ثقافة

طلب العلم في النصوص الدينية

ليس خافياً على أحد أهمّية العلم وطلبه، ولا ينكر أحد مقدار الدعم والتشجيع الذين أبداهما الإسلام لحث الإنسان ليطلب العلم في مختلف المجالات لاسيّما المجالات التي تخدم الأمّة، وعلى رأسها أحكام الشريعة.

وكنّا في القسم السابق قد تحدّثنا حول جملة من النقاط المهمّة في هذا الشأن في فصلين، أحدهما: حول تعريف العلم، وثانيهما: حول العلم في القرآن…

وفي هذا القسم نستكمل بقية الفصول حول الحث على طلبه والغاية من طلبه ونصائح من أهل البيت (ع) لطلابه.

الفصل الثالث: الحثّ على طلب العلم وأهمّيّته في النصوص الدينيّة العلم أوّلاً: أكثر المفسرين يقولون إنّ أوّل ما نزل من القرآن هو قول الله : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[1]، وبذلك نستطيع أن نقول: إنّ “أساس الإسلام أقيم منذ البداية على أساس العلم والقلم”‏[2].

وكان الأمر الإلهي في الآية الشريفة {اقْرَأْ} أمراً بوجوب الحركة نحو العلم والمعرفة والأخذ بسبل التعليم ويكفي لإدراك أهمية طلب العلم أن يكون أوّل ما نزل على النبي الخاتم هو هذه الآيات التي تكرر فيها الأمر بالقراءة، وسواء كان المراد مطلق القراءة أم خصوص قراءة القرآن -حيث اختلف المفسرون في ذلك- فلا ضير في ذلك بعد أن كان القرآن {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[3].

وجوب طلب العلم: ما أكثر النصوص الدينية الدالّة على وجوب طلب العلم إجمالاً، فمنها ما عن رسول الله|، قال:>طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى‏ كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ بُغَاةَ[4] الْعِلْمِ<[5]. “الفَرْض‏: الإيجاب، تَفْرِض‏ على نفسك‏ فَرْضاً، والفَرِيضة الاسم”[6]، والعلم الواجب هو معرفة الله  وصفاته وأفعاله والمصطلح عليه بأصول الدين، ومعرفة أحكامه الإلزامية والمصطلح عليه بفروع الدين، وكلٌ منهما ينقسم إلى فرض عينٍ وفرض كفاية، فهذه أربعة أقسام وبيانها بنحو الاختصار كما يلي:

 1.  الواجب العيني من أصول الدين: معرفة الله وصفاته وأفعاله بنحو يحصل له الاطمئنان بها وتسكن نفسه لصحّتها وإن لم يتمكّن من ردّ الشبهات والإشكالات لعدم معرفته باصطلاحات العلماء.

 2.  الواجب الكفائي من أصول الدين: معرفة ذلك بمستوى ردّ الشبهات وحلّ الإشكالات ودفع المغالطات.

 3.  الواجب العيني من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل -من العبادات والمعاملات- التي يكون في معرض الابتلاء بها والحاجة لها.

 4.  الواجب الكفائي من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل بأدلتها التفصيلية وهو المصطلح عليه في هذه الأعصار بالاجتهاد.

والظاهر أنّ مراده بالفريضة هو فرض العين من القسمين، ولذلك ربما رغب في طلب العلم بقوله|:>أَلا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ<؛ “فإن بغاة العلم وطلبة العلم ظاهر عرفاً في من يكون اشتغاله به دائماً، وكان شغله الذي يعرف به، ويعد من أحواله طلب العلم”‏[7].

ومنها: ما عن الإمام الصادق (ع)، قَالَ: >لا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى‏ يَسْأَلُوا، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ…<[8]. ينفي الإمام السعة للناس -أي الجواز- فالناس في ضيق ولا يمكنهم نسبة اعتقاداتهم وأعمالهم إلى الدين إلا إذا تفقهوا وتعلّموا. وفي حديث آخر سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ:>لا<[9]. كمال الدين والنفس: روي عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال:>أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ والْعَمَلُ بِهِ، أَلا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ<[10].

الحديث عن كمال الدين أي كمال التديّن، ويجدر ذكر نقاط:

 1.  كمال تديّن المؤمن يعتمد على أمرين: طلب العلم، والعمل بما يحصله من العلم، نعم لا يمكن العمل بدون علم فالعلم مقدّم إلا إنّه لا يكفي لتحصيل الكمال.

 2.  صيغة التفضيل (أوجب) تفيد أنّ طلب المال واجب وذلك بمقدار الحاجة المعيشية، وأنّ طلب العلم أشد وجوبًا؛ وذلك لأن الرزق المالي تكفل به المولى  والعلم يحتاج للطلب.

 3.  لا مانع من طلب المال ما لم يمنع من تحصيل العلم الواجب، خصوصاً إذا استعان به المؤمن للإعداد لآخرته. وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع)، قَالَ: >الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ…<[11].

 والكمال في هذا الحديث لم يضف لشيء، والظاهر أنّه كمال نفس المؤمن، وقد جعله الإمام (ع) في ثلاث خصال أولها >التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ<، ونقل عن الشيخ البهائي أنّه قال: “ليس‏ المراد بالفقه‏ الفهم‏ ولا العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة فإنّه معنى مستحدث بل المراد به البصيرة في أمر الدّين والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى والفقيه هو صاحب هذه البصيرة”[12]، ولا يخفى أنّ هذه البصيرة لا تحصل بدون طلب العلم الديني فهو جزء علّة لها.

التفقّه حقّ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي كَلامٍ لَهُ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ:>وَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَفَقَّهُوا<[13].

أي: من الواجب لأنّ “الحَقّ‏ نقيض الباطل. [وقولك] حَقَ‏ الشيء يَحِقُ‏ حَقّاً أي وجب وجوباً”[14].

لا تكونوا أعراباً: “الأَعْرَابِيُ‏ في التّعارف صار اسماً للمنسوبين إلى سكّان البادية”[15]، حال هؤلاء في العادة هو الجهل وإهمال أحكام الدين وتكاليفه حتى قال الله  عنهم: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ}[16]، نعم هذا لا يمنع أن يكون {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ}[17]، وعلى كل حال فإنّ الغالب منهم الجاهلون بأحكام الدين، لذلك كان تارك التفقّه كالأعرابي، فعَنْ أَبَي عَبْدِاللهِ (ع):>تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ، فَهُوَ أَعْرَابِيٌ؛ إِنَ اللهَ تَعَالى‏ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ‏ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}[18]<[19]، وعنه (ع):>عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللهِ، وَلا تَكُونُوا أَعْرَابًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللهِ، لَمْ يَنْظُرِ[20] اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلًا<[21]، وكان أبو جعفر (ع) يقول:>تَفَقَّهُوا وَإِلا فَأَنْتُمْ‏ أَعْرَاب<[22].

 العلماء ورثة الأنبياء: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ الصادق (ع)، قَالَ:>إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَذَاكَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَمًا وَلا دِينَارًا، وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظًّا وَافِرًا، فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإِنَّ فِينَا -أَهْلَ الْبَيْتِ- فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولا يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ<[23].

