اليمن ورجلان إلى بلاد الجزيرة وصار رجل إلى تل موزن.
وبعد الانتهاء من أمر الخوارج قرر الإمام (عليه السلام) مواصلة السير إلى محاربة معاوية وأشياعه، فخطب في الناس طالبًا منهم الاستعداد للسير إلى معاوية ومحاربته، ولكنهم قالوا: يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلّت أذرعنا، وتقطعت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا، فارجع بنا نحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة، فإن ذلك أقوى لنا على عدونا(37).
ولكن حينما نزل بهم الأمير إلى النخيلة بدأ الناس بالتسلسل وماهي إلا أيام وإذا بالمعسكر خاليًا إلا من القليل.
حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ولمّا قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بد الهادين، والأمّة مصرّة مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده.
المصادر والهوامش
- (1) آل عمرآن 144.
- (2) بحار الأنوار ج22 488/22.
- (3) الاحتجاج للطبرسي ج1ص263.
- (4) صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض ج3 ص86 / 6193.
- (5) الملل والنحل 1/23.
- (6) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم:114.
- (7) الإمامة والسياسة (طبعة المكتبة الحيدرية)1- ص 25.
- (8) المصدر السابق1 ص 27.
- (9) المصدر السابق1 ص 30.
- (10) صحيح البخاري 3-1144.
- (11) شرح نهج البلاغة ج6 ص 179.
- (12) المناقب 2 – 41.
- (13) الإمامة والسياسة 1 – 175.
- (14) أعلام الهداية 2 – 168.
- (15) بحار الأنوار 148-40.
- (16) تذكرة الخواص: 560-1.
- (17) الإمامة والسياسة:1- 43.
- (18) تاريخ الطبري (طبعة دار الفكر) 5 – 78 حوادث سنة 23هـ.
- (19) شرح نهج البلاغة لابن الحديد 1 – 189.
- (20) كتاب الأغاني للأصفهاني 5- 153 وقال فيه الذهبي: إسناده قوي.
- (21) نهج البلاغة 1-35.
- (22) بحار الأنوار 31-182.
- (23) المعنى جاء في الإمامة والسياسة 64 – 65.
- (24) نهج البلاغة 1 – 35.
- (25) نقله القرشي من أنساب الأشراف للبلاذري 2 – 855.
- (26) الإمامة والسياسة1- 72.
- (27) الإمامة والسياسة1- 29.
- (28) تاريخ الطبري 5-280 سنة 36هـ.
- (29) تاريخ الطبري 5 – 307 سنة 36هـ.
- (30) تاريخ الطبري 5 – 300 سنة 36هـ.
- (31) تاريخ الطبري 5 – 304 سنة 36هـ.
- (32) تاريخ الطبري 6 – 5 سنة 37هـ.
- (33) تاريخ الطبري 6 – 17 سنة 37هـ.
- (34) تاريخ الطبري 6 20 سنة 37هـ.
- (35) الإمامة والسياسة 1- 167.
- (36) الإمامة والسياسة1 – 170.
- (37) المصدر السابق.