أدب العودة إلى الله – الإعتراف والإقرار
المفردة الأولى من هذه العناصر، الإعتراف والإقرار، وهو بداية البداية والخطوة الأولى على طريق العودة، ومن دونها لا تتحقق العودة.
ورحم الله العبد الصّالح ذا النون (ع)، حيث بدأ رحلة العودة إلى الله بالإقرار بـ {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
الشّرط الأول في العودة إلى الله (الإعتراف) والشّرط الثاني (الإعتذار). وفي مقابل (الإعتراف) (الإنكار) وفي مقابل (الإعتذار) (التبرير). وكل من (الإعتراف) و(الإعتذار) جميل، وكل من (الإنكار) و(التبرير) قبيح وليس الإنكار قبيحاً فقط لان الله تعالى يعلم السّرّ وخفايا أعمال عباده، وما توسوس به صدورهم، وإنّما لأن (الإنكار) نحو من العناد واللجاج والإستكبار، والله تعالى يمقت اللجاج والعناد والإستكبار والإعتداد.
ورأس مال الإنسان بين يدي الله أحد اثنين: (عمل صالح)، إذا كان يملك عملا صالحاً، (والاعتراف بالسيئات) إذا كان لا يملك عملا صالحاً إذا كان الإعتراف بالسيئات يقترن بذل الإنكسار بين يدي الله، ويتضمن العودة إلى الله تعالى. فإن الإنسان يرفع إلى الله (العمل الصّالح) ويرفع إلى الله فقره وحاجته وضعفه وإنابته إليه تعالى، وكل منهما يصعد إلى الله، كما أن (العُجبْ) و(الرياء) يحبطان العمل الصّالح ويفسدانه. فإذا اقترن بالعمل الصّالح العُجبْ والرياء أفسداه وأسقطاه وأحبطاه. وإذا تجرد من (العُجبْ) لم يجد ما يقدمه إلى الله تعالى غير فقره وحاجته واعترافه بسيئاته. ولا عجب أن الله تعالى يبدل سيئات العبد في حال الإعتراف والإنكسار إلى حسنات يقول تعالى:
{فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[1].
ما هذا الإنقلاب؟ وكيف يتم هذا الإنقلاب والتبديل؟
الجواب: إن هذا الإنقلاب يحدث بسبب شعور العبد بالندم والفقر والحاجة إلى الله وبالإنكسار بين يدي الله.
ففي دعاء أبي حمزة (إلهي انْ كانَ قدْ دنا أجلي ولمْ يُقربني منكَ عمَلي، فقدْ جعلتُ الإعترافَ إليكَ بذنبي وسائل عللي). ومن عجب أن يتقرب العبد إلى الله بالعمل الصّالح والإعتراف بالسيئات.
إذن بداية العودة إلى الله (الإعتراف بالذنب) وهذه البداية توطِّئ الإنسان لنزول رحمة الله، ولولا هذه البداية لم يتمكن ذو النون (ع) من أن يواصل هذه الرحلة إلى شوطها الأخير.
وقد جعل ذو النون (ع) إقراره هذا ذريعة إلى رحمة الله الواسعة.
ومن عجب أن يكون الإقرار بالذنب ذريعة إلى رحمة الله كما أن فعل الصّالحات ذريعة إلى تلك الرحمة. وللعلاقة بالله تعالى شؤون وأسرار لا يعيها إلاّ مثل ذي النون (ع).
إن الإقرار بالذنب، والإعتراف بالإثم بين يدي الله تعالى يكسر من شموخ الإنسان، ويضع من كِبَرِه، وينقله من موقع الشّموخ والإستعلاء إلى موقع العبودية والفقر بين يدي الله، حيث تنزل رحمة الله على عباده.
وقد ورد ذكر الإعتراف والإقرار كثيراً في المأثور من أدعية أهل البيت^.
ففي الدعاء الَّذي يرويه أبو حمزة الثمالي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع).
(أنا المذنب الَّذي سترته، والخاطئ الَّذي أقلته، أنا يا رب الَّذي لم أستحيك في الخلاء، ولم أراقبك في الملاء، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الَّذي على سيده اجترى، أنا الَّذي عصيتُ جبّار السّماء، أنا الَّذي أعطيتُ على معاصي الجليل الرُشا، أنا الَّذي حين بُشّرتُ بها خرجتُ إليها أسعى، أنا الَّذي أمهلتني فما ارعويتُ، وسترتَ عليّ فما استحييتُ، وعملتُ بالمعاصي فتعدَّيتُ، وأسقطتني من عينكَ فما باليتُ، فبحلمك أمهلتني، وبستركَ سترتني، حتّى كأنك أغفلتني، ومن عقوبات المعاصي جنبتني، حتّى كأنك استحييتني).
وفي الدعاء الَّذي علمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لكميل بن زياد:
«أللهمَّ عظمَ بلائي، وأفرطَ بي سوءُ حالي، وقصرتْ بي أعمالي، وقعدتْ بي أغلالي، وحبسني عن نفعي بُعدْ أملي، وخدعتني الدُّنيا بغرورِها، ونَفسي بجنايتِها ومِطالي يا سيدي».
ومن المناجاة الأولى.
(إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي).
أقرأ ايضاً:
الهوامش والمصادر
- [1] ـ الفرقان: 70.