المراد هنا أنّ العلماء “يرثون منهم العلوم والمعارف والحكم، إذ هذه عمدة ما يتمتعون به في دنياهم، ولذا علّله بقوله: إنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، أي لم يكن عمدة ما يحصلون في دنياهم وينتفع الناس به منهم في حياتهم وبعد وفاتهم الدينار والدرهم، ولا ينافي أن يرث وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال الدنيوية، أو يقال وارثهم من حيث النبوة المختصة بهم العلماء فلا ينافي ذلك كون وارثهم من جهة الأنساب الجسمانية يرث أموالهم الظاهرة، فأهل البيت (ع) ورثوا النبي من الجهتين معاً، على إنّه يحتمل أن يكون الأنبياء (ع) لم يبق منهم خصوص الدينار والدرهم بعد وفاتهم، لكن الظاهر أنّه ليس المراد حقيقة هذا الكلام، بل المراد ما أومأنا إليه من أنّ عمدة أموالهم وما كانوا يعتنون به ويورثونه هو العلم، دون المال وذكر الدينار والدرهم على المثال.

ويخطر بالبال وجه آخر وهو أن يكون المراد بقوله (ع): >أنّ الأنبياء لم يورثوا< بيان الموروث فيه، لأنّه (ع) لما قال: إنّ العلماء ورثة الأنبياء فكأنّ سائلاً يسأل أيّ شي‏ء أورثوا لهم؟ فأجاب بأنّه لم يورثوا لهم الدرهم والدينار ولكن أورثوا لهم الأحاديث، ولذا قال أحاديث من أحاديثهم، لأنّ جميع علومهم لم يصل إلى جميع العلماء، بل كل عالم أخذ منها بحسب قابليته واستعداده، ففي الكلام تقدير: أي لم يورثوا لهم، فيشعر بأنّ لهم ورثة يرثون أموالهم ولكنّ العلماء من حيث العلم لا يرثون إلا أحاديثهم، وهذا وجه وجيه وإن كان قريباً مما مرّ”[24]. وعلى كل حال، فالإمام (ع) يقول أيضاً أنّ >مَنْ أَخَذَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظًّا وَافِراً<.

أصل كل خير: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ الصادق (ع)، قَالَ: >إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً، فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ<[25]. تقدّم أنّ المراد من الفقه في الأحاديث: البصيرة في أمر الدين -وذلك بالتوفّر على الاعتقادات الحقة والإتيان بالتكاليف الشرعية- وهل يمكن لمن افتقر لهذا أن يجد خيراً؟ فالخير في معرفة الله  ودينه والخلل في الاعتقادات ونقصان العمل بالتكاليف شر.

إنّ الخير -قليله وكثيره- متفرّع عن التفقه في الدين ولذلك صح نفي الخيرية عن تارك التفقه، وقد قَالَ الإمام الصادق (ع) لبشير الدهان: >لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَتَفَقَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، يَا بَشِيرُ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِفِقْهِهِ، احْتَاجَ إِلَيْهِمْ[26]، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِمْ، أَدْخَلُوهُ فِي بَابِ ضَلالَتِهِمْ وَهُوَ لا يَعْلَمُ<[27].

حيث إنّ المؤمن وقد علم بتكاليف توجهت إليه من المولى لن يتركها؛ فإن لم يأخذها من أهلها أخذها من غيرهم فيضلّ والعياذ بالله .

والحياة إن لم ترتبط بالله  لا يكون فيها هناء، وتتحول إلى شقاء ذلك أنّه الخالق العالِم بما يصلح شؤون الخلق، فإذا انسجم علم الإنسان وعمله -رؤيته الكونية وحركته السلوكية- مع الكون وأدرك ما يصلح شأنه سَعُد وكان عيشه خيراً، وإذا جهل بالله  أو بأفعاله وأخلّ بتطبيق شريعته لم يمكنه الانسجام مع الكون ولم يدرك ما به صلاحه فيشقى ويكون عيشه كدراً، ومن هنا نفهم ما رواه الإمام الصادق (ع)، عَنْ آبَائِهِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >لا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلا لِرَجُلَيْنِ: عَالِمٍ مُطَاعٍ، أَوْ مُسْتَمِعٍ وَاعٍ<[28].

 فالخير في عيش الدنيا بما تقدم من معرفة الله  وطاعته، وفي عيش الآخرة بالفوز بجواره في جنته، وقد حصر الإمام (ع) نيل ذلك باثنين: العالم المطاع ولا يكون مطاعاً إلا بعد الأمر والنهي عند التبليغ والدعوة إلى الله والعمل بما يدعو له، والمستمع الواعي الذي أخذ عن ذلك العالم وحفظ ما أخذه فهماً وعملاً.

العالم أفضل من العابد: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلى‏ سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ<[29].وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع)، قَالَ: >عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ<[30].

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ‏: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللهِ (ع): رَجُلٌ رَاوِيَةٌ[31] لِحَدِيثِكُمْ يَبُثُّ ذلِكَ فِي النَّاسِ، وَيُشَدِّدُهُ فِي‏ قُلُوبِهِمْ وَقُلُوبِ شِيعَتِكُمْ، وَلَعَلَّ عَابِداً مِنْ شِيعَتِكُمْ لَيْسَتْ لَهُ هذِهِ الرِّوَايَةُ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: >الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنَا يَشُدُّ بِهِ قُلُوبَ شِيعَتِنَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ<[32]. من الواضح أنّ أفضلية العالم على العابد إنّما تكون إذا لم يكن العابد عالماً، وإلا فالعابد العالم أفضل بلا شك، وكذلك الأمر في الراوية كما لا ريب في أنّ العالم إذا لم يكن عاملاً بعلمه لا يستحق الأفضلية.

وقد بيّنت الأحاديث أنّ الأفضلية إنّما تكون من جهة أنّ العالم ينفع بعلمه والراوية يثبت القلوب بروايته لحديث أهل البيت (ع)، فالمراد -والله العالم- أنّ اشتغال العالِم بتحصيل العلم والتعليم خير من اشتغال العابد الجاهل بالعبادة أو من اشتغال العالِم بالعبادة مع ترك وظيفته من إرشاد غيره وتعليمهم.

ذم تارك التفقّه: تعدّدت الأحاديث الشريفة التي تذمّ من يترك التفقه في الدين، وتعددت الجوانب التي طَرق من خلالها المعصومون هذا الباب، فمن جهة أهمية تخصيص وقتٍ للتفقه في الدين ورد عن أبي عَبْدِالله الصادقِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >أُفٍ لِرَجُلٍ لا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِ‏ جُمُعَةٍ لأَمْرِ دِينِهِ؛ فَيَتَعَاهَدَهُ وَيَسْأَلَ عَنْ دِينِهِ<[33].

“أصل‏ الأُفِ‏: كل مستقذَر من وَسَخٍ وقُلامة ظُفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مستخَفٍ به استقذارًا له”[34] و”فيه ثلاث لغات: الكسر والضم والفتح بلا تنوين، وأحسنه الكسر، فإذا نونت فارفع، تقول: أُفٌ‏، لأنّه يصير اسماً بمنزلة قولك: ويل له”[35] والمشهور أنّها تقال للتضجّر ربما استقذاراً للمتضجر منه.

وعلى أيّ حال فالحديث عن عامّة المؤمنين ممن شغلهم المعاش وطلب الرزق عن تعلم مسائل الدين -من الأصول والفروع- حيث يذمّ الإمام (ع) من لا يجعل له وقتاً يتفقه فيه في دينه ويجدد فيه معلوماته الدينية، وذلك بالتواصل مع أهل العلم كما يدل عليه قوله: >وَيَسْأَلَ عَنْ دِينِهِ<، كما يدل قوله: >فِي كُلِ‏ جُمُعَةٍ< على ألا يقل ذلك عن مرّة في الأسبوع.

وفي جهة شدّة النكير على تاركي التفقه يروى عن أبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: >لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتّى‏ يَتَفَقَّهُوا<[36]، وتتضح الشدة في خطاب الإمام (ع) حيث إنّه ذكر الرؤوس دون سائر أعضاء الجسم مع أنّه أشرفها وقد نُهي عن ضربه في الحدود[37]، وقريب منه ما ورد عنه وعن أبيه الباقر‘: >لَوْ أُتِيتُ بِشَابٍ‏ مِنْ‏ شَبَابِ‏ الشِّيعَةِ لا يَتَفَقَّهُ لأَدَّبْتُه<[38].

وفي جهة رجحان التفقه على العزلة روي أنّ رجلاً قال لأَبي عَبْدِاللهِ (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ، رَجُلٌ عَرَفَ هذَا الأَمْرَ لَزِمَ بَيْتَهُ‏ وَلَمْ يَتَعَرَّفْ إِلى‏ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ؟ فَقَالَ: >كَيْفَ يَتَفَقَّهُ هذَا فِي دِينِهِ؟!<[39]، فقد استنكر الإمام (ع) ترك التفقّه في الدين ولم يستنكر العزلة، وفي هذا تنبيه على ما جاءت به الشريعة من مدح الاعتزال مع مراعاة عدم التفريط في الواجبات الشرعية أو المندوبات ذات الأهمية.

ومن هنا يلزم الالتفات إلى مراعاة الأهم فالمهم عند الترجيح بين المتزاحمات، وهذا بنفسه يحتاج إلى تفقه وتعلم، والله الهادي لما فيه الخير والصلاح.

ويحتمل أن يراد بالتفقه في هذا الحديث الشريف خصوص العلم بالأحكام الشرعية؛ وذلك لما ذكره السائل من أنّ الرجل يعرف هذا الأمر أي أمر الإمامة وهي من الأصول كما أنّ معرفته لا تتم إلا بمعرفة ما سواه من أصول الدين، إلا أنه يدفعه أنّ معرفة أمر الإمامة قد تكون إجمالية أو أولية فتحتاج إلى مزيد تعميق وتثبيت، فضلاً عن أنّ كثير من المسائل المتعلقة بأصول الدين مما لا يلامس أمر الإمامة مباشرة فلا ريب أنّ هناك حاجة لتعلمها، والله العالم.

 العلم الحقيقي: ما أكثر أبواب العلم والمعرفة، ولكلٍ منها حاجة، فمنها ما يساعد على التفكّر في الخلق ومعرفة الخالق، ومنها ما تتقدم به الحضارة البشرية ويعمر الإنسان الأرض، ومنها ما يوفّر وسائل الراحة والرفاهية، ومنها غير ذلك.

 ولا ريب أنّ تعلم ما به قوام حياة المجتمعات وحفظ نظامها من الواجبات الكفائية التي تجب بمقدار ما يرفع الحاجة إليها وليس كلّ العلوم كذلك، ومما يؤسَف له أن يصرف الإنسان عمره الثمين في تحصيل علم لا ثمرة فيه لخدمة الإنسانية في الدنيا فضلاً عن أن يكون منتجاً للنجاة في الآخرة، ولا يغيب عن العارف بتاريخ العرب -خصوصاً في الجاهلية- انشغالهم بما لا فائدة فيه من العلوم وبهذا تطالعنا الرواية عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى‏ (ع)، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: >مَا هذَا؟< فَقِيلَ: عَلامَةٌ، فَقَالَ: >وَمَا الْعَلّامَةُ؟< فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالأَشْعَارِ وَالْعَرَبِيَّةِ.

قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ|: >ذَاكَ عِلْمٌ لا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ، وَلا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ<، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ|: >إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ<[40].

انشغال أفراد المجتمع بعلم لا يضمن لهم الفوز في آخرتهم أو على الأقل تقدم مجتمعهم مع إهمال العلوم التي تؤدي لذلك أمر خطير، لذلك كان لازماً على الرسول أن يُرَشِّد هذه الظاهرة وأن يصحح البوصلة، فبيّن أنّ العلم الحقيقي الذي ينبغي اكتسابه هو ما كان فقدانه ضرراً والعلم به نفعاً، وليس ذلك غير علم الدين -بأصوله وفروعه- وقد عبّر عنه بثلاثة أقسام اختلفت أقوال العلماء في بيان المراد منها، ولعل المناسب أنّ الآية المحكمة هي العلم بالأصول الاعتقادية والفريضة العادلة هي العلم بالأحكام الشرعية والسنة القائمة هي العلم بتهذيب الأخلاق، كما نسب للسيد الداماد+[41]، أمّا غير ذلك من العلوم فهو فضل أي زيادة قد تكون مفيدة وقد لا تكون كذلك، وعليه فبعد تحصيل الواجب العيني من المعارف الذي تقدم بيانه لا مانع من اكتساب غيره من العلوم خصوصاً تلك التي تفيد المجتمع وتتقدم بالحضارة، ومن نافلة القول بيان أنّ الترخيص لا يشمل العلوم التي منع منها الشارع وتفصيل ذلك موكول إلى محله.

طريق إلى الجنة: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً، سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلى‏ سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ؛ إِنَ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَلكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ<[42].

خلق الله الجنّة ثواباً لمن عبده وأطاعه، وطاعة الله  لا تحصل بدون علم بالتكاليف -الواجبة ليؤتى بها والمحرمة لتجتنب- فكان العلم بها وبشروطها مقدّمة لحصول الطاعة واستحقاق الجنّة، وبذلك اتضح المراد بالعلم في الحديث، ولا يختص هذا بعلم الفقه؛ لوضوح أنّ العبادات لا تتم بدون معرفة المعبود على وجه يتحقق قصد التقرب والامتثال.

ثم إنّه لعظم خطر هذا العلم وقدره وأهمية طلب العلم تضع الملائكة لطالب العلم أجنحتها ويستغفر له من في السماء ومن في الأرض[43].

أَحبّ عباد الله: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‘، قَالَ: >لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ، إِنَّ اللهَ-تَبَارَكَ وَتَعَالى‏- أَوْحى‏ إِلى‏ دَانِيَالَ: أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، التَّارِكُ لِلاقْتِدَاءِ بِهِمْ؛ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ، اللازِمُ لِلْعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ، الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاءِ<[44].

ما أصعب أن يبذل الإنسان دمه إلا أنّه يبذله في سبيل ما ارتفع شأنه وعلا قدره، وطلب العلم له هذه المنزلة الشريفة والمكانة العالية، ولذلك بيّن الإمام (ع) استحقاق طلب العلم لتحمّل المشاق وتجشم الصعاب باستحقاقه سفك المهج و”المُهْجَة: دم القلب، ولا بقاء للنفس بعدما تُراق‏ مُهْجَتُها”[45]، وخوض اللجج و”لُجَّةُ البحر حيث لا تُرَى أرض ولا جبل‏”[46]، ثم إنّه (ع) ذكر في فضل طالب العلم ما أوحاه الله لنبيه دانيال من أنّ الله يبغض الجاهل المستخفّ بحق أهل العلم من الاقتداء والاتبّاع دون الجاهل المتقي الذي يطلب الثواب الكثير بأدائه لحق العلماء من الملازمة والإتباع لهم والقبول عنهم، فهذا هو أحب عباد الله  إليه، وفي وصف أهل العلم بالحلم والحكمة إشعار بأنّ المطلوب الاقتداء به هو العالم العامل بعلمه لا غيره.

 خيرٌ من الدنيا وما فيها: عن أبي عبدالله (ع) قال :>حَدِيثٌ‏ فِي‏ حَلالٍ‏ وَحَرَامٍ‏ تَأْخُذُهُ مِنْ صَادِقٍ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ<[47]، الكلام في هذا الحديث الشريف عن خصوص علم الفقه والأحكام الشرعية كما هو واضح، وفيه أنّ تعلم حديث واحد في الحلال والحرام أفضل عند الله  من ملك الدنيا وما فيها من الكنوز، ولكن ذلك إذا انتهى الحديث إلى صادق، والظاهر أنّ المراد به أحد المعصومين من أهل البيت (ع) لقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[48]، ويكفي في ذلك اتباع الطرق المعتمدة في نقل الحديث لا أيّ طريق كان. وفي فضل السؤال عن الحلال والحرام قال يعقوب بن قيس البجلي قُلْتُ لأَبي عَبْدِاللهِ (ع): إِنَّ لِي ابْناً قَدْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ حَلالٍ وَحَرَامٍ، لا يَسْأَلُكَ عَمَّا لا يَعْنِيهِ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: >وَهَلْ يَسْأَلُ النَّاسُ عَنْ شَيْ‏ءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ<[49].

 الفصل الرابع: الغاية والهدف من طلب العلم تمهيد: إنّ الغاية والهدف من طلب العلم وثمرة هذا السعي المبارك هي العمل به، وهذا مما لا يغيب عن المطالع في الروايات الشريفة عن أهل البيت (ع)، فقد تكرر منهم (ع) بيانه والتأكيد على خسران من حصّل العلم وأهمل العمل، وقد تلقفه منهم العلماء وسطروه في كتبهم وأكّدوا عليه كما أكّد أئمتهم (ع).

قال الخواجة الطوسي+: “هو [أي العلم] الوسيلة إلى السعادة الأبدية، إن وقع العمل على مقتضاه”[50]، وقال الشهيد الثاني+: “اعلم أنّ العلم بمنزلة الشجرة والعمل بمنزلة الثمرة والغرض من الشجرة المثمرة ليس إلا ثمرتها أما شجرتها بدون الاستعمال فلا يتعلق بها غرض أصلاً فإنّ الانتفاع بها في أيّ وجه كان ضرب من الثمرة بهذا المعنى‏”[51].

والمهم هنا أن نمرّ بجملة من النصوص الدينية لتتضح لنا من خلال مطالعتها محورية العمل كغاية وهدف من طلب العلم.

 العلم والعمل لله : عَنْ أبي عَبْدِاللهِ (ع): >مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ لِلَّهِ[52]، دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً، فَقِيلَ: تَعَلَّمَ لِلَّهِ، وَعَمِلَ لِلَّهِ، وَعَلَّمَ لِلَّهِ<[53]. نعم تقدّم منّا أنّ الغرض من طلب العلم هو العمل به، إلا أنّ هذا العمل المطلوب هو العمل لله ، هذا هو الغرض الحقيقي من طلب العلم وهو الذي تتفرع عنه جميع الأغراض المحمودة الأخرى، ولذلك نجد في حديث آخر عَنْ أَبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >إِنَّ اللهَ يَقُولُ: تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَيْنَ عِبَادِي مِمَّا تَحْيَا عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الْمَيْتَةُ إِذَا هُمُ انْتَهَوْا فِيهِ إِلى‏ أَمْرِي<[54].

 فالمطلوب من طلب العلم أن ينتهي إلى أمر الله ؛ وستحيى به القلوب الميتة وسيثمر الثمرات المباركة، هذا هو العلم الذي يقصده رَسُولُ اللهِ بقوله: >تَذَاكَرُوا وَتَلاقَوْا وَتَحَدَّثُوا؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جِلاءٌ[55] لِلْقُلُوبِ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، جِلاؤُهَا الْحَدِيثُ<[56].

طلبةُ العلم ثلاثةٌ: عن‏ أَبِي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: >طَلَبَةُ العِلْمِ ثَلاثَةٌ، فَاعْرِفْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ: صِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلاسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْفِقْهِ وَالْعَقْلِ، فَصَاحِبُ الْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ مُوذٍ، مُمَارٍ، مُتَعَرِّضٌ لِلْمَقَالِ فِي أَنْدِيَةِ الرِّجَالِ بِتَذَاكُرِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْحِلْمِ، قَدْ تَسَرْبَلَ[57]‏ بِالْخُشُوعِ، وَتَخَلّى‏ مِنَ الْوَرَعِ، فَدَقَّ الله مِنْ هذَا خَيْشُومَهُ‏[58]، وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزُومَهُ[59]‏؛ وَصَاحِبُ الاسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ذُو خِبٍ[60]‏ وَمَلَقٍ[61]‏، يَسْتَطِيلُ عَلى‏ مِثْلِهِ مِنْ أَشْبَاهِهِ، وَيَتَوَاضَعُ لِلأَغْنِيَاءِ مِنْ دُونِهِ، فَهُوَ لِحَلْوَائِهِمْ هَاضِمٌ، وَلِدِينِهِ حَاطِمٌ، فَأَعْمَى اللهُ عَلى هذَا خَبَرَهُ، وَقَطَعَ مِنْ آثَارِ الْعُلَمَاءِ أَثَرَهُ؛ وَصَاحِبُ الْفِقْهِ وَالْعَقْلِ ذُو كَآبَةٍ وَحَزَنٍ وَسَهَرٍ، قَدْ تَحَنَّكَ[62] فِي بُرْنُسِهِ[63]، وَقَامَ الليْلَ فِي حِنْدِسِهِ[64]، يَعْمَلُ وَيَخْشى‏ وَجِلاً دَاعِياً مُشْفِقاً، مُقْبِلاً عَلى‏ شَأْنِهِ، عَارِفاً بِأَهْلِ زَمَانِهِ، مُسْتَوْحِشاً مِنْ أَوْثَقِ إِخْوَانِهِ، فَشَدَّ اللهُ مِنْ هذَا أَرْكَانَهُ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَانَهُ<[65].

صنّف الإمام (ع) طلبة العلم وفقاً لأغراضهم إلى ثلاثة أصناف، فذمّ الأولين ومدح الأخير: فأمّا الأوّل فهو الذي يطلب العلم للجهل والمراء، والجهل نقيض العلم[66] ولعلّ مراده الجهالة وهي أن يفعل فعلاً بدون علم[67]، والمراء الشك والتكذيب[68] وكثيراً ما يستعمل في الروايات ويراد به الجدل بالباطل، وهذا الصنف لا يراعي مقتضى العلم وإن تظاهر بأنّه من أهله.

نعم، فعمله تصنّع الحلم وإثارة المسائل العلمية في المجالس والمنتديات، فهو وإن كان يظهر العمل بعلمه؛ إلا أنّ عمله ليس هو المراد وهو أن يكون العمل لله -كما تقدم- هذا مراده تحصيل الوجاهة بالظهور والتميز بين الأقران وفي نظر العوام، ولذلك يتظاهر بالخشوع وإن كان واقعه خالياً من الورع.

مثل هذا عاقبته سيئة حيث إنّه سرعان ما يفتضح كالذي كُسِر أنفُه فلا يمكنه ستر عيبه وجهله، ويموت ذكره كالذي قطع صدره. وأمّا الثاني فهو الذي يطلب العلم للاستطالة والختل، و”الاسْتِطَالَةُ على الناس إذا هو رفع رأسه ورأى أنّ له عليهم فضلًا في القدر”[69]، و”الخَتْلُ‏: [أن] تخادع عن غفلة”[70]، وهذا في واقعه طالب دنيا، يرفع نفسه ويتعالى على أمثاله من أهل العلم -الذين يجب عليه التواضع لهم- لأنّ طلبه ليس عندهم، بينما يتذلل لمن هم دونه علماً وفهماً من أهل المال والسلطان، فيعطيهم دينه طلباً لدنياهم، ولا تختلف عاقبته عن سابقه حيث لا يبقى شيء من خبره ولا بقية من أثره.

 وفي ذم هذين ورد أنّ أَبا جَعْفَرٍ الباقر (ع)، قَالَ: >مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لأَهْلِهَا<[71].

وأمّا الثالث فهو الذي يطلب العلم للفقه والعقل، وهذا المخصوص بالمدح بينهما وذلك لما كان منه من الاستفادة من العلم والعمل به، حتى ظهر ذلك في حاله من اهتمامه وانشغاله بنفسه وتهذيبها وكبح جماح غضبها وانفلات شهوتها، مستعملاً للعلم فيما يحرز به حسن الخاتمة من العبادة والعمل الصالح، لم تشغله الدنيا وأهلها، فعاقبته ثبات القدم عند الزلات والفوز حين الفزع الأكبر بعلو الدرجات، حيث إنّه من أهل الإشفاق والخشية. وفي هذا قال أبو عَبْدِ اللهِ (ع)‏ فِي قَوْلِ اللهِ : {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}[72] قَالَ: >يَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ مَنْ صَدَّقَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ فِعْلُهُ قَوْلَهُ، فَلَيْسَ بِعَالِمٍ<[73].

تكامل العلم والعمل: عَنْ الإمام جعفر الصادق (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >نِعْمَ وَزِيرُ الإِيمَانِ الْعِلْمُ، ونِعْمَ وَزِير الْعِلْمِ الْحِلْمُ، ونِعْمَ وَزِيرُ الْحِلْمِ الرِّفْقُّ، ونِعْمَ وَزِيرُ الرِّفْقِ الْعِبْرَةُ<[74].

وعَنْ الْحَسَنِ الصَّيْقَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: >لا يَقْبَلُ اللهُ عَمَلًا إِلا بِمَعْرِفَةٍ، وَلا مَعْرِفَةً إِلا بِعَمَلٍ؛ فَمَنْ عَرَفَ، دَلَّتْهُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَلا مَعْرِفَةَ لَهُ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ<[75].

فالإيمان الذي يعتمد على العلم، لا يعتمد على أي علم بل على العلم المقرون بالحلم والرفق والعبرة، أي المقرون بالعمل الذي يشده ويعضده وينميه. وفي هذا السياق أيضاً قال الإمام الصادق (ع): >الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ؛ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلا ارْتَحَلَ عَنْهُ<[76].

وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي كَلامٍ لَهُ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ: >أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ؛ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِهِ، بَلْ قَدْ رَأَيْتُ أَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةَ أَدْوَمُ عَلى‏ هذَا الْعَالِمِ الْمُنْسَلِخِ مِنْ عِلْمِهِ مِنْهَا عَلى‏ هذَا الْجَاهِلِ الْمُتَحَيِّرِ فِي جَهْلِهِ، وَكِلاهُمَا حَائِرٌ بَائِرٌ[77]<[78].

 العلاقة بين العلم والعمل تكاملية؛ بحيث يتكامل كل منهما بالآخر والعكس، فلو ترك العالم العمل بعلمه يتناقص علمه حتى يكون كالجاهل، وتكون هذه منزلته الواقعية مهما كانت المصطلحات والمسائل التي يحفظها، فعاقبته البوار والهلاك.

وفي الخبر أنّه جَاءَ رَجُلٌ إِلى‏ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع)، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): >مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ: لا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلا كُفْراً، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلا بُعْداً<[79]. العلم للتعليم: وردت الكثير من الأخبار تؤكد على أهمية التعليم ونشر العلم وتبليغ الدين وردّ الشبهات وحفظ التراث الديني، بحيث يظهر منها أنّ هذه الحركة العلمية بمختلف أبعادها غاية وهدف لا بدّ من أن ينتهي إليها طالب العلم، فمنها: عن رَسُولُ اللهِ قَالَ: >إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي، فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ<[80]، وهذا يدلّ على وجوب ردّ الشبهات ودفع المنكرات. وفي الحثّ على التعليم جاء عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: عَنْ الإمام محمد الباقر (ع)، قَالَ: >إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ، وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ، وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ<[81].

وروي أنّ أَبِا جَعْفَرٍ الباقر (ع)، قَالَ: >زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللهِ<[82]. ومثله ورد عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ: >رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْيَا الْعِلْمَ<.

قَالَ: قُلْتُ: وَمَا إِحْيَاؤُهُ؟ قَالَ: >أَنْ يُذَاكِرَ بِهِ أَهْلَ الدِّينِ وَأَهْلَ الْوَرَعِ<[83].

وعَنْ الإمام جعفر الصادق (ع)، قَالَ: >قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع): إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى الْجُهَّالِ عَهْداً بِطَلَبِ الْعِلْمِ حَتّى‏ أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ عَهْداً بِبَذْلِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ؛ لأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ<[84].

وعَنْه (ع):>تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ، فَهُوَ أَعْرَابِيٌ؛ إِنَ اللهَ تَعَالى‏ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ‏ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}[85]<[86].

وعَنْه (ع): قَالَ: >مَنْ حَفِظَ مِنْ أَحَادِيثِنَا أَرْبَعِينَ حَدِيثاً، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِماً فَقِيهاً<[87].

نعم، هذه الحركة العلمية مطلوبة لكنها مقيّدة بالعمل الشخصي بالعلم ذلك العمل الذي يكون خالصاً لله ، وإلا فإنّ هذا التعليم والدفاع عن الدين والتبليغ لا يكون له أثر، بينما إذا كانت هذه الحركة خالصة لوجه الله كانت هي بنفسها عملاً بالعلم وكان لها الأثر المبارك الطيب، ويدل على هذا الكثير من الأخبار أيضاً، منها: عن الإمام الصادق (ع)، عَنْ آبَائِهِ (ع)، قَالَ‏: جَاءَ رَجُلٌ إِلى‏ رَسُولِ اللهِ|، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْعِلْمُ؟ قَالَ: >الإِنْصَاتُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الاسْتِمَاعُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الْحِفْظُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الْعَمَلُ بِهِ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: >نَشْرُهُ<[88]. فلا يكون نشر العلم وتبليغه إلا بعد العمل به.

وعَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ أنَّهُ قَالَ فِي كَلامٍ لَهُ: >الْعُلَمَاءُ رَجُلانِ: رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِهِ، فَهذَا نَاجٍ، وَعَالِمٌ تَارِكٌ لِعِلْمِهِ، فَهذَا هَالِكٌ، وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِهِ، وَإِنَّ أَشَدَّ أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وَحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْداً إِلَى اللهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، فَأَطَاعَ اللهَ، فَأَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، وَأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَهُ، وَاتِّبَاعِهِ الْهَوى، وَطُولِ الأَمَلِ، أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى‏ فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَطُولُ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ<[89].

 وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: >إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا<[90].

العلم للدنيا: يجب على طالب العلم أن يحترس أشدّ الاحتراس، ويحذر كل الحذر من أن يكون هدفه من طلب العلم تحصيل الدنيا ومغرياتها فعن أَبي عَبْدِاللهِ الصادق (ع)، قَالَ: >مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ؛ وَ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرَ الآخِرَةِ، أَعْطَاهُ اللهُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ<[91].

وعَنْه (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا<، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: >اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلى‏ دِينِكُمْ<[92].

 الفصل الخامس: نصائح أهل البيت (ع) لطلاب العلوم الدينية تمهيد: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): >إِنَّا -أَهْلَ الْبَيْتِ- شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَبَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَمَعْدِنُ الْعِلْمِ<[93].

و”المَعْدِن‏: مكان كل شي‏ء، أصله ومبتدؤه”[94].

وعليه فأهل البيت (ع) هم أصل العلم ومبتدؤه، ومن أراد العلم فمنهم يطلبه، وكثر طلاب العلم ولم يبخل أهل البيت (ع) ببثه ونشره، إلا أنّ قلّةً استفادت منهم وليس ذلك إلا لأنّ أكثر الناس لم تعرف كيف تطلب العلم أو كيف تحتفظ به، وقد شخّص أهل البيت (ع) هذا الخلل فعالجوه في كلماتهم وبثّوه ضمن وصاياهم وتنبيهاتهم، وهذه بعض وصاياهم وكلماتهم في النصيحة لطلاب العلم: ذكر الله: عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: >قَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسى: يَا رُوحَ اللهِ، مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ تُذَكِّرُكُمُ اللهَ رُؤْيَتُهُ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الآخِرَةِ عَمَلُهُ<[95].

عَنْ يُونُسَ رَفَعَهُ، قَالَ‏: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: >يَا بُنَيَّ، اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلى‏ عَيْنِكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِمًا، نَفَعَكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلًا، عَلَّمُوكَ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِرَحْمَتِهِ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا لا يَذْكُرُونَ اللهَ، فَلا تَجْلِسْ مَعَهُمْ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِمًا، لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلًا، يَزِيدُوكَ جَهْلًا، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِعُقُوبَةٍ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ<[96].

ولذكر الله معنىً أوسع من الذكر اللساني، والمناسب لطالب العلم أن يعيش الذكر القلبي لله ، فيكون كلّ وجوده له وكلّ حركته له، فيتوفّر بذلك على الإخلاص الذي يرفع العمل ويزكي العلم.

 انتخاب الأستاذ: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ الصادق (ع)، قَالَ: >إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَذَاكَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلا دِينَاراً، وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظّاً وَافِراً، فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإِنَّ فِينَا -أَهْلَ الْبَيْتِ- فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولا يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ<[97].

 عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ الإمام محمد الباقر (ع)‏ فِي قَوْلِ اللهِ : {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسانُ إِلى‏ طَعامِهِ}[98] قَالَ: قُلْتُ: مَا طَعَامُهُ؟ قَالَ: >عِلْمُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ، عَمَّنْ يَأْخُذُهُ؟<[99].

تقدم أنّ أهل البيت (ع) هم معدن العلم فعنهم يؤخذ، إلا أنّ ما ذكروه له معنىً عام يؤدّي إلى أن يحرص طالب العلم على انتخاب أستاذه؛ إذ ليس كل من نصب نفسه للتدريس أهل لذلك، وليس كل من نقل عن أهل البيت (ع) أهلٌ للنقل عنهم، فانتخاب الأستاذ المناسب والمؤهل من أهم وصايا أهل البيت (ع).

رعاية الآداب مع الأستاذ: بعد أن يُحسن طالب العلم اختيار أستاذه يلزم عليه لاحقاً أن يراعي معه آداباً وسلوكيات، يكون بمراعاتها مؤدياً لحق وبذلك يستحق من الله  أن ينزل عليه بركاته ويفيض عليه العلم والفهم.

 من هذه الآداب ما روي عَنْ أَبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: >إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ، وَلا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ، وَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ -وَعِنْدَهُ قَوْمٌ- فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً، وَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ، وَاجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلا تَجْلِسْ خَلْفَهُ، وَلا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ، وَلا تُشِرْ بِيَدِكَ، وَلا تُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: قَالَ فُلانٌ وَقَالَ فُلانٌ خِلافاً لِقَوْلِهِ، وَلَا تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا مَتى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ، وَالْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ<[100].

 ومنها ما جاء في رسالة الحقوق عَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) قَالَ: >حَقُ‏ سَائِسِكَ‏ بِالْعِلْمِ التَّعْظِيمُ لَهُ وَالتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْنُ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ وَالإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَأَنْ لا تَرْفَعَ عَلَيْهِ صَوْتَكَ وَلا تُجِيبَ أَحَداً يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُجِيبُ وَلا تُحَدِّثَ فِي مَجْلِسِهِ أَحَداً وَلا تَغْتَابَ عِنْدَهُ أَحَداً وَأَنْ تَدْفَعَ عَنْهُ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَكَ بِسُوءٍ وَأَنْ تَسْتُرَ عُيُوبَهُ وَتُظْهِرَ مَنَاقِبَهُ وَلا تُجَالِسَ لَهُ عَدُوّاً وَلا تُعَادِيَ لَهُ وَلِيّاً فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ شَهِدَ لَكَ مَلائِكَةُ اللهِ بِأَنَّكَ قَصَدْتَهُ وَتَعَلَّمْتَ عِلْمَهُ لِلَّهِ جَلَّ اسْمُهُ لا لِلنَّاس<[101]. الاستفهام والسؤال: عن الإمام جعفر الصادق (ع) قَالَ: >إِنَّ هذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ، وَمِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ<[102].

ولا تعارض بين هذا وما تقدم فالمراد ألا يؤذي الطالب أستاذه بكثر المسألة والإلحاح، ولا مانع من أن يستفهم منه بالطرق المناسبة والأوقات الملائمة، بل هو المطلوب وهو مفتاح العلم.

الإنصات وحسن الاستماع: عن الإمام الصادق (ع)، عَنْ آبَائِهِ (ع)، قَالَ‏: جَاءَ رَجُلٌ إِلى‏ رَسُولِ اللهِ|، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْعِلْمُ؟ قَالَ: >الإِنْصَاتُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الاسْتِمَاعُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الْحِفْظُ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: >الْعَمَلُ بِهِ<، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: >نَشْرُهُ<[103].

التفهم والتدبر والتفكر: عَنْ أَبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): >أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ؟! مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلى‏ غَيْرِهِ؛ أَلا لا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلا لا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلا لا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ<[104].

 الاستعانة بالعبادة: تقدم أنّ‏ أَبا عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: >طَلَبَةُ العِلْمِ ثَلاثَةٌ، فَاعْرِفْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ: صِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلاسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْفِقْهِ وَالْعَقْلِ…

وَصَاحِبُ الْفِقْهِ وَالْعَقْلِ ذُو كَآبَةٍ وَحَزَنٍ وَسَهَرٍ، قَدْ تَحَنَّكَ فِي بُرْنُسِهِ، وَقَامَ الليْلَ فِي حِنْدِسِهِ، يَعْمَلُ وَيَخْشى‏ وَجِلاً دَاعِياً مُشْفِقاً، مُقْبِلاً عَلى‏ شَأْنِهِ، عَارِفًا بِأَهْلِ زَمَانِهِ، مُسْتَوْحِشاً مِنْ أَوْثَقِ إِخْوَانِهِ<[105].

العمل بما يتعلم: ليس العمل بالعلم غاية وهدفاً لطلبه فقط، بل يشكل أيضاً سبباً لتحصيله التحصيل المبارك والمثمر؛ لذلك يحرص أئمة أهل البيت (ع) على أن يراعي طالب العلم العمل بما تعلمه لتحلّ البركة في سعيه وطلبه.

وقد جَاءَ رَجُلٌ إِلى‏ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع)، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): >مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ: لا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلا كُفْراً، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلا بُعْداً<[106].

وعَنْ أَبي جَعْفَرٍ الباقر (ع) فِي قَوْلِ اللهِ : {فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ}‏[107]، قَالَ: >هُمْ‏ قَوْمٌ وَصَفُوا عَدْلاً بِأَلْسِنَتِهِمْ ثُمَّ خَالَفُوهُ إِلى‏ غَيْرِهِ<[108]. التواضع: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: >اطْلُبُوا الْعِلْمَ، وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ، وَلا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ؛ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ<[109].

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ رَفَعَهُ، قَالَ‏: قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (ع): >يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اقْضُوهَا لِي، قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اللهِ، فَقَامَ، فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ، فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا يَا رُوحَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِدْمَةِ الْعَالِمُ، إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ.

 ثُمَّ قَالَ عِيسى (ع): بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ الْحِكْمَةُ، لا بِالتَّكَبُّرِ؛ وَكَذلِكَ فِي السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعُ، لا فِي الْجَبَلِ<[110].

الحلم: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: >اطْلُبُوا الْعِلْمَ، وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ…<[111].

وعَنْه: عَنْ أَبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: >يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ لِلْعَالِمِ ثَلاثَ عَلامَاتٍ: الْعِلْمَ، وَالْحِلْمَ، وَالصَّمْتَ، ولِلْمُتَكَلِّفِ ثَلاثَ عَلامَاتٍ: يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيَظْلِمُ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ، وَيُظَاهِرُ الظَّلَمَةَ<[112].

 ترك القول بدون علم: عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِاللهِ (ع): >أَنْهَاكَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ، فِيهِمَا هُلْكُ الرِّجَالِ: أَنْهَاكَ أَنْ تَدِينَ اللهَ بِالْبَاطِلِ، وَتُفْتِيَ النَّاسَ بِمَا لا تَعْلَمُ<[113].

وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ: عَنْ أَبي جَعْفَرٍ (ع)، قَالَ: >مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى، لَعَنَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، وَلَحِقَهُ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِفُتْيَاهُ<[114].

وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ: عَنْ أَبي جَعْفَرٍ (ع)، قَالَ: >مَا عَلِمْتُمْ فَقُولُوا، وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا: اللهُ أَعْلَمُ؛ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ<[115].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ‏: >لِلْعَالِمِ -إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ لا يَعْلَمُهُ- أَنْ يَقُولَ: اللهُ‏ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ ذلِكَ<[116].

 وعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع): مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ: >أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ، وَيَقِفُوا عِنْدَ مَا لا يَعْلَمُونَ<[117]. ترك التبرير: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي كَلَامٍ لَهُ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ: >…

وَلا تُرَخِّصُوا لأَنْفُسِكُمْ فَتُدْهِنُوا، وَلا تُدْهِنُوا فِي الْحَقِّ فَتَخْسَرُوا<[118].

 الترويح عن النفس: وكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: >رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الأَبْدَانُ<[119].

وصيّة جامعة عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: >يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَ‏ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ، وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ، وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ، وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ، وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ، وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الأَشْيَاءِ وَالأُمُورِ، وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ، وَرِجْلُهُ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ، وَهِمَّتُهُ السَّلامَةُ، وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ، وَمُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ، وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ، وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ، وَسِلاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ، وَسَيْفُهُ الرِّضَا، وَقَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ، وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَمَالُهُ الأَدَبُ، وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ، وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ، وَمَأْوَاهُ الْمُوَادَعَةُ، وَدَلِيلُهُ الْهُدى‏، وَرَفِيقُهُ مَحَبَّةُ الأَخْيَارِ<[120].

رعاية العلم: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: >إِنَّ رُوَاةَ الْكِتَابِ كَثِيرٌ، وَإِنَّ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ، وَكَمْ مِنْ مُسْتَنْصِحٍ لِلْحَدِيثِ مُسْتَغِشٌّ لِلْكِتَابِ، فَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّعَايَةِ، وَالْجُهَّالُ يَحْزُنُهُمْ حِفْظُ الرِّوَايَةِ، فَرَاعٍ يَرْعى‏ حَيَاتَهُ، وَرَاعٍ يَرْعى‏ هَلَكَتَهُ، فَعِنْدَ ذلِكَ اخْتَلَفَ الرَّاعِيَانِ، وَتَغَايَرَ الْفَرِيقَانِ<[121].

الكتابة: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ (ع) يَقُولُ: >اكْتُبُوا، فَإِنَّكُمْ لا تَحْفَظُونَ حَتّى‏ تَكْتُبُوا<[122].

وعَنْه (ع)، قَالَ: >الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ<[123].

حفظ الكتب: وروي أنّ الإمام الصادق (ع) قال: >احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا<[124].

وعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِاللهِ (ع): >اكْتُبْ، وَبُثَ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلا بِكُتُبِهِمْ<[125].

الأمانة في النقل: عَنْ أَبي عَبْدِاللهِ (ع)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): >إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ، فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَكُمْ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَعَلَيْهِ<[126]. وقَالَ أَبُو عَبْدِاللهِ (ع): >إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ الْمُفْتَرِعَ<.

قِيلَ لَهُ: وَمَا الْكَذِبُ الْمُفْتَرِعُ؟ قَالَ: >أَنْ يُحَدِّثَكَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ، فَتَتْرُكَهُ وَتَرْوِيَهُ عَنِ الَّذِي حَدَّثَكَ عَنْهُ<[127].

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبي عَبْدِاللهِ (ع): قَوْلُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[128]؟ قَالَ: >هُوَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَيُحَدِّثُ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ، لا يَزِيدُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ مِنْهُ<[129].

 حُسن البيان: عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللهِ (ع): >أَعْرِبُوا حَدِيثَنَا؛ فَإِنَّا قَوْمٌ فُصَحَاءُ<[130]. والحمد لله رب العالمين.

المصادر والمراجع

  • [1] سورة العلق: 1- 5.
  • [2] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، منشورات مدرسة الإمام علي×، قم، ط1، 1421هـ‏، ج20، ص323.
  • [3] سورة النحل: 89.
  • [4] البغاة: جمع الباغي أي الطالب، تقول: هو بُغْيَتِي‏، أي: طلبتي… وبَغَيْتُ‏ الشي‏ءَ أَبْغِيهِ‏ بُغَاءً. وابْتَغَيْتُهُ‏: طلبته، انظر كتاب العين، نشر الهجرة، قم، ط2، 1409هـ، ج4، ص453.
  • [5] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، دار الحديث، قم، ط1، 1429هـ، ج‏1، ص71، ح1.
  • [6] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏7، ص29.
  • [7] المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1404هـ، ج1، ص99، ح4.
  • [8] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، دار الحديث، قم، الطبعة الأولى، 1429 هـ، ج‏1، ص97، ح4.
  • [9] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص73، ح3.
  • [10] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص73، ح4.
  • [11] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص77، ح4.
  • [12] نقله غير واحد عن المولى المازندراني، انظر: المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي -الأصول والروضة، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج2، ص33.
  • [13] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص110، ح6.
  • [14] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏3، ص6.
  • [15] الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، دار القلم، بيروت، ط1، 1412هـ، ص557.
  • [16] سورة التوبة: 97.
  • [17] سورة التوبة: 99.
  • [18] سورة التوبة: 122.
  • [19] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص74، ح7.
  • [20] “النظر ها هنا كناية عن الاختيار والرأفة والعطف؛ لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهة”. انظر: المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏1، ص101.
  • [21] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص75، ح8.
  • [22] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، قم، الطبعة الثانية، 1371هـ، ج1، ص228.
  • [23] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص76، ح2.
  • [24] المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏1، ص103.
  • [25] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص77، ح3.
  • [26] أي: المخالفين.
  • [27] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص78، ح7.
  • [28] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص79، ح8.
  • [29] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص82، ح1.
  • [30] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص79، ح9.
  • [31] الراوية: كثير الرواية، والتاء للمبالغة، كما في العلامة والنسّابة.
  • [32] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص79، ح10.
  • [33] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص97، ح5.
  • [34] الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، ص79.
  • [35] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏8، ص410.
  • [36] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص75، ح9.
  • [37] انظر: الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج‏17، ص331، ح1.
  • [38] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، قم، الطبعة الثانية، 1371هـ، ج1، ص228.
  • [39] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص75، ح10.
  • [40] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص76، ح1.
  • [41] انظر: بحر العلوم، جعفر، تحفة العالم في شرح خطبة المعالم، ج2، ص361.
  • [42] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص82، ح1.
  • [43] تعددت أقوال العلماء في بيان معنى وضع الملائكة أجنحتها واستغفار الموجودات لطالب العلم وليس هذا مكان بحثها.
  • [44] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص85، ح5.
  • [45] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏3، ص397.
  • [46] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏6، ص19.
  • [47] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، ج1، ص229، ح166.
  • [48] سورة التوبة: 119.
  • [49] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، ج1، ص229، ح168.
  • [50] الطوسي، نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن، آداب المتعلمين، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، دار زين العابدين لإحياء تراث المعصومين، قم، 1437هـ، 2016م، ص63.
  • [51] العاملي، زين الدين بن علي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، ص151.
  • [52] يتضح من ذيل الحديث أنّ الجار والمجرور تنازعته الأفعال الثلاثة فالمراد تعلم لله وعمل لله وعلَّم لله.
  • [53] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص86، ح6.
  • [54] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص98، ح6.
  • [55] جَلَوْتُ‏ السيف‏ جِلاءً بالكسر، أى صقَلتُ، انظر: الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1376هـ، ج‏6، ص2304.
  • [56] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص98، ح8.
  • [57] التسربل لبس السِّرْبَالُ‏: القميص، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏7، ص344.
  • [58] الخيشوم: الأنف، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏4، ص174.
  • [59] الحَيْزُوم‏: وسط الصدر، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج3، ص166.
  • [60] الخِبُ‏: الخِدَاع، انظر: الصاحب بن عباد، إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، ج‏4، ص183.
  • [61] المَلَقُ‏: الود واللطف الشديد، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج5، ص174.
  • [62] التَّحَنُّكُ‏: التلحِّي، وهو أن تدير العِمامة من تحت‏ الْحَنَك، انظر: الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، ج4، ص1581.
  • [63] الْبُرْنُسُ‏: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏7، ص343. وفي مرآة العقول، البرنس: قلنسوة طويلة كان يلبسها النساك والعباد في صدر الإسلام، انظر: المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج1، ص162.
  • [64] الحِنْدِس‏: الظلمة. انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏3، ص332.
  • [65] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص119، ح5.
  • [66] انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏3، ص390.
  • [67] انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏3، ص390.
  • [68] انظر: الصاحب بن عباد، إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، ج10، ص282.
  • [69] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏‏7، ص451.
  • [70] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏4، ص238.
  • [71] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص114، ح6.
  • [72] سورة فاطر: 28.
  • [73] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص86، ح2.
  • [74] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص118، ح3.
  • [75] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص107، ح2.
  • [76] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص109، ح2.
  • [77] بائر: هالك، البوار: الهلاك، انظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏8، ص285.
  • [78] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص110، ح6.
  • [79] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص109، ح4.
  • [80] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص135، ح2.
  • [81] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص83، ح2.
  • [82] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص100، ح3.
  • [83] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص98، ح7.
  • [84] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص100، ح1.
  • [85] سورة التوبة: 122.
  • [86] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص74، ح7.
  • [87] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص122، ح7.
  • [88] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص119، ح4.
  • [89] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص108، ح1.
  • [90] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص109، ح3.
  • [91] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص113، ح2.
  • [92] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص114، ح5.
  • [93] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص549، ح2.
  • [94] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج‏2، ص42.
  • [95] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص95، ح3.
  • [96] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص94، ح1.
  • [97] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص76، ح2.
  • [98] سورة عبس: 24.
  • [99] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص123، ح8.
  • [100] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص89، ح1.
  • [101] الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج‏15، ص172، ح1.
  • [102] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص97، ح3.
  • [103] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص119، ح4.
  • [104] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص87، ح3.
  • [105] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص119، ح5.
  • [106] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص109، ح4.
  • [107] سورة الشعراء: 94.
  • [108] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص116، ح4.
  • [109] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص86، ح1.
  • [110] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص88، ح6.
  • [111] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص86، ح1.
  • [112] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص89، ح7.
  • [113] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص101، ح1.
  • [114] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص102، ح3.
  • [115] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص103، ح4.
  • [116] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص103، ح5.
  • [117] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص104، ح7.
  • [118] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص110، ح6.
  • [119] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص117، ح1.
  • [120] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص117، ح2.
  • [121] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص121، ح6.
  • [122] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص129، ح9.
  • [123] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص129، ح8.
  • [124] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص129، ح10.
  • [125] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص129، ح11.
  • [126] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص128، ح7.
  • [127] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص130، ح12.
  • [128] سورة الزمر: 18.
  • [129] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص126، ح1.
  • [130] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج‏1، ص131، ح13.
المصدر
مجلة رسالة القلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